هادي الميّاح - الرؤية من الخارج

"يقول الرجل الذي كان يجلس في مقدمة الباص ، أن الرحلة الى جنوب اسطنبول كانت تبدو مقنعة لولا صوت الاغاني الحاد الذي كاد يمزق طبلة اذنه. اضافة الى ان كلمات بعض الاغاني من وجهة نظره، لا تليق. "
الفتاة الصينية التي اطلقت صوتها قرب الساحل، ابتلعت الأمواج كلماتها. وراحت تبحث عنها، وحين تعبت، خطفت السيجار الكوبي أو الچروت من يد أحدهم وسحبت نفسًا طويلا كاد ان يخنق مجراها التنفسي. ورغم كل ذلك ، كانت تبدو سعيدة وهي تحاكي بكل جرأة القيصر وكوكب الشرق . انتابني شغف كبير لزيارة الصين في الرحلة القادمة.
"تسأل…لماذا يدعوني بالشخصية الاسطورية؟ فأجبتها بأنك لم تضمر لها السوء بل بالعكس ما تعنيه أنها جاءت بما لم يأت به أحدٌ من قبل ، أو قامت بعمل غير مألوف. أي أنها شخصية مميزة دون غيرها "
قالت "زوزاية" ذلك..
-كم انت رائعة يا "زوزاتي" لو تعلمين كم انني احبك ولا استغني عن وجودك الى جانبي.
-……..
كانت عاجزة عن الرد، لا تمتلك الجرأة الكافية. ابتسمتْ لي وربتّتْ على كتفي ،كأنها تؤكد ذلك الحب.
وحين كنّا تحت الجسر في المطعم. كان الجو مشبعًا بالرطوبة . وتراءى لي ان ارضية المطعم العائم تتحرك تحتي . تناولنا وجبة اسماك سهلة و قليلة الأشواك لا تشبه الأسماك النهرية عندنا والتي تعودنا عليها. بحيث انني بعد دقائق قليلة على خروجنا من المطعم، نسيت إنني أكلتُ سمكاً.
دون أن أشعر، نبّهني هاتفي بأن عدد الخطوات هذا اليوم قد بلغ عشرة آلاف خطوة. شعرت بالارتياح، فهذا الحد يساهم بتقليل الاصابة بالمشاكل الصحية.كنت أرتدي حذاء "سكَچَر" طبي، قيل أنه مناسب في هكذا رحلات ثلاثة ارباعها سيرًا على الأقدام. وكنت اتطلع لمن حولي كلما مررنا بكتل بشرية توزعت على الساحل. إلى يساري، فوق الشريط الصخري، الشاب الجالس قرب فتاته جذب فضولي .كان يتحدث بصوت عال و بأريحية تامة تتخللها حركة ذراعيه الهائمَين في الفضاء .
في خطوات العودة، كنتُ حريصًا على أن ابقى الى جانب الشريط، للحفاظ على موقعي كما كنت في حالة الذهاب . شممت رائحة مختلفة، ممزوجة مع رطوبة البحر. ورأيت الشاب نفسه، مثل هلام له اذرع متعددة تمتد بين الصخور ، وتتخلل فضاء الفتاة .
تذكّرتُ الرجل وما قاله وهو يبدي رأيه واصفًا قناعته في الرحلة من داخل الباص. رأتني الفتاة- التي فقدت كلمات اغانيها- وأنا ابتسم.
أراك تبتسم، ما الذي يدعو الى ذلك؟
قلتُ لها: لكي تعرفي دوافع ابتسامتي عليك ان تكوني في تجاويف ذهني واحاسيسي. لا يكفي أن تكوني بالقرب مني .!
وبعد فاصل صمت قالت لي:
"لقد جعلتَ ثقتي تتزعزع في الكثير، وكنتُ قد اقتنعتُ بكل ما رأيت" حينها شعرتُ بالسعادة لأنني حققتُ الكثير ، وأنا ما زلتُ في البداية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى