مقتطف شريف محيي الدين إبراهيم - الرعاع أو السفلة

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

لا تمنعوا العلم أهله فتظلموا ، ولا تضعوه غير أهله فتأثموا.

كما جاء حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم : واضع العلم فى غير أهله كمقلد الخنازير اللؤلؤ والجوهر والذهب.

وهذا ما يؤكد على أهمية مخاطبة الناس على قدر عقولهم،وأخلاقهم، وتربيتهم، ووضع كل شخص في مقداره ومكانته التي يستحقها، فلا يمكن مساواة، عليا القوم بالسفلة والرعاع من الناس.

كما إنه لابد من اختيار وانتقاء الذين يتلقون العلم حتى يصونوه بحسن التلقى وبالعمل به وبنشره.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :

نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس علي قدر عقولهم.

وقال عيسي ابن مريم عليهما السلام :

للحكمة أهل ، فإن وضعتها فى غير أهلها

ضيعت ، وإن منعتها من أهلها ضيعت

وقال عليه السلام : لا تطرح اللؤلؤ إلى الخنزير، فإن الخنزير لا يصنع باللؤلؤ شيئا ، ولا تعط الحكمة من لا يريدها ، فإن الحكمة خير من اللؤلؤ، ومن لا يريدها شر من الخنزير.

وفى هذا تنبيه على ألا يودع العلم عند غير أهله ، ولا يودع العلم أيضا لقليل الفهم.

{ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما} النساء

وليس الظلم فى إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم فى منع المستحق.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولتماروا به السفهاء ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، فمن فعل ذلك فهو فى النار

وهو حديث رواه ابن ماجه بسند صحيح

، ولا شك أن السفلة هم الذين يتعلمون من أجل ذلك.

هذا، وقد جاء فى تفسير القرطبى " ج 9 ص 23 " أن السفلة فى تعيينهم أقوال ، فقيل : هم الذين يتفلَّسون ويأتون أبواب القضاء والسلاطين يطلبون

الشهادات ، مأخوذ من التفليس وهو استقبال الولاة عند قدومهم بأصناف اللهو. وقيل : هم الذين يأكلون الدنيا بدينهم ، وقيل : هم الذين يزاولون أعمالا حقيرة كالحياكة والحجامة والدباغة والكنس.


أعتقد أن أقذر أنواع السفلة هم من يأتون أبواب السلاطين، نفاقا ومدهانة ،وكم بيننا الآن من رجال إعلام، وفنانين، وكتاب ، وساسة... الخ، ينافقون، ويداهنون ،بل و يطبلون و يغنون ويرقصون على أبواب أي سلطان.

ولكن هل الرعاع، يمكن أن يكونوا من أبناء الملوك؟!

الحقيقة إن التاريخ يشهد بأنه ثمة حالات مستعصية لرعاع وسفلة على أعلى مستوى من القبح والتدني، وقد كان بعضهم من بيوت عريقة بل ومنهم ملوك وأمراء وحكام، فالرعاع لا يخرجون من بيوت الفقراء فقط، وكم من أفاضل خرجوا من بيوت متواضعة وأسر كادحة.

فهل كان عبدالله بن سلول زعيم المنافقين هو واحد من أولئك السفلة، وهو في الأساس لم ينشأ إلا في بيت عز، وزعامة؟!

أشهر المنافقين، عبد الله بن أبي سلول :

إنه الشخصية الأبرز في عالم النفاق والخديعة

، فقد أضمر الحقد ضدّ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حينما فقد كرسي قيادة المدينة، بعد قدوم الرسول إليها.

فرغ نفسه لصناعة المؤامرات ، ومحاولة نشر الفتنة والخلاف بين جميع قاطني المدينة ، كما عمل مراراً على نشر الإشاعات ، وصنع المكائد الخبيثة.

تجلت خيانته الكبرى يوم غزوة أحد حين انسحب مع ٣٠٠ مقاتلٍ من أصحابه بحجة عدم الأخذ بمشورته في ترك الخروج من المدينة.

كما حرّض يهود بني النضير على قتال المسلمين، وعرض عليهم الوقوف إلى جانبهم في تلك الحرب، وكانت النتيجة جلاء بني النضير عن المدينة.

، وفي غزوة بني المصطلق كان له دورٌ كبيرٌ في الطعن في عرض النبيّ الكريم حينما اتّهم السيدة عائشة بالفاحشة ،

وقد كان صاحب فكرة بناء مسجد الضرار الذي أحدث الوقيعة بين المسلمين.

{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

بني المنافقون من أهل قباء مسجدا إلى جنب مسجد قباء، يريدون به المضارة والمشاقة بين المؤمنين، ويعدونه لمن يرجونه من المحاربين للّه ورسوله، ويكون لهم حصنا عند الاحتياج إليه، فبين تعالى خزيهم، وأظهر سرهم فقال:

{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا ْ} أي: مضارة للمؤمنين ولمسجدهم الذي يجتمعون فيه

{ وَكُفْرًا ْ}أي: قصدهم فيه الكفر، إذا قصد غيرهم الإيمان.

{ وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ْ} أي: ليتشعبوا ويتفرقوا ويختلفوا،

{ وَإِرْصَادًا ْ} أي: إعدادا

{ لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ْ}أي: إعانة للمحاربين للّه ورسوله، الذين تقدم حرابهم واشتدت عداوتهم.

***.

الأمر العجيب أن ابن سلول حينما حضرته الوفاة طلب من النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- قميصه؛ كي يُكفّن فيه، فوافق النبيّ الكريم على ذلك،

وبعد وفاته طلب ابنه من سيدنا محمد أن يصلّي عليه، فصلي عليه النبي الكريم.


***



وقد خاض الرسول ومن معه من المهاجرين والأنصار، العديد من المعارك والغزوات، ضد المشركين، لتنتهي هذه المرحلة بفتح مكة، وإعلان أبي سفيان زعيم قريش إسلامه .

( إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربك، واستغفره إنه كان توابا)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى