ذو الرمة - وقفت على ربع لمية ناقتي

وَقَفتُ عَلى رَبع لِمَيَّةَ ناقَتي
فَما زِلتُ أَبكي عِنَدهُ وَأُخاطِبُه
وَأَسقيهِ حَتّى كادَ مِمّا أَبُثُّهُ
تُكَلِّمُني أَحجارُهُ وَمَلاعِبُه
إِذا سَرَحَت مِن حُبِّ مَيٍّ سَوارِحٌ
عَلى القَلبِ آبَتهُ جَميعا عَوازِبُه
بِأَجرَعَ مِقفار بَعيدٍ مِنَ القُرى
فَلاةٍ وَحُفَّت بِالفَلاةِ جَوانِبُه
بِهِ عَرَصاتُ الحَيِّ قَوَّبنَ مَتنَهُ
وَجَّردَ أثباجَ الجَراثيمِ حاطِبُه
تُمَشّي بِهِ الثيرانُ كُلَّ عَشِيَّةٍ
كَما اِعتادَ بَيتَ المَرزُبانِ مَرازِبُه
كَأَنَّ سَحيقَ المِسكِ رَيّا تُرابِهِ
إِذا هَضَبتهُ بِالطِلالِ هَواضِبُه
إِذا سَيَّرَ الَهيفُ الَصهيلَ وَأَهلَهُ
مِنَ الصَيفِ عَنهُ أَعقَبَتهُ نَوازِبُه
نَظَرتُ إِلى أَظعانِ مَيٍّ كَأَنَّها
مُوَلِّيَةً مَيسٌ تَميلُ ذَوائِبُه
فَأَبدَيتُ مِن عَينَيَّ وَالصَدرُ كاتِمٌ
بِمُغرَورَقِ نَمَّت عَلَيهِ سَواكِبُه
هَوى آلِف جاءَ الفِراقُ فَلَم تُجِل
جَوائِلها أَسرارُهُ وَمَعاتِبُه
ظَعائِنُ لَم يَحلُلنَ إِلاّ تَنوفَة
عَذاةً إِذا ما البَردُ هَبَّت جَنائِبُه
يُعَرِّجنَ بِالصِمّانِ حَتّى تَعَذَّرَت
عَلَيهِنَّ أَرباعُ اللِوى وَمَشارِبُه
وَحَتّى رَأَينَ القِنعَ مِن فاقِئِ السَفى
قَدِ اِنتَسَجَت قُريانُهُ وَمَذانِبُه
وَحَتّى سَرَت بَعَد الكَرى في لَوِيِّهِ
أَساريعُ مَعروفٍ وَصَرَّت جَنادِبُه
فَأَصبَحنَ بِالجَرعاءِ جَرعاءِ مالِك
وَآلُ الضُحى تَزهى الشُبوحَ سَبائِبُه
فَلَمّا عَرَفنا آيةَ البَينِ بَغتَة
وَرُدَّت لِأَحداجِ الفِراقِ رَكائِبُه
وَقَرَّبنَ لِلأَظعانِ كُلَّ مُوقَّع
مِنَ البُزلِ يوفي بِالحَويِّةِ غارِبُه
وَلَم يَستَطِع إِلفٌ لِإِلفٍ تَحِيَّةً
مِنَ الناسِ إِلّا أَن يُسَلِّمَ حاجِبُه
تَراءى لَنا مِن بَينِ سِجفَينِ لَمحَةً
غَزالٌ أَحَمُّ العَينِ بيضٌ تَرائِبُه
وَقَد حَلَفَت بِاللَهِ مَيَّةُ ما الَّذي
أُحَدِّثُها إِلّا الَّذي أَنا كاذِبُه
إِذاً فَرَماني اللَهُ مِن حَيثُ لا أَرى
وَلا زالَ في أَرضي عَدُوٌّ أُحارِبُه
إِذا نازَعَتكَ القولَ مَيَّةُ أَو بَدا
لَكَ الوَجهُ مِنها أَو نَضا الدِرعَ سالِبُه
فَيا لَكَ مِن خَدّ أَسيلٍ وَمَنطِق
رَخيمٍ وَمِن خَلقٍ تَعَلَّل جادِبُه
أَلا لا أَرى مِثلَ الهَوى داءَ مُسلِمٍ
كَريمٍ وَلا مِثلَ الهَوى ليمَ صاحِبُه
مَتى يَعصِهِ تُبرَح مُعاصاتُهُ بِهِ
وَإِن يَتَّبِع أَسبابَهُ فَهَو غالِبُه
مَتى تَظعَني يا مَيُّ عَن دارِ جيرَةٍ
لَنا وَالهَوى بَرحٌ عَلى مَن يُغالِبُه
أَكُن مِثلَ ذي الأُلّافِ لُزَّت كُراعُهُ
إِلى أُختِها الأُخرى وَوَلّى صَواحِبُه
تَقاذَفنَ أَطلاقاً وَقارَبَ خَطوَهُ
عَنِ الذَودِ تَقييدٌ وَهُنَّ حَبائِبُه
نَأَينَ فَلا يَسمَعنَ إِن حَنَّ صَوتُهُ
وَلا الحَبلُ مُنحَلٌّ وَلا هُوَ قاضِبُه
وَأَشعَثَ قَد قايَستُه عَرضَ هَوجَل
سَواءٌ عَلَينا صَحوُهُ وَغَياهِبُه
وَمُنخَرَق خاوي اَلمَمِّر قَطَعتُهُ
بِمُنعَقِد خَلفَ الشَراسيفِ حالِبُه
يَكادُ مِنَ التَصديرِ يَنسَلُّ كُلَّما
تَرَنَّمَ أَو مَسَّ العِمامَةَ راكِبُه
طَويلِ النَسا وَالأَخدَعَينِ شَمَردَل
مُضَبَّرَةٍ أَوراكُهُ وَمَناكِبُه
طَوى بَطنَهُ التَرجافُ حَتّى كَأَنَّهُ
هِلالٌ بَدا وَاِنشَقَّ عَنهُ سَحائِبُه
كَأَنَّ يَمامِيّاً طَوى فَوقَ ظَهرِهِ
صَفيحاً يُداني بَينَهُ وَيُقارِبُه
إِذا عُجتُ مِنهُ أَو رَأى فَوقَ رَحلِهِ
تَحَرُّكَ شَيءٍ ظَنَّ أَنِّيَ ضارِبُه
كَأَنّي وَرَحلي فَوقَ سَيِّدِ عانَة
مِنَ الحُقبِ زَمّامٍ تَلوحُ مَلاحِبُه
رَعى مَوقِعَ الوَسمِيِّ حَيثُ تَبَعَّقَت
عَزالي السَواحي وَاِرثَعَنَّت هَواضِبُه
لَهُ واحِفٌ فَالصُلبُ حَتّى تَقَطَّعَت
خِلافَ الثُرَيّا مِن أَريكٍ مَآرِبُه
يُقَلِّبُ بِالصِمّانِ قوداً جَريَدة
تَرامى بِهِ قيعانُهُ وَأَخاشِبُه
وَيَومٍ يُزيرُ الظَبيَ أَقصى كِناسِهِ
وَتَنزو كَنَزوِ المُعلَقاتِ جَنادِبُه
أَغَرَّ كَلَون المِلحِ ضاحي تُرابِهِ
إِذا اِستَوقَدَت حِزّانُهُ وَسباسِبُه
تَلَثَّمتُ فَاِستَقَبلتُ مِن عُنفُوانِهِ
أُوارا إِذا ما أَسهَلَ اِستَنَّ حاصِبُه
وَقَد جَعَلَ الحِرباءُ يَبيَضُ لَونُهُ
وَيَخضَرُّ مِن لَفحِ الهَجيرِ غَباغِبُه
وَيَشَبَحُ بِالكَفَّينِ شَبَحاً كَأَنَّهُ
أَخو فُجرَةٍ عالى بِهِ الجِذعَ صالِبُه
عَلى ذاتِ أَلواحٍ طِوالٍ وَكاهِلٍ
أَنافَت أَعاليهِ وَمارَت مَناكِبُه
وَأَعيَسَ قَد كَّلَفتُهُ بُعدَ شُّقَةٍ
تَعَقَّدَ مِنها أَبيَضاهُ وَحالِبُه
مَتى يُبلِني الدَهرُ الّذي يُرجِعُ الفَتى
عَلى بَدئِهِ أَو تَشتَعِبني شَواعِبُه
فَرُبَّ اِمرِئٍ طاطٍ عَنِ الحَقِّ طامِحٍ
بِعَينَيهِ عَمّا عَوَّدَتهُ أَقارِبُه
رَكِبتُ بِهِ عَوصاءَ كُلِّ كَريهَةٍ
وَزوراءَ حَتّى يَعرِفَ الضَيمَ جَانِبُه
وَأَزوَرَ يَمطو في بِلادٍ عَريضَةٍ
تَعاوى بِهِ ذُؤبانُهُ وَثَعالِبُه
إِلى كُلِّ دَيّارٍ تَعَرَّفنَ شَخصَهُ
مِنَ القَفرِ حَتّى تَقشَعِرَّ ذَوآئِبُه
قَطَعتُ بِهِ لَيلاً عَلى كورِ نِضوَةٍ
تُعاطي زِمامي تَارَةً وَتُجاذِبُه
إِذا زَاحَمَت رَعناً دَعا فَوقَهُ الصَدا
دُعاءَ الرُوَيعي ضَلَّ في اللَيلِ صاحِبُه
أَخو قَفرَةٍ مُستَوحِش لَيسَ غَيرُهُ
ضَعيفُ النِداءِ أَصحَلُ الصَوتِ لاغِبُه
تَلَوَّمَ يَهياهٍ بِياهٍ وَقَد مَضى
مِنَ اللَيلِ جَوزٌ وَاِسبَطَرَّت كَواكِبُه
وَرَيطَةِ خِرقٍ كَالعُقابِ رَفَعتُها
وَقَد رَكَضَت رَصفَ الهَجيرِ جَنادِبُه
وَبَيتٍ بِمَهواةٍ خَرَقتُ سَماءَهُ
إِلى كَوكَبٍ يَزوي لَهُ الوَجهَ شارِبُه
بِمَعقودَةٍ في نَسعِ رَحلٍ تَقَلقَلَت
إِلى الماءِ حَتّى اِنقَدَّ عَنها طَحالِبُه
فَجاءَت بِسَجلٍ طَعمُهُ مِن أَجونِهِ
كَما شابَ لِلمَورودِ بِالبَولِ شائِبُه
فَجاءَت بِنَسجٍ مِن صَناعٍ ضَعيفَةٍ
يَنوسُ كَأَخلاقِ الشُفوفِ ذَعالِبُه
هِيَ اِنتَسَجَتهُ وَحدَها أَو تَعاوَنت
عَلى نَسجِهِ بَينَ المَثابِ عَناكِبُه
هَرَقناهُ في بادي النَشيئَةِ داثِرٍ
قَديمٍ بِعَهدِ الناسِ بُقعٍ نَصائِبُه
عَلى ضُمَّرٍ هيمٍ فَراوٍ وَعائِفٌ
وَنائِلُ شَيءٍ سَيِئُ الشُربِ قاصِبُه
سُحَيراً وَآفاقُ السَماءِ كَأَنَّها
بِها بَقَرٌ أَفتاؤُهُ وَقَراهِبُه
وَنُطنا الأَداوى في السَوادِ فَيَمَّمَت
بِنا مَصدَرًا وَالقَرنُ لَم يَبدُ حاجِبُه
تَؤُمُ فَتىً مِن آلِ مَروانَ أُطلِقَت
يَداهُ وَطابَت في قُرَيشٍ مَضارِبُه
أَلا رُبَّ مَن يَهوى وَفاتي وَلو دَنَت
وَفاتي لَذَلَّت لِلعَدُوِّ مَراتِبُه
وَقائِلَةٍ تَخشى عَلي أَظُنُّهُ
سَيودي بِهِ تَرحالُهُ وَمَذاهِبُه
أعلى