جميلة سعدون - ماهي البطريكية؟

مع مجيء الرأسمالية تغيرت أدوات البطريركية، وتم تعويض الإنتاج الزراعي والحرف الصغيرة بالصناعات الكبرى، وفصل دائرة الإنتاج عن دائرة إعادة الإنتاج وإضفاء طابع رسمي على كل هذا، وإسناد مهام خاصة للنساء والترويج لمفهوم "ربة البيت" المسؤولة عن الاسرة.
إن منح هذه المسؤولية للنساء، وانتقاء بعناية كبيرة كلمة "ربة بيت" يستبطن في ظاهره مكانة مزيفة داخل الأسرة وفي باطنه عبودية وأعمال شاقة لا نهاية لها، فالرأسمالية نظام لا يمكنه الاستمرار إلا بعدوانية فائقة تتخلل علاقاته جميع العلاقات الاجتماعية، بما في ذلك العلاقة بين الرجل والمرأة
لم تتردد الرأسمالية منذ بداياتها في استغلال اليد العاملة النسوية بكل من دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج. كما لم تتردد في استغلال العبيد والأطفال في التراكم البدائي للرأسمال.
ليست وحدها "ربة البيت" كلمة السر لاضطهاد النساء بل نجد مفهوم "العامل الحر" \ "العاملة الحرة"؛ بمعنى أن العامل أو العاملة أحرار في بيع قوة عملهم\ن للبحث عن أقصى قدر من الربح ولو اقتضى الأمر تقزيم جزء من النظام البطريركي ومنح جزء من الحرية للعاملة حتى تتمكن من بيع قوة عملها وتصبح كاملة العضوية داخل الاستهلاك دون العودة للنظام الأبوي الذي يمنح صلاحيات الموافقة للزوج.
بعد هذا وفي مراحل أخرى، وقبل تركيزها على الوقت الجزئي والعقد "صفر"، روجت الرأسمالية اعتمادا على البطريركية لمفهوم "الاجر التكميلي"؛ وهو ما يعني أن الاجر الذي تجلبه المرأة لبيتها تكملة يغطي بعض الحاجيات، أما الاساسيات فمن اختصاص الرجل.
هذا المفهوم قنن ولمدة طويلة الأجر المحدد لليد العاملة النسوية، المدعوة من خلاله إلى استبطان الهيمنة والقبول بالتبعية، فالأجر التكميلي قبول بأي قيمة أجرية مادامت مكملة فقط للدخل الأسري، واستبطان للدور المفروض من قبل الهيمنة الذكورية، وكل ما يتعلق بالمهام المنزلية وتربية الأطفال، فالبطريركية تفرض على النساء القيام بساعات عمل غير محددة لإنجاز العمل المنزلي وتربية الأطفال ورعاية المسنين، بالموازاة مع ربط طبيعة الاجر بضعف الإنتاجية وإنهاك الحمل والرضاعة ومهام الرعاية.
الأجر التكميلي يعني تكملة للدخل الأسري دون الحديث عن ساعات العمل المنجزة داخل دائرة الإنتاج، فعلى الرغم من انجاز نفس المهام، يبقى أجر اليد العاملة النسوية أقل بحوالي 20 بالمائة عن أجر الرجال، ومع ذلك يبقى المطلب الأساسي اليوم ليس الغاء التمييز في الأجور بين النساء والرجال بل المطالبة برفع الأجور للجميع نساء ورجالا ردا على أحابيل الرأسمالية، وإخضاع اليد العاملة النسوية لتقلبات السوق والزج بها ضمن جيش الاحتياط للضغط على الكتلة الأجرية وتخفيض الأجور بشكل عام.
ففي ظل السياسات الليبرالية المدعومة بالقوى المحافظة، وتبوؤ القوى الدينية لسدة الحكم بمجموعة من البلدان تم تصريف كل الإجراءات القاضية بضرب المكاسب التي جاءت بها الدولة الإجتماعية، وتمت الدعاية للدور "الطبيعي"، الذي حددته الهيمنة الذكورية في الأنشطة الأسرية ورعاية الأطفال والمسنين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى