طارق حرب - المارشال ستانلي مود من ضحايا الكوليرا( ابو زوعه) في بغداد التي ضربت بغداد بقسوة في القرن 19وبداية القرن العشرين فأكلت ما أكلت من حياة ال

المارشال ستانلي مود من ضحايا الكوليرا ( ابو زوعه) في بغداد التي ضربت بغداد بقسوة في القرن 19وبداية القرن العشرين فأكلت ما أكلت من حياة البغداديين




في سلسلة التراث البغدادي كانت لنا محاضرة عن مرض الكوليرا الذي فعل ببغداد وخاصة نهاية العهد العثماني أي في القرن التاسع عشر وبداية الحكم الانگليزي أي في القرن العشرين كل عجيب وغريب حتى أنه وصل الى الجنرال ستانلي مود قائد القوات البريطانية التي فتحت بغداد في شهر آذار سنة 1917 فأكله هذا المرض وتوفي بهذا الداء في شهر تشرين الثاني من نفس السنه وهو الذي أنهى الوجود التركي في بغداد وكان قائد القوات الانگليزيه التي تولت السلطه في بغداد بعد خروج الاتراك ولازال قبر هذا القائد الانگليزي في مقبرة الانگليز في محلة الكرنتينه حيث يتقدم قبره قبور جنوده اذ يقال انه لم يتم تلقيحه لاعتقاده انه كبير السن وان هنالك من هو اولى بالتلقيح في بغداد.
ان مرض الكوليرا له أربعة أسماء هي الهيضه والهواء الاصفر وغالبا ما كان يسميه أهل بغداد حتى سنوات قليله ( أبو زوعه) وهو الاسم الأكثر شهرة في بغداد لمرض الكوليرا لما يترتب عليه من آثار مرضية على من يصاب بهذا المرض.
فلقد تعرضت بغداد طيلة سنوات عمرها منذ تأسيسها عام 145 هج الى الكثير من الامراض وخاصة مرض الطاعون وكثير من الاوبئة والحرائق والمجاعات ولكن القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كانت السياده لمرض الكوليرا ولم يقل تأثيره في بغداد الا بعد دخول الانگليز واجراء التلقيحات الذي كان يجرى اجبارياً في الشوارع العامه والذي كان وراءه موت الجنرال مود الذي رفض التلقيح حيث كان يعتقد ان تقدمه بالسن سيؤدي الى عدم اصابته بالمرض بحيث تكون له مناعه خاصه ضد المرض على الرغم من انه كان يصر على تلقيح جنوده حيث كانت الكوليرا قد تسللت اليه مع كوب حليب وقهوه تناوله في مدرسة الاليانس اثناء احتفاليه تكريميه له.
نعم ان بغداد تعرضت في تاريخها الى كوارث ومجاعات وقحط بحيث أتت على معالم الحياة في بغداد أحيانا حتى ظهرت الهيضه أو الكوليرا أو أبو زوعه وعرفت باسمها سنة 1821 زمن الوالي داود باشا قادما من الهند وقد فتك بالناس فتكاً ذريعاً وسنة 1831 بدأت اصابات الطاعون الذي جاء من البحر الاسود وكان الناس يموتون ببغداد ويتم رمي الموتى في نهر دجله وظهرت الكوليرا في بغداد مرة أخرى زمن الوالي علي رضا باشا اللاز سنة 1838 وازداد عمل الحجر الصحي أو ما يسمى الكرنتينه التي كان مكانها في باب المعظم وضربت الكوليرا بغداد مرة أخرى سنة 1865 زمن الوالي نامق باشا حيث انتشرت ببغداد وفي سنة الوالي مدحت باشا سنة 1869 حتى انه تولى انشاء مستشفى الغرباء في الكرخ من تبرعات الاهلين وفي سنة 1880 زمن الوالي تقي الدين باشا ظهرت الكوليرا مع حصول قحط وغلاء المواد المعيشيه بسبب انقطاع الامطار والجفاف وفي سنة 1893 رافق ظهور الكوليرا في بغداد تفشي مرض الجدري وعلى الرغم من التدابير الصحيه والاحتياطات اللازمه فقد سقط الكثير من الضحايا زمن ولاية الحاج حسن باشا وظهر مرض الكوليرا مرة أخرى زمن الوالي ناظم باشا للسنتين 1911 و 1912 على الرغم من تأسيس مستشفى مئير الياس مقابل الحجر الصحي أي الكرنتينه وكان الأخير سنة1917 حيث كان الجنرال مود أحد ضحايها
وكان الأقسى ضررا في بغداد ماحصل في بغداد بعد انتشار مرض الكوليرا سنة 1889 زمن الوالي مصطفى عاصم باشا اذ ازداد الرعب في أهل بغداد تكاثر ضحايا هذا المرض يوماً بعد يوم وهرب كثير من سكان بغداد الى القرى والارياف لينجون بأنفسهم منه حتى المتنفذين ووجوه البلد وأصاب بشكل غير مسبوق اليهود من أهل بغداد وقدر البعض عدد الضحايا مائه وثلاثين ضحيه يومياً خلال مدة تزيد على الشهر وتعطلت الحركه في بغداد وأغلقت الاسواق وأنقطع السابله وقلت الاقوات والارزاق وحصلت فتنة في بغداد حيث توفي حاخام بغداد ابراهيم سوميخ على اثر اصابته بالكوليرا وبالنظر لما عرف عنه من تقوى وفضل استأذن كبار اليهود البغداديين من والي بغداد في هذه السنه على دفنه في تربة النبي يوشع في مقبرة الكرخ حيث ان قبره قريب من قبر الجنيد البغدادي فوافق الوالي على الدفن على أن يتم في مقبرة اليهود التي تحيط بمرقد النبي يوشع وليس في داخل المرقد لأن قدسية الانبياء لا تسمح لهم بأن يدفن بقربهم الناي وحينما وصلت جنازة الحاخام بموكبها الحافل لمودة أهل بغداد للحاخام الى التربه أمر بعض اليهود المتحمسين دفنه في مرقد النبي وحصلت مشاده مع القائمين على المرقد طبقا للأمر الصادر لهم لمعارضتهم للدفن بالمرقد لكن المتحمسين كسروا الباب ودفنوه داخل المرقد وفي اليوم التالي تم دفن زوجة تاجر يهودي بغدادي في سور المرقد فبادر الوالي الى اصدار أمر بايقاف الحاخام باش أليشاع ومعظم أعضاء المجلس الجسماني اليهودي في بغداد من بينهم يوسف شمطوب وصالح كاشي واخراج الجثه واعادة دفنها ليلا في مقبرة اليهود في الجانب الشرقي أي في مكان قريب من ساحة النهضه قرب الباب الشيخ وبعد مرور ثلاثة أشهر على الدفن الاول وكان اجراء والي بغداد هذا سبباً في عزل الوالي عن الولايه.


طارق حرب خبير قانوني ومحام

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى