أدب السجون وليد الهودلي - الاعتقال الإداري جحيم يستهدف كل النشطاء.. "كلما ارادوا أن يخرجوا منها اعيدوا فيها "

(ما هو الاعتقال الإداري ولماذا يضرب المعتقل الفلسطيني عن الطعام)

معذرة لك أيتها الاية الكريمة أن استعين بك لتوضيح الصورة ؟ لا شي أقسى من أن تبدأ رحلة العذاب من جديد كلما أوشكت على الانتهاء .. معذرة لك لاني وضعتك مضطرا في مقال تعجز بلاغة لغة البؤساء في رسم صورة العذاب .. معذرة لك لانك ما كنت لهذا الهدف وإنما جئت لهدف سام آخر كما هي كل آيات الذكر الحكيم .. جئت لتنذري من كفر بكل القيم وجحد وظلم .. كان الجزاء وفاقا عند الله ليوافق جحود الجاحدين .. بينما أسرانا المعتقلين اداريا لم يكفروا بالرحمن ولا ارتدوا على القيم ولا ظلموا البشر .. كل مشكلتهم أنهو أصحاب قضية وقيم وطلاب عدل .. ذاك المعذب في النار والذي يريد أن يخرج منها يحذره ربه مرات ومرات أن يقتل القيم ويكسر الميزان ، يصر على فعل المنكرات ويعود لارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن والمرة تلو الاخرى ، فيوافيه ارحم الراحمين جزاءه الموافق لما فعل .. يريد الخروج فيعاد فيها من حيث بدأ .. يا لصعوبة الموقف ولكنه تم تحذيره فأصر اصرارا شديدا واستكبر استكبارا عظيما ..
أما معتقلنا الاداري فقد حافظ على قلبه وقالبه ،استمسك بقيمه وكان هواه هوى الوطن ، أراد لنفسه أن لا يكون مجرد رقم ، إنه هوية وثقافة وروح أمة ، له دور وهو كائن اجتماعي ، يسعى بالخير ويعتز بالفضائل ، أرادوا له أن يعتزل كل شيء الا العلف .. رفض العلف واستعلى على كل ما يريدون له ..
أراد أن يكون حرا كما كل البشر ، أراد أن يمتلك كلمة يعبر من خلالها عما يجول في صدره ، أراد أن يكون في فضاء يخلو من غبار الاحتلال ، أراد أن يكون كائنا حيا فقط ، يحيى كما تحيى الطيور ويغرد مع سرب لا يتحكم في تحليقه هوى الظالمين ، أراد ان يكون بشرا يمارس بشريته كما فطرها الله ، أراد أن يذهب الى المسجد وقت الاذان وأن يزور المقبرة لاهداء الفاتحة لارواح الاموات ، وأن يتسوق من الحسبة ويضيع في خضم المتسوقين ، أراد أن يزور أمه ويصل رحمه وقت ما شاء ، أراد أن تعانق كفه كف صغيره باتجاه مدرسة الشهداء ، اراد أن يشارك تشييع الشهداء الذين كانوا أرقام ، أراد أن يقاطع البضائع الغازية بضائع السجان ، أراد أن يكون انسان يمارس مهنة الانسان فقط لا غير .. يا من تسرقون البشر من حياتهم !! ماذا تريدون ؟ نعرف تماما ماذا تريدون ؟
تريدون له أن يسير في دهاليزكم ، لا يعرف الا ثقافة الاستهلاك .. يستهلك سياساتكم ويذعن لاستعماركم .. لا يحمل هما الا هم العلف .. كلما أراد أن يخرج من دهليز أعدتموه الى دهليز آخر ليكتشف في نهايته أنه قد أعيد الى نفس الدهليز ، وتمضي الايام والسنين ليكتشف أنه قد خسر القضية ، خسر نفسه فضاعت منه القضية .. تريدون له أن يعتقل نفسه إداريا بنفسه وعلى حسابه الخاص .. وكلما أراد أن يخرج من معتقله الذي صنعه بنفسه أعدتموه اليه ، تقف من أمامه فزاعة الاعتقال الاداري ومن خلفه الزنزانة التي بناها بيديه الخائفتين .. حتى اذا اراد لنفسه التحرر والخروج خاف الاعتقال الاداري فعاد اليها طائعا ..
وهكذا يفعل الاعتقال الاداري فعله ، فليس المقصود هو المعتقل وحده وإنما من خلال نصب هذا الاعتقال كفزاعة ، وفي كل حي ومدينة ومخيم وقرية تنتشر الفزاعات ، أمثلة شاخصة حية امام كل النشطاء ، فيٌدفع كثير من النشطاء سياسيا واجتماعيا وثقافيا ليعتقلوا أنفسهم بأنفسهم اداريا، فيمارسون الانتحار الاجتماعي وهم أحياء يتنفسون الخوف بدل أن يكونوا معتقلين يعتقلهم الاحتلال فيتنفسون الحرية في سجونهم رغم أنوف ساجنهم .
اذا فهدف سياسة الاعتقال الاداري هو جعل نشطاء الشعب الفلسطيني قسمين لا ثالث لهما : معتقل اداري في سجون الاحتلال ، أو من يخاف الاعتقال الاداري ويحسب حسابه بذكاء! يقوده الى أن يوفر على الاحتلال تكلفة عملية الاعتقال وكلفة السجن من حراسة وأمن وطعام وشراب ومبيت وتنقلات "بوسطات" ومحاكم ، فيجمد نشاطه ويكون بمثابة معتقل ولكن في بيته وعلى حسابه الخاص ..
وحتى يزيد الاحتلال من نسبة القسم الثاني ولا يضطر لتكلفة أعلى من خلال زيادة نسبة القسم الاول فإنه يمارس هذ العذاب النفسي بكل وحشية قذارة ، يمارس الحرب النفسية بمهنية عالية! ، يضع الاسير في رحلة قوامها عدة أشهر حتى إذا أزفت على الانتهاء وهيأ نفسه ليكون السجن خلف ظهره ويتنسم قليلا من عبق الحرية ، وكذلك يهيىء الاهل جميعا أنفسهم لاستقبال أسيرهم وتمر اللحظات بطيئة حى إذا أرادوا أن يخرجوا منه " الاعتقال الاداري " أعيدو اليه ..
وهكذا يتجلى الاعتقال الاداري كسياسة المستهدف منها كل من يفكر في أي نشاط يخالف هوى الاحتلال .. وقد يعتقد البعض انه في ظروف معينة يستثنون البعض، ولكنه يصنع ممن يعتقلهم الفزاعة التي ترهب أعدادا كبيرة ممن يتراجعون عن أدوارهم خوفا من هذا الاعتقال ، وإذا قتلنا روح النشطاء في شعب فماذا يبقى فيه سوى الخردة البشرية التي لا في العير ولا في النفير .. وبهذا أيضا يتضح بجلاء لا لبس فيه أن المستهدف من سياسة الاعتقال الاداري هو ارادة الشعب كله ، يراد لها أن تكون ارادة ضعيفة بل ميتة لا تملك حولا ولا قوة .. وهذا يقودنا الى أنه : اذا اراد هذا الشعب الحياة عليه أن يقف وقفة حرية وكرامة وانتصار لاسراه في اضرابهم المفتوح عن الطعام ، وذلك تحت عنوان واحد لا يختلف عليه اثنان : حرية أسرانا هي حرية شعبنا : فالشعب بوقفته مع اسرى الحرية هو يحقق حريته ...




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى