نهلة كرم - الموت في الخارج فقط

ما الذي يمكنني فعله بينما تقع انفجارات فى الخارج! يمكنني قضم تفاحة وأنا أمر في صالة منزلنا أمام شاشة التلفزيون والتباطؤ فى مضغها قليلاً مراعاة لحُرمة الدم وفي عيني كثير من التأثر، يمكنني الهروب من مشاهد القتل إلى شاشة «اللاب توب» للبحث عن صديق أتحدث معه غير مشغول بالمعارك الدائرة حول المتسبب في قتل الناس! لكن يبدو أن جميعهم مشغولون الآن، يمكنني البحث في قائمة الهاتف لأتصل بأي منهم، لكنني لا أعرف بمن اتصل حقاً، فهم أنفسهم الجالسون على «النت». معي دقائق مجانية، وليس هناك من أهاتفه. يبدو أنها نهاية العالم! لو كان لديّ حبيب لكنتُ هاتفتُه لأبكي وحين يسألني عن السبب، سأجد الكثير

من الأسباب. سأخبره أنني متضايقة منه لأنه لم يعد يحبني كما كان يفعل سابقاً، سيقسم لي أنه يحبني أكثر من أي وقت مضى، لكنني لن أصدقه، سنتشاجر لتولد أسباب أخرى للبكاء ليس من بينها ما يحدث فى الخارج، فكم أشتاق الى تلك الأيام التى كانت أشياء أخرى تبكيني غير الموت! لكن ليس لديّ حبيب.

يمكننى الوقوف قليلاً لمشاهدة الناس عبر النافذة، لا يوجد كثر وكأنها مدينة للأشباح والخوف. حسناً سأتأمل السماء، السُحب شديدة البياض، حتماً لم تصعد أرواح الموتى بعد لتصبغها بالأحمر.

ما زال اليوم طويلاً ولا أعرف كيف أنهيه! يمكنني تحقيق رغبة والدتي في دخول المطبخ، حسناً قالت لي كثيراً إنه لا يوجد شيء في العالم أسهل من الطهي. سأفسدُ الطعام وأكتشف أن تفجير الناس في الخارج أسهل بكثير من الطهي.

وجدتُّها، يمكنني صناعة قنبلة، سيكون الأمر مسلياً حتماً، وإلا فلماذا يصنعون هذا الكم من القنابل. وجدتُّها ثانية، نوبل لم يقم باختراعه لحفر المناجم، كان يشعر بالملل مثلي في يوم ولم يجد شيئاً ليفعله فاخترع الديناميت ووجد منجماً يفجّره بها فبرر الأمر هكذا، لم يستطع أن يعترف بأنه كان يشعر بالملل. لن أخبر الناس بهذا الأمر ليس لأنهم لن يصدقوني، ولكنني لن أفضح الرجل فى قبره.

أنا أيضاً سأصنع القنابل وسأضع كل الكرات المعدنية الصغيرة التي اخترعوها في العالم في حجرة واحدة وأفجّره. حينئذ لن يتمكن أطفال الجيران فوقنا من صناعة ثقب في رأسي بأصوات «بليهم» كل ليلة، وسيحتفل بي الناس لأنني خلّصتهم من تلك المشكلة الكبيرة، وسيظنون أنني فعلت ذلك من أجل «البلي» ولن يخطر ببالهم الملل أبداً. لكن ماذا لو صنعتُ قنبلة وانفجرت في رأسي؟ سيكون الأمر سيئاً، ستنفتح رأسي وتتحول الأفكار العظيمة التي يمكننى تغيير العالم بها إلى أشلاء ودماء، هذه فكرة بشعة جداً، فالأسهل من ذلك أن أصعد درجات عدة من السُلّم وألعب مع أطفال الجيران.

الجلوس فى المنزل بينما التفجيرات فى الخارج مفيد بعض الشيء، فعلى الأقل عرفتُ إجابة سؤال كان يحيرني كثيراً، لماذا أفضّل الذهاب خارجاً أيام العطلات على البقاء فى المنزل؟ حسناً سأرتب دولاب ملابسي. ما كل تلك الفوضى، ارتفاع عدد الضحايا إلى 50 قتيلاً و200 مصاب، من سيرتب تلك الفوضى؟

ربما يمكنني الاستماع إلى بعض الأغاني الرومانسية لأستدعي الحب من دون أن أخبر أحداً أنه لم يعد ترفاً، فيبدو أننا سنحتاج إلى ملاقاة حب عظيم يساعدنا على الإنجاب كالأرانب وتعويض ما خسرناه من موتى، يمكننى صنع مشروب ساخن ومشاهدة فيلم أجنبي به قتلى آخرون حتى أشعر أن الموت عالمي وليس نحساً خاصاً بوطننا. حينئذ يمكنني انتظار الصور التي ستضعها صديقتي لخطبتها على «فايسبوك» والتي لم أتمكن من حضورها لأن والديّ يظنان أن الموت فى الخارج فقط. حسناً يمكنني فعل شيء أعظم من كل هذا. يمكنني تجربة الموت بإغماض عيني قليلاً ولعن الجميع في أحلامي."



نهلة كرم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى