حاميد اليوسفي - لون الجوارب ورعبه

مر بالقرب من متجر (ديكاتلون) ، راهن على انه سيدخل بشرط ألا يطلب منه أحد الإدلاء بجواز التلقيح رغم توفره على نسخة منه . أما إذا فعلوا ذلك ، فسيغير الاتجاه إلى مقهاه القريبة من المكان .
لبس الكمامة ، وأنزلها أسفل شفتيه ، انفتح الباب الزجاجي من تلقاء نفسه . مر بجانب رجل أمن يقف على اليسار . اتجه مباشرة إلى الداخل ، لم يسأله أحد ، أو يعترض سبيله .
دفعته غريزة الإحساس بالبرد إلى تفحص بعض أنواع المعاطف والأقمصة . انتقل بعد ذلك إلى ممر خاص بالجوارب . انتقى زوجا يناسب مقاس رجليه بلون لن يكشف عنه لأمر في نفسه . وحرص على ألا تكون نسبة ألياف (البولي إستر) مرتفعة . فقد أوصته زوجته بأن هذه المادة خطيرة ، تصيب الجلد بالحكة .
وهو يتأمل الجوارب بين يديه ، تذكر إهانة مسئول كبير لمسئول صغير بإحدى مدن الجنوب . نظر إلى رجليه ، التفت يمينا ويسارا ، وفحص ما إذا كان شخص ما ينظر إليه . خفض رأسه ، ومسح الحذاء ببصره ، وحمد الله وشكره أن رجلي سرواله طويلة بما فيه الكفاية ، وأن جواربه قصيرة على مقاس الحذاء ، ولن يظهر لونها إلا إذا جلس على كُنّبة ، ووضع رجلا فوق رجل ، مثل بعض الناس غير المهذبين . ولا يمكن لأي أحد أن يتأكد هل هي مثقوبة من أمام أم لا . وتساءل مع نفسه كيف يتمكن مسئول كبير في العاصمة من أن يتجسس عليه ، ويعرف لون جواربه ، وهل هي نظيفة ، أم تصدر منها رائحة كريهة ؟
حمد الله وشكره على أنه تقاعد منذ مدة ، وإلا فإنهم سيطلبون منه أن ينزع حذاءه ، ويكشف عن جواربه قبل الدخول إلى المؤسسة التي يعمل بها .
لا علم له بوجود جهاز مخابرات في دولة ما يخفض بصره ، ويتجسس على أرجل الناس ، ويحاول معرفة لون ونوع الجوارب التي يرتدون ، ويقدم بشأنها تقارير يهتم بها كبار المسئولين .
اقتنى زوجين من الجوارب القصيرة التي إذا ارتداها لن يظهر لونها للبصاصين ، بشرط أن يُحكم خيط الحذاء ، ويحافظ على طول رجلي السروال حتى يخفيان النصف الأعلى من الحذاء ، فلا ينكشف السر . ولا بد من إخفاء ذلك عن الهاتف ، ووضعه في مكان لا يسمح له بأن يصورك وأنت ترتدي الجوارب .
فكر بأنه إذا ذهب إلى الحمام ، يمكن أن ينكشف أمر جواربه . عندما ينزع الحذاء والسروال والقميص ، ويبقى فقط في التبان ، سيظهر لون الجوارب في رجليه ، وقد يطل منها أيضا أصبع الإبهام بعد أن يكون قد ثقبها . كان دائما يحرص على ارتداء جوارب جديدة إذا أراد أن يذهب ضيفا عند صديق . فهو يخجل إذا نزع حذاءه ، وظهر جوربه مثقوبا من جهة أصبع الإبهام ، فيحاول أن يغطيه برجله الثانية . لكن عندما يكون الجوربان مثقوبان معا ، لا يجد بدا من تبرير ذلك لنفسه بأن ظفر إبهامه حاد مثل السكين ، فقد ثقب له العديد من الأحذية ، فما بالك بالجوارب !
سواء ذهبت إلى الحمام ، أو كنت ضيفا عند صديق ، يمكن لأحد البصاصين أن ينقل هذه المعلومات للجهاز الأعلى الذي يوظفه . ولابد من صياغة تقرير يدون فيه متى دخلت إلى الحمام ، أو بيت صديقك ، ويصف ثيابك الداخلية أو الخارجية ، ثم يأتي على ذكر كل ما يتعلق بالجوارب ، وبالتفصيل الممل ، نظرا لأهميتها في تحديد طبيعة شخصك . هل تعتني برجليك جيدا ؟ وتغسلهما باسمرار ؟ وهل ترتدي الجوارب لفترات قصيرة لا تتعدى يومين أو ثلاثة ، وترميهما في آلة التصبين ، حتى لا تصدر عنها تلك الرائحة التي تزكم الأنوف ؟ وهل تستبدلهما بجوارب جديدة إذا ثقب إبهامك إحداهما أو هما معا ، ثم وهذا هو الأهم ما تأثير لون الجوارب ونظافتها على مردوديتك في العمل ؟ وهل تميل إلى الخنوع ، أم تميل إلى الاعتداد بالنفس ؟
سيكون خبرا سيئا للحقوقيين يعرضهم للبطالة ! الجهات التي على بالهم ، ويدونون هم أيضا عنها التقارير لم تعد في حاجة إلى اعتقال وسجن وتعذيب المعتقلين أو جلدهم . كل وسائل الاعتقال والتعذيب القديمة انتهت إلى غير رجعة . يجب أن يدونوا ذلك في تقاريرهم ، ويرفعونه إلى المنظمات الخارجية . يكفي معرفة لون جوارب المتهم ، وبعد ذلك يمكن الوصول إلى كل المعلومات التي يخفي في أمعائه ، ويمكن اعتقاله وسجنه عن بعد بشكل لا يعلم به المتهم نفسه .
دفع ثمن الجوارب ، وقبل أن يخرج من باب المتجر أخفاها في الحقيبة ، التفت يمينا ويسارا ، وطلب من الله ألا يرى لونها جن أو إنس ، حتى لا يصل أي تقرير بشأنها إلى العالم بألوان الجوارب وروائحها ، ومدى قابليتها في أن تصنع منك عنصرا مثل خبز الله في طبقه* أو عنصرا نفسه في أنفه* ؟


المعجم :
ـ خبز الله في طبقه : تعبير من العامية يعنى مغفل وغبي
ـ نفسه في أنفه : من يتصف بالشهامة والأنفة .

مراكش 14 دجنبر 2021

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى