خالد ابو خالد - معلقة على جدار مخيم جنين.. شعر

منْ أينَ أَبْدَأْ..؟
كُلَّما خضَّبتُ لوحاتي.. يَصادِرُني البياضْ..
أو كُلَّما حَفَرَتْ مُعَّلقتي على الأرضِ الأخيرةِ..
غَرَّبَتْني خمرةُ البحرِ.. عنِ البحرِ..
إلى ليلٍ طويلٍ..
لا يرى دميَ المُعاصرَ في السوادْ..
من أينَ يا زمني المحاصرَ.. سوف أشتقُّ
البلادْ..
أو كيفَ اكْتَشِفُ الغِناءَ.. على ارْتِفاعاتِ
البكاءْ..
ـ هلْ حَيّرتْنا جُملةُ اللغةِ البليغةِ..
بينَ أنْ نَبني القصيدةَ في الهواءِ..
وبينَ أنْ نَبني الخرائطَ في الدماءْ..؟
هلْ فَرَّقَتْ ما بَينَنا الأسواقُ..
أمْ أَشْواقُنا انشطرتْ إلى جِهتَين في لَيمونةِ
الكلماتِ..
ـ أسئلةٌ ـ وفي زيتونةِ الشهداءْ..؟
هذا الحصارُ مؤلفٌ بالمدفعيةِ..
والكلامِ..
مؤلفٌ بالأغنياتْ..
ـ قلبانِ في صدرِ الحصارِ.. وقلبُ أمي..
في النباتْ.. ـ
تَصلُ المعَادِنُ.. للمَعَادِنِ.. وَالقَتيل.. إلى القتيل..
ولمْ يَصِلْ وَلَهُ النَخيلِ.. إلى النخيلِ..
فهلْ يُؤرِّخُنا الرحيلُ.. أمْ الرحيلُ..
أمْ الرحيلْ..؟
ـ يا أُخْتَ حزنِي..
اِرْفعي غَسَقَ الشواهدِ..
اِرْفعينا نحوَ معجزةٍ.. ليشرِقَ بيننا جِسْرٌ..
ـ بعيداً ـ عنْ فناجينَ الوداعْ..
ـ سأرى صُعودَكِ.. فَاصْعَديني..
قبلَ أنْ يَصِلَ العَدوُّ إلى أَسِرَتِنا..
انْشريني بعد أن تلدَ البيوتُ جبالَها..
في صورةِ الطفلِ المعشَّقِ باليقينِ..
لكي أكونَ.. وكي تكوني.. ..
ـ هلْ نلتقي ..؟
الوديانُ قمصانُ المقاتلِ..
خُضرةُ الظِّلِ المذَّهَبِ ظلُّهُ..
وَدَليلهُ للماءِ.. عاشقةٌ مكابِدةٌ..
كَنَرْجَسةِ الحنينْ..
ودليلهُ للضوءِ.. آجرٌّ حزينْ..
قالَ المُغني للطيورِ: تَوَزَّعي..
منْ أولِ الغَيْمِ الأخيرِ إلى النَفِيرْ..
طارَ الغناءُ.. فَرَفْرَفتْ روحٌ.. على روحي..
شظايا..
فاتكأتُ على/جنينَ/ بلا خطايا..
لَوْحَتي.
جثثٌ.. صفيحٌ.. بيتُ شَعْرٍ.. غُرفةٌ..
درجٌ.. ممرٌ.. حائطٌ.. عِلِّيَةٌ..
سَقْفٌ تَهَدَّمَ فوقَ عائِلتي..
حطامٌ في الدخانِ.. دمٌ.. غبارٌ.. قبةٌ..
تَنَكٌ.. غَسيلٌ.. دُرْجُ مدرسةٍ.. حقائبُ.. مُصْحَفٌ.. كرسيُّ مقعدةٍ.. يدٌ.. قدمٌ.. وقِنْديلٌ.. أصابعُ في الحطامِ..
بقايا طفلَةٍ.. يدُها.. أَسَاوِرُها..
ضَفيرتُها.. واِنْجيلٌ.. وَمِنديلٌ.. خواتمُ منْ دمٍ.. فحمُ المخيَّمِ.. وَالقلائدُ في الحرائقِ..
مفرداتُ قرىً.. عَجائزُ في الزوايا..
دميةٌ.. مدنٌ سَتَنْزِفُ قبْلَ أنْ يَصِلَ الهلالُ.. وقبلَ أنْ يَصِلَ الرِجالُ.. أوْ السؤالُ..
أوْ الصليبُ..
وبينَ أنْ أَبْكي.. وأنْ أَبْكي.. رمالٌ.. وبقايا..
ـ إنِّي أُنَقِّبُ عنْ حِجارتنا.. وقتلانا..
وشالاتِ النساءْ..
هلْ يَدْخلُ الفنانُ لَوحَتَهُ الأخيرةَ..
بينَ قُنبلتينِ..
كالنِّسْرِ المُطِلِّ على جنازَتِهِ..؟
ـ لماذا.. لا يَحْلِّقُ في الزلازلْ..؟ ـ
ـ أفقٌ تُعَبِّئُهُ الضغائِنُ ـ
بينَ قاذفتينِ.. تَقْصُفُ حُلْمَنا القممُ العدوةُ..
والصديقةُ.. والشقيقةُ..
ـ للورودِ وَظيفتانِ ـ
يقولُ عاشقُها: أُحِبُكِ.. هلْ نَموتُ..؟
تَرُدُّ مِنْ وَجَعِ البيوتِ ـ ولا تَموتْ ـ
ـ أنا أحبكَ..
للورودِ وظِيفتانِ..
فوردةٌ لحبيبتي.. أخرى.. لمقبرةِ العواصِمْ..
يمشي السكونُ مسلحاً.. نحوَ الجنونِ..
فلا يراهُ.. ولا يفتِّشُهُ.. فيَعْبُرُ..
طفلٌ منَ اللوزِ الكريمِ..
وَطفلةُ الألمِ المُضارعِ..
يمشي على جزرٍ محاصرةٍ.. يُسمّيها
الحبيبةَ..
ـ لا تطاوِعُني القصيدةُ ـ كي يُغنِّيها.. يُسمِّيها البطولةَ.. كي يُناديها..
فيأْخُذُه الحمامْ..
واسْتنجَدَتْ سُحُبٌ بِأرملةٍ لِتُمْطرَ.. أَمْطَرَتْ..
يومٌ طويلٌ.. ليلةٌ أخرى..
ولا أحدٌ سَيَحْلُمُ.. أو ينامْ..
يخطو المُطَارَدُ.. بينَ قنَّاصِ العَدوِّ..
وبينَ شُرطيِّ الظلامْ..
ـ كَفَني صخورٌ.. أو سهولٌ.. أو علمْ..
كَفَني سؤالٌ.. أو جبلٌ..
كَفَني ألمْ..
كَفَني مِنَ الوَقْتِ المُفاجِئ.. وَالحَجَلْ..
ـ لَمْ يكْذِبْ الأَطْفالُ.. إذْ كَبُروا..
وَلا اعْتَذروا منَ الشُهَداءِ..
أو قَبِلوا مِنَ الأَحْياءِ.. أَعْذاراً..
ولا أَكَلوا رَغيفا مِنْ أكاذيبِ السلامِ..
أوْ الكلامْ..
خَرجوا صَهيلاً.. في الصهيلِ.. إلى الصهيلْ..
يَتَرجَّلُ الآباءُ.. وَالأجدادُ.. منْ نِسيانِنا..
فوقَ الدفاتِرِ.. في الحِجارَةِ.. وَالغُضار..
وَسَيَقْفزونَ منَ القلوبِ إلى الخيولِ..
فكيفَ يَغْتربُ المكانُ.. عنْ المكانْ..؟
وكيفَ تُخْتَزلُ البلادُ إلى طُلولْ..
غنِّى المُغني في الُمحاربِ..
والمحاربُ في المغني..
ـ وَشْمُ الرياحِ.. على الشِّراعْ ـ
يا دارَ ذاكرةِ البيارقِ.. والقلاعْ..
شَجرٌ.. سُفوحٌ.. ريشةٌ.. قممٌ.. بحيراتٌ..
دمٌ.. وَردٌ.. شُموسٌ.. قُبْلةٌ.. قَلَمٌ.. بِحارٌ..
كوْكبٌ.. طُرُقٌ.. فَضاءٌ.. شَمْعةٌ.. لَيْلٌ..
كتابٌ.. مُهْرةٌ.. قَمَرٌ.. رِماحٌ..
قوسُ موسيقا.. نُجومٌ..
جيشُ أَجْنحةٍ.. نَبيذٌ.. رايةٌ.. مَطَرٌ..
صَبَاحٌ.. سِفْرُ أسْفاري..
ينابيعي.. وأنهاري..
الرؤى.. لَوْنُ القصائِدِ.. سَيْفُ أَحْزاني..
ظلالٌ.. سَقْفُ رمانٍ.. وَأَسْلحةٌ..
لِمَنْ سَكَنَتْ جراحيَ.. منذ أن «عَفَتْ الديارُ»..
ومنذُ أنْ «هلْ غادرَ الشُعراءُ» أسْئلةَ
القصيدةِ..
منذُ أنْ كُنّا على طرفي بِلادٍ..
كُلَّما اتْسعَتْ تضيقُ..
وكُلَّما ضاقتْ تَسَلَّلْنا إِليها..
ـ غادرَ الشُعراءُ.. واعْتُقِلَ الشُهُودُ..
لِمَنْ سَنَسْرُدُ كَيْفَ غَرَّبَنا القَريبُ..؟
وَكَيْفَ قَرَّبَنا الغَريبُ..؟
ـ يفارقُ الصَفْصَافُ صُورتَهُ..
فَيكتُبُهُ الغُروبُ.. ـ
ـ في الصفحةِ الأخرى منَ اللَّحمِ المُمزقِ..
والعظامِ..
تُخيِّمُ الأمُ الكبيرةُ.. في النَّحيبِ.. ـ هلْ انْحَنَتْ للقَصْفِ.. أمْ للعَسْفِ..؟
ـ دَجَّنَها الَّذينَ يُدَجِّنُون صُقُورَها..
ـ هلْ قَسَّمُوا دَمها عليهمْ..
في عشائِهمُ الأخيرِ..؟
ـ هلْ اسْتَجاروا بالغزاةِ مِنَ الغُزاةِ..؟
ـ سيُفَكِّكُ الأطفالُ.. الاِسْتيطانَ.. ـ
ـ مَنْ قتلَ الصغارَ..؟ ـ
تُطِّلُ باكيةً عليهمْ.. عَبْرَ شاشاتِ «الجزيرةِ»..
فَكَّكوا لُعباً منً «الليجو»..
ويرتفعونَ في لَيْلِ المُخَيَّمِ كالأَهِلَّةِ في عباءَتِها..
سنقْرَأُ نَقْشَهُمْ في الأرضِ..
ـ لا للموتِ.. لا للماءِ مِنْ كأسِ العدوِّ..
فهلْ سَتَسْقُطُ في السباتِ.. أو المواتْ..؟
أمْ أنَّها اِحْتفلتْ.. بِتَرتيبِ الحُطامْ..؟
ـ بيني.. وبينَكِ.. شِفْرَةُ النَّصِ المُقاتِلِ..
مِنْ مُخَيَّمِنا إِليّْ..
ـ إنِّي أَخافُ.. وَلا أَخافْ..
رَفْرِفْ على كَتِفيَّ.. واحْملني إليَّ..
أَطيرُ مِنْ جَسَدي إِليكْ..
خُذني.. وَخَبِّئني بعيداً في بَساتينِ النَشيدِ..
وَكُنْ معي حُراً مِنَ الأَسماءِ.. وَالأشياءِ..
كُنْ رُمانَةَ الأَجراسٍ.. أُكْتُبْ سيرتي بالماسِ.. سَدِّدْ.. سَّمني باسميَ.. واعْبُرني إليّْ..
ـ همْ يَقْتُلونَكَ في الشوارعْ..
أوْ يَقتلونَكَ بالمدافعْ..
أو يَقْتلونَكَ كُلَّما الْتَفَتوا إِليكَ..
وكُلَّما ضَحِكَتْ لِفَرحَتِكَ الصَّوَاعِدُ.. وَالنوازِلُ..
كُلَّما رَغِبوا بِتَسْليةِ الكآبةِ.. وَالعُصابْ..
أوْ كُلَّما انْتَشَروا كَطاعونِ الخرابْ..
ـ خُذْ ياحَبيبيَ بُرتُقالتَنا..
وَشَكِّلْها حَديدا..
خُذْ ما تَبقَّى مِنْ خِيامِ الروحِ في قلبي معك..
خُذْ حَرْبَتي.. لِتَشقَّ أَضْلاعي.. وتُخرجَني إليَّ
لكي أكونك ..
إقذفْ بِوجْهِ جُنُودِهِم ناري..
وَلا تُسْلِمْ يَديكَ لمنْ يَخونُكْ..
حُزني يَضمُكَ..
لا البُكاءْ..
وَيْلٌ.. لِمَنْ شَدّوا قُيودَكْ..
ـ ليلٌ على سقْفِ العَراءْ ـ
ويلٌ لَهم من برقِ زَرقاءِ اليمامةِ.. في عيونك..
خُذْنا إذاً..
أُدْخلْ إلى دمِنا وَئِيداً..
مِنْ ضِفافكِ للضفافْ..
إِغْزلْ حَرِيركَ في شَراييني..
وَرَحِّلْ مِنْ مَلامِحِنا.. أغانينا العجافْ..
إِنْسجْ غِيابَكَ.. في الحُضورِ.. على النُحَاسِ..
وَلا تَقلْ إِنِّي أُحِبُّكِ..
لا تراوحْ في رمادِكَ..
إنْ تُكاشِفْني.. فَجَرِّبْني طويلاً..
ـ ياحبيبي ـ
فَلْتَكُنْ ضَيْفاً على مَنْفاكَ..
جرِّبْني كثيراً..
لا تَكُنْ ضَيْفاً على قَلبي..
وَلا سَيْفاً عليّْ..
ـ حُلُمُ المُحاربِ
للأَميرةِ هَوْدَجٌ مِنْ ياسَمينِ مَسائِها الآتي إليَّ على يَدينِ نَحيلتَين.. كَرَوحِ عاشِقَةٍ
تَرِفُّ على القَصيدَةِ..
في القصيدةِ صُورةٌ لطفولتينِ يتيمتينِ..
بلا هدايا..
ـ لو تُناديني.. أجيئُكَ..
ـ صَوتُها يأْتي إليَّ.. وَلا تَجيُء.. ـ
دَمي يضيءُ..
ـ إِنِّي أُحِبُّكِ.. أينَ أَنْتِ..
ـ أَنا هُنا..
يَقِفونَ بينَ حَقيقتي.. وَدُروعهمْ..
وَهُنا أنا..
بينَ القذائِفِ.. وَالرصاصِ..
أَهُبُّ أَحْزانا.. وَأْفَتقدُ النُعاسْ..
إِنِّي رَحيلُكَ في الرسائِلِ..
مِثْلَما انْفَجَرَتْ على الشَّفقِ المنازلُ..
مِثْلَما انْفَجَرَتْ السُؤالُ على الحَواجِزِ..
مِثْلَما انْفَجَرتْ مَراراتُ الأيائلْ..
وحدي.. وأنتَ على ذراعيَ.. في الأَبَدْ..
كُلُّ البِلادِ لَنا.. وَلَيْسَ لَنا سَنَدْ..
صًوْتي المُعَلَّقُ في الظَمَأْ..
صوتُ الصَبيَّةِ.. وَالوَلَدْ..
ـ «أَحَدٌ.. أَحَدْ..
أَحَدٌ.. أَحَدْ..
أَحَدٌ.. أَحَدْ..» ..
هذا أوانُ تَفتحِ الجُرْحِ المُفَخَّخِ في الجَسَدْ.


الاحد ١٢ حزيران (يونيو)٢٠٠٥



تعليقات

أعلى