عبده جبير - “اشتريت «ثرثرة فوق النيل» بفلوس دواء أبي وكيف أدى هذا إلى هروبي من البيت”..

لا بد أن يكون هذا قد حدث في العام 1966 م، لأنني أذكر جيدا أني قد ارتكبت هذه الجريمة في مدينة أسوان، هذا مؤكد، وأنا كنت في أسوان مع والدي الذي انتقل للعمل مديرا أو ناظرا لمعهد أسوان الديني، وكنت في السنة الثانية الثانوية الأزهرية، قبلها كنت قد قضيت السنة الأولى الثانوية في مدينة قنا (حيث كان والدي يعمل مفتشا لمنطقة قنا الثانوية الأزهرية) وحين انتقل للعمل في أسوان كان لا بد من الانتقال معه.

لم يكن استئجار شقة للغرباء أمرا مألوفا في أسوان ذلك الوقت، خاصة إذا لم يكن مع المستأجر زوجته (وفي هذه الحالة يسمى عازب على أي حال) ولم يكن من السهل أن تنتقل والدتي معنا (من إسنا إلى أسوان) بسبب أن عدد أخوتي الآخرين قد وصل إلى ستة، كذالك لأن والدي كان يسعى لأن ينتقل إلى البلد، وينتظر فقط قرار شيخ الأزهر، فلم يكن هناك داع لاستئجار بيت وفرشه، لذا نزلنا في بيت عمة والدتي، وهي كانت سيدة طيبة وكريمة وكان بيتها كبيرا ولم يكن معها سوى ابن واحد يعمل مدرسا، وكان اسمه محمود عبد الله، يعيش معها في هذا البيت الواسع.

الشاهد أنني كنت في هذه الفترة قد اكتشفت نجيب محفوظ وقرأت كل ما وقعت عيناي عليه، من أعماله، وفي هذه الفترة كان ينشر رواية «ثرثرة فوق النيل» مسلسلة، كل يوم جمعة، في جريدة الأهرام، فكنت أتابعها بشغف لدرجة أنني كنت أذهب إلى محطة السكة الحديد وأنتظر بجوار بائع الجرايد هناك، لأحصل منه على عدد أهرام الجمعة الذي كان الناس يتخطفونه، لا بسبب رواية نجيب محفوظ، بل بسبب مقال محمد حسنين هيكل «بصراحة» الذي كان ينشر في نفس العدد، وكان الناس في مصر كلها يعتقدون أنه يحمل صوت عبد الناصر الذي كان قد حقق انتصارا كبيرا على الاستعمار، ببناء السد العالي (الذي هو على مرمى حجر) الذي كان قد افتتح لتوه، لذا كان الناس ينتظرون مقال هيكل بلهفة، مادام يحمل صوت الزعيم الملهم. المهم أنه وفي ليلة ليلاء من شتاء العام المذكور طلب مني والدي أن أشتري له العلاج (فقد كان يعاني من مرض السكر) وقبل أن أدخل الصيدلية الوحيدة التي كانت علي شاطئ النيل بعيدا عن بيت عمة والدتي، مررت على بائع الصحف المجاور للصيدلية، فإذا بي أفاجأ بـ «ثرثرة فوق النيل»، منشورة في كتاب. كالمسحور، لم أفكر في خطورة الأمر، والا في العواقب التي يمكن أن تحدث لي، ولا في أبي، ولا في حاجته للعلاج، ولا في كيف أتصرف وأنا ليس معي نقود، لم أفكر في شيء من هذا وذاك، بل أخرجت النقود من جيبي وسلمتها لبائع الجرائد وأخذت «ثرثرة فوق النيل» كالمنوم، دون أن أحس. حملت الكتاب بشغف شديد، وضممته إلى صدري، ومشيت به حتى جلست على أحد المقاعد علي شاطئ النيل، وفتحته على الصفحة الأولي ورحت أقرأ: «أبريل، شهر الغبار والأكاذيب، الحجرة الطويلة العالية السقف مخزن كئيب لدخان السجائر، الملفات تنعم براحة الموت فوق الأرفف، ويا لها من تسلية أن تلاحظ الموظف من جدية مظهره وهو يؤدي عملا تافها، التسجيل في السراكي، الحفظ في الملفات، الصادر والوارد، النمل والصراصير والعنكبوت ورائحة الغبار المتسللة من النوافذ المغلقة، وسأله رئيس القلم:

ـ هل أتممت البيان المطلوب؟
فأجاب بلسان متراخ:
ـ نعم، ورفعته للمدير العام. فرماه بنظرة نافذة الحت كإشعاع بلوري من وراء نظارته السميكة. هل ضبطه متلبسا بابتسامة بلهاء غير مبررة؟! ولكن السخافات يجب أن تساغ في إبريل، شهر الغبار والأكاذيب».
وما أن رفعت عيني عن الكتاب حتى أحسست بكهرباء تسري في كل جسدي، إذ اكتشفت فجأة أنني قد ارتكبت مصيبة لا أعرف كيف يمكنني أن أخرج منها، قمت واقفا مفزوعا، أخذت أمشي لا ألوي على شيء (كما يقول العرب)، ماذا أفعل، ووالدي ينتظر مني أن أحضر له الدواء ؟ فكرت في الاستعانة بمحمود ابن عمة والدتي، لأحصل منه على ثمن الدواء الذي اشتريت به الرواية، لكن كان هذا يعني أنني لابد أن أعود إلى البيت، ولا مندوحة (كما يقول العرب) من أن أمر على والدي، لأننا كنا نقطن الطابق الأول من البيت (وهو المخصص كالعادة للضيوف) ومحمود عبد الله ووالدته يقطنان الطابق الثاني، لا، «مينفعش»، أخذت أمشي وأمشي حتى ابتعدت عن المنطقة المألوفة لي، ثم قلت أن أحاول العودة وأتسلل للبيت دون أن يراني والدي، «مينفعش»، آه، هناك حل: أن أذهب إلي ابن عمي فاروق، وأستلف منه ثمن الدواء، فعلا، هذا يحل المشكلة، لكن أين أنا من بيت ابن عمي؟ لا أعرف، لأمض من هنا، أظن أنه قريب من هنا، وأخذت أمشي وأمشي، حتى اكتشفت أنني تهت، لا أعرف أين أنا، ولا حتى أين بيت عمة والدتي، أحسست بضياع التوهان الذي لابد قد تكون قد جربته في الكوابيس، وأنت تمشي وتمشي في شوارع شبه مظلمة، ومزروطة بالطين، لأن الناس كانوا يدلقون مياه الاستحمام وغسيل المواعين في الشارع لأنه لم يكن عندهم (أقصد في أسوان) مجاري، خاصة وأنك في النهاية أنت في بلد غريب، خاصة وأن أسوان كانت هذه الأيام تعج بالغرباء العاملين في السد العالي، وفي النهاية لم يكن بد من سؤال أحد المارة: من فضلك كيف الطريق للكورنيش؟، قلت لأذهب للكورنيش، ومن هناك يمكنني أن أستدل على الطريق المؤدي إلى بيتنا، ومن هناك يمكنني أن «أستعدل» الطريق الذي كنت قد اعتدت الذهاب خلاله إلى بيت ابن عمي فاروق يحيى أب جبير، وفي النهاية وصلت وطرقت الباب:

ـ مين مين؟
كان هذا صوت زوجة ابن عمي، وهي أيضا ابنة عمي الآخر.
ـ أنا عبده يا بنت عمي. فتحت فالقا صغيرا من الباب وأطلت بوجهها المغطى
بالطرحة.
ـ أيوة يا بن عمي؟ خير؟
ـ هوا فاروق موجود. ـ لا والله يا بن عمي دا في الشغل أصل ورديته النهاردة في
الليل.
ـ يا للمصيبة.
طبعا وحسب تقاليد أهل الصعيد لا يجوز لك الدخول مادام رجل البيت غير موجود، حتى ولو كانت سيدة البيت ابنة عمك.
ـ شكرا يابنت عمي.
ـ أقوله حاجة لما ييجي الصبح؟
ـ لا، شكرا. ومضيت إلى حال سبيلي (حال سبيلي قال) أنا في مصيبة حقا وصدقا، وهاهو الوقت يمر، وبدأت المحلات تغلق أبوابها ـ والطريق يزداد ظلاما، وأنا تائه، بالفعل تهت مرة أخرى حتى لم أعد أعرف أين أنا ولا كيف أعود إلى البيت. لم يكن أمامي سوى العودة إلى الكورنيش، وهناك أخذ التعب بي كل مأخذ، وبدأت مخاوفي تتزايد، خاصة وأنا لا أحمل أي إثبات للشخصية، ونحن كنا نعيش في نظام الدورية، دورية البوليس الراكبة الخيل أو الراجلة، التي تطوف البلد لتقبض علي المتشردين (لحفظ الأمن) أنا فعلا في مصيبة، ماذا أفعل، لأجلس في ظل هذه الشجرة على الكورنيش وأتمدد على النجيل متطلعا للنجوم التي كانت تملأ السماء فوقي، تجري، وتدور، وتلف، وتأخذني للأعالي، ثم تهبط بي، حتى أحسست بأنني موشك على الاختناق حتى الموت، لا، لقد أحسست بأنني فعلا أموت، ولا أعرف الوقت الذي مضى حتى أحسست بيد تقبض على كتفي وترفعني عن الأرض:

ـ قوم، أصحى، مين انتا؟
فإذا به فعلا شاويش الوردية وبجواره شاويش آخر.
ـ أنا عبده محمد عبده ابن شيخ المعهد الديني.
ـ وليه جاعد هنا؟
ـ أنا تهت وموش عارف أروح.
ـ تهت؟
ـ أيوه تهت.
ـ طيب وهوا بيتكم فين؟. الحقيقة أنني لم أكن أعرف اسم الشارع ولا اسم المنطقة التي
نعيش فيها، وها هو ضوء النهار قد بدأ يرسل أشعته الخافتة.
ـ في شارع من الشوارع دي. أنا تهت.
ـ الشوارع دي؟، تهت؟ أنتا معاك بطاقة؟
ـ لا. أنا كنت رايح أجيب الدوا لوالدي فضيلة الشيخ محمد عبده شيخ معهد أسوان الديني الثانوي، ونزلت بدون بطاقة، البطاقة في البيت، والفلوس وقعت مني فخفت أرجع البيت، وهه كمان الروشتة. قال وهو يمد يده ويمسك بالروشتة ويتطلع إليها، ثم يعيدها إلي، ويبدو أنه تأكد من أنها فعلا روشتة.
ـ أيوه، فين البيت دا؟ ـ بيت الأستاذ محمود عبد الله المدرس في المدرسة الإعدادية المشتركة.
ـ مين محمود عبد الله دا؟
ـ دا ابن عمة والدتي وإحنا نازلين عندهم. خل بالك، أنت هنا تسمع كلاما لا يمكن إلا أن يكون، من وجهة نظر عسكري بوليس متخلف ومرتاب في كل البشر، مجرد كذب صريح، لأن الحكاية مضروبة وغير منطقية ومتتصدقش. وعلى الرغم من أنني لم أكن أعرف المصير الذي سينتهي عليه حالي، إلا أنني وجدت في هذا حال، أقصد أنني سقطت على حل بحكاية ضياع الفلوس.
ونظر إلى زميله:
ـ ياجي معانا المركز الضابط يشوفله حل.
ـ لا يا راجل دا باين عليه ابن ناس. ـ طيب وإحنا حنعمله إيه إذا كان تايه وموش عارف رايح فين ولا جاي منين ولا معاه بطاقة، وبيعدين دا بيقول ان الفلوس اتسرقت منه، يعني في هنا جريمة.
ثم فجأة وكأنه انتبه لشيء هام:
ـ وإيه اللي في أيدك دا؟
ـ دا كتاب، رواية لنجيب محفوظ.
ـ محفوظ مين دا؟ أنتا باين عليك بتاع حكايات، وحواديت، رواية؟. تعال معانا. فز.
ـ ياعم داباين عليه وراه حاجة وحاجات. وفززت وأنا، كما يقول العرب، لا ألوي على شيء، بل ومشيت معهما في سكات، وقد بدا أن دهرا كاملا يمضي ببطء شديد وأنا أحس بخوف العالم من أن ينتهي بي الأمر إلي الحبس لسرقة أموال أبي (لأنه سيكون هناك طبعا سين وجيم ولا بد أن الضابط لن يصدق الحكاية المضروبة، أقصد حكايتي البزرميط) وبخجل الدنيا من أن يراني أحد ممن يعرفونني وأنا في قبضة الوردية وهي ذاهبة بي إلي المركز، وعلى درجات المركز لم تحتملني قدماي فسقطت على الأرض، لكن، وبعنف شديد رفعني الشاويش الذي بدأ، يبدو، يشك في أنني ربما فكرت في الهرب، لكنني ها، أنذا داخل المركز، حيث بضعة عساكر شبه نيام يجلسون هنا وهناك.
قال الشاويش لأحدهم وكان جالسا على بنش مستطيل:
ـ خليه جنبك لغاية البيه النوبتشي ميصحى. أجلسني العسكري شبه النائم بجواره علي البنش، وبدأ يتطلع إلي بنظرات فيها إغواء من النوع الذي يمكنك أن تلحظه لأول وهلة من عيون فيها شبق ورغبة للنط عليك، خاصة وأنه بدأ يقترب فعلا حتى لمسني، فما كان مني إلا أن وقفت.
ـ إيه ؟ بتوقف ليه عاد؟
ـ أنا أحب الوقوف.
ـ بوه، طيب خليك واقف. وتمدد على الكنبة حتى لم يعد لي مكان، ولكنني، أقول، أنني وطوال الوقت كنت أحس برعشة تزايدت مع حضور حضرة الضابط الذي جاء ناحيتي، وما أن جاء ناحيتي حتى رأيت محمود عبد الله، بلحمه وشحمه، يقبل مسرعا تجاهي:
ـ يخرب بيت مطنك! انت كنت فين؟
أشرت لمحمود عبد الله وأنا أنظر للضابط النوبتشي:
ـ دا الأستاذ محمود عبد الله ابن عمتي؟ ولأن محمود عبد الله كان يعرف الضابط، والضابط يعرفه كما هو في المدن الصغيرة حيث يعرف الناس بعضهم البعض، أطلقني الضابط دون أن يأتي بأي إجراءات رسمية، بل وسلم علي بحرارة، وقد نسيت أن أذكر بأن العسكري الذي كان ممددا على البنش كان قد انتصب واقفا. حكيت لمحمود عبد الله ما جرى بالضبط، وهو يكرر طوال الوقت، يخرب مطنك، يخرب مطنك، طب كنت جيت وأخدت مني تمن الكتاب، يخرب مطنك، أبوك منمش، وحيجنن. وصلنا إلى البيت فوجدت والدي واقفا عند الباب، فما كان مني إلا أن تراجعت، محاولا الهرب، والحقيقة أنني كنت أحاول إخفاء الرواية، وبمجرد أن تمكنت من إلقائها خلف كوم من النفايات حتى وقفت واستجبت لنداء محمود عبد الله:

ـ تعال، متخفش، انا قلتله ان الفلوس ضاعت.
فعلا كان والدي قد هدأ:
ـ يابني كنت فين كل الوقت دا؟
محمود عبد الله:
ـ معلش يا موالنا.
وجاءت أم محمود لتأخذني بعيدا عن والدي الغاضب:
ـ تعالى معاي يا حبيبي. ولكن كف أبي كان قد لحق بوجهي حتى التصق جانب وجهي بأسناني من الداخل فإذا بنافورة من الدم تنز وتسيل على فمي ورقبتي وهدومي. حالت أم محمود دون تكرار الكف على وجهي، وجرت بي إلى الطابق الأعلى، وهي بدورها ترغي وتزبد، وتضرب أخماسا في أسداس، وكفا بكف (كده برضه يا ولدي، تشوشونا طول الليل؟) مولولة بأنها كيف لم تنم، وأن محمود خرج وجاء وخرج وجاء فلم يجدني، حتى أنه ذهب إلى صاحب الصيدلية وأيقظه من النوم ـ وأنه ذهب إلى ابن عمي فقالت له زوجته أنني سألت عنه، وهي تسأل طوال الوقت: وليه مرجعتش وليه مرجعتش، وما أنا إلا نائم على نفسي ولم أحس إلا وأنا في عصر اليوم التالي. وكان أبي لا يزال في المعهد الديني، وطبعا ضاع اليوم الدراسي مني، وبحجة النزول إلى دورة المياه في الطابق الأسفل، تسللت خارجا من البيت، و ذهبت حيث ألقيت بالرواية وللمفاجأة وجدتها هناك وقد تلطخ غلافها بالزبالة، فحملتها في عبي وتسللت بها عائدا إلى غرفتي، ورحت أنظفها، وكان علي أن أجد طريقة لإخفائها، فتدفق ذهني عن انتزاع الملزمة الأولى من أحد الكتب الدراسية بما فيها الغلاف، وقطع غلاف الرواية وتجليد هذا داخل ذاك، وهكذا أصبح لدي مجلد ما أن تراه حتى تظن أنه كتاب دراسي، ولكنه في الحقيقة يخبئ الرواية داخله، ولكنه كان دائما تحت نظري لا أبعده عني حتى لا ينكشف الأمر. ساءت علاقتي بوالدي إلى درجة أن الكلام بيننا كان يتم عن طريق محمود أو والدته، ومرت سنة من أسود سني عمري، ولكن لأن «القفلة» بيني وبين والدي استمرت طويلا حتى بعد أن انتهت السنة الدراسية، وعدنا لنقضي الأجازة في البلد، ثم فجأة وما أن لاح العام الدراسي الجديد في الأفق حتى نقل والدي إلى إسنا، وكانت حجة لي أن أطلب الانتقال إلى القاهرة بدلا من البقاء في أسوان إلا أن والدي رفض، طبعا بحجة أنني سوف أنساق في عالم الثقافة والأدب وأهمل الدراسة، وطالت الرسائل بيني وبينه عن طريق والدتي وأحد أعمامي لكنه كان مصرا على رأيه، لذا فقد قررت، أن أهرب. كانت «الزعلة» التي تسببت فيها «ثرثرة فوق النيل» قد قطعت خط الاتصال بيني وبين والدي، لكن الشاعر عبد الرحمن الأبنودي هو الذي ألهمني ومدني بالقدرة (عن طريق المثال) لاتخاذ القرار، فتشجعت لرسم خطة الهروب، إذا كان الأبنودي قد هرب أيضا من قنا إلى القاهرة دون إرادة والده، وهناك، في القاهرة، نجح، فقلت لمَ لا أفعل مثله؟ (أنظر تفاصيل الحكاية في كتابنا «أهم أسباب الليل، شهادات معلقة في رقبة المؤلف») الأبنودي: موال جنوبي طويل.. من كتاب (أهم أسباب اللّيل)/ عبده جبير. وهذا ما كان، هربت ليلا إلى القاهرة، ولم أعد مرة أخرى إلي البلد طوال خمسة عشر عاما كاملة، بل لم أتبادل مع والدي أي كلمة، لا كتابة، أو شفاهة، طوال هذا الوقت، على الرغم من أنه كان ينزل للقاهرة لقضاء بعض مصالحه، لكنه كان ينزل في بيت ابن عم لي، وهو كان يأتيني بقليل من المال بين شهر وآخر، وكان علي أن أعتمد على نفسي، ومرت سنوات شاقة كان طعامي خلالها، لا يزيد عن العدس والفول والجرجير والماء، حتى ساءت صحتي وأصبت بالسل، لكنني تجاوزت المحنة، وعبرتها إلى العالم الذي أردت أن أعيشه، وهو ما يمكنك أن تقرأ تفاصيله، في كتاب آخر.



[HEADING=2]* من كتاب/ بفضل كل الخيال.[/HEADING]

أعلى