أمل الكردفاني - كثبان الغم

يا إلهي..
لقد مشيت تحت القيظ..تحت الأتربة..من النزهة إلى جامعة إفريقيا، الصهد والوجوه البائسة، كثبان التراب، والخيران الممتلأة بالأوساخ والغائط والبول على جوانب الشوارع، شعرت بعدم الانتماء، شعرت ببخل الحياة، البخل الشديد على هذه الرقعة البيئسة الجافة من الأرض. انفصلت عن الخيال وسقطت في الواقع، الخيال الذي أهرب عبره لأتجاوز الحقيقة، انتزع ذاته من عقلي، ورأيت نفسي ملقىً ها هنا.. فوق اليباس، ورائحة العطن التي تزكم السماء، تثاقلت خطواتي ورأيت السوق المركزي، مزدحماً بالبؤساء، اللصوص الفقراء، التجار الجهلاء، السماسرة ثقلاء الدم، الكل يعزف منفرداً في روح الشُّح، حيث لا تنبت الأرض سوى القمطرير، ولا تزرف السماء إلا أمطار الحسك. النسوة النحيلات المصابات بالأنيميا وفقر الدم، وامرأة تحمل جركانتين من العسل، العسل الأحمر الذي يختلط ببقايا أجنحة النحل وبطونه ورفاة ما تبقى من جسده. ارتجف جسدي، وتعرق جبيني، حين اختفت الحياة بالكلية من أمام عيني. هنا ليس سوى الموت..الموت الأسود الجبار، القاهر فوق ضحاياه، هنا حيث أشباه البشر، وأشباه الزومبي، المناخ القاسي، والشمس الحقودة تشتت لهبها فوق الحجر والصخر والتراب. ومن على الزوايا، تبعث المطاعم الشعبية المتسخة رائحة الجقاجق، وروائح عفنة اخرى مختلطة برائحة شواء كما لو كانت تخرج من محارق الجثث. هذا الكون ليس لي، وهذه الارض العبوس تتعملق بالتصحر الشاسع المبتعد عن معنى الروح. وهنا بالتحديد، يهرب الخيال فزعاً وتجثم الحقيقة فوق كل شيء وتتهاوى الأحلام..هنا الهزيمة التي تتحقق قبل خوض المعركة، الهزيمة التي تتجاوز حد التشاؤم لتضحى مسلمة تحايث الكينونة. هنا حيث تغيب الآلهة عن الوجود، وتتشبث بأذيال أرديتها الشياطين حين تحلق هاربة إلى العماء.. هنا..حيث اللا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى