حسام المقدم - ليلة "خلوة الغلبان"..

إحدى الليالي من صيف 2005، قرف وزهق بعد ندوة كالحة تركت أثرا نفسيا سيئا؛ لكنها لم تمر دون ما يجبر الخاطر.. فعلى فَرشَة الجرائد يسطع كتاب "خلوة الغلبان"، مطبوع عليه الصورة الأيقونة لإبراهيم أصلان: الشارب الكبير والشعر الهائش، والأهم.. عيناه المقلوبتان للأعلى، بطِيبة وتأمُّل وأسى غريب، في خلطة لم توجد في صورة لكاتب بمثل هذه الكثافة والبساطة والتلقائية. لم أتوقف عن تأمُّل اللقطة بمرور السنوات، وظل "أصلان" في ذهني وروحي مُماثلا لهذه الهيئة ولا شيء غيرها، لدرجة أنني حين كنت أرى صُورا أخرى له أقول: ليس هو! حالة عجيبة صاحبتني منذ تلك الليلة لحظة أن أمسكتُ الكتاب مُرددا العنوان مرتين وثلاثا وعشرا: خلوة الغلبان! خلوة الغلبان، أين كان هذا العنوان لابدا حتى خرج بهذه التركيبة الحميمة؛ خلوة.. أي توحد ووحدة واختيار للبُعد، وتأتي "الغلبان" لتضيف الكثير لذلك المُختلِي المتوحد، الغلبان هو العائش في حاله، الذي يقول لنا: اتركوني مع نفسي، الغلبان هو النافض عن كتفيه كل شيء ليعيش خفيفا منتعشا مندهشا، حالة كبرى لا يصل إليها إلا أُولو العَزم من الأولياء والكُتّاب.
طوال طريق رجوعي إلى البلد قرأت مقالين لم يُفارقاني حتى الآن وأعود إليهما دائما، حدث أن بدأت القراءة من آخر الكتاب، وكان المقال القصصي المتفرد في النهاية عن "محمد حافظ رجب" بعنوان "أنتَ يا مَن هناك"، بقيتُ ساهما بعد الانتهاء، أُقلّب الحالة الشّجيّة عن قلب طافح بالطموح والتجريب، لكنه سكنَ وهدأ لأسباب تبعث على الأسى. المصادفة أن المقال قبل الأخير، والأكثر أسى، كان عن الراحل "عبدالمعطي المسيري": "في ذكرى كاتب بديل". خبطتُ على رأسي عندما قال أصلان إن مصير "المسيري" تجلّى له مصيرا بائسا لابد أنه صائر إليه! المصيبة أن السؤال الأسود ما زال يطن أكثر مما كان في صيف 2005: ما مصيرنا نحن بعد كل تلك السنوات؟
لا تفارقني ليلة "خلوة الغلبان"، ولم أتوقف عن الرجوع إلى الكتاب المتفرد في مجال المقال القصصي الحميم المُحمّل بالكثير، وبعد سنوات عندما ظهر كتاب "أصلان" الثاني في نفس الطريق وهو "شيء من هذا القبيل"؛ رحتُ إليه بنفس الروح التي قرأتُ بها أخاه الأول، فكان أن دخلتْ نصوصه وقعدت في القلب إلى جوار نصوص كتاب الخلوة، كل ذلك بالطبع جنب روايات وقصص علامة على صاحبها: "مالك الحزين" و"بحيرة المساء" و"عصافير النيل" و..




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى