أمل عمر إبراهيم - طبيبي النفسي

قبل ثلاثة أيام
ذهبتُ لطبيبي النفسي ..
إستقبلتني سكرتيرته الشقراء بابتسامة..
بكوب قهوة و بسؤال عن حالة الأجواء
و دخَلتُ عليه في الموعد المحدد..
إستلقيت علي المقعد الجلدي تحت الاضاءةالخفيفة و إنبعثت الموسيقي في جوانب المكان..
جلس الطبيب بقربي مصالباً ساقيه تنَهَد و قال : إغمضي عينيكِ ، تنفسي بعمق و إطمئني..

تماماً مثلما يحدث في الأفلام ِ، يحدثُ في الكتب ..

و حَكَيت..

حكيتُ عني ، عن وحدتي ..
عن مشكلات النوم والنسيان والسهر..
عن الفراغ رغم ساعات عملي الطويلة ..
رُغم العائلة،
رُغم هوسي الشهير بالكتب
رُغم الفيس بوك و الواتساب و التلفاز
و القطة..
أخبرته عن النساء في داخلي
يتعاركن على رجلٍ واحد، يشتقن ، يُقبّلن بعضهن ،يضربن بعضن ،يثملن ، يُقهقِهن، يَبكِين ، يقررن قتل الرجل الواحد ، يصمُتن كثيراً يتحدثن أكثر..
يكتُبن القصائد يختلِفن الأكاذيب..
و في الآخر يحرِقن بيت روحي يهربن،
يختفين في مكان لا أعرفه ..

أخبرته عن صرصار الليل يصيبني بالجنونِ رغم انه لا يوجد صرصار ليل في داري..

أخبرته عن دوامتي ..
عن أسماكي الذهبية تبتلعها دوامتي ..
عن النار تحت جلدي و الثلج من فوقه
عن الشمعة..
عن الريح تُفرِّق العصفور عن سربه و تُطفئ الشمعة..
عن الوشوشات تحرضني على الهرب ،
تحرضني على الموت و البكاء و الجنون..

حدثته عنه..
عن وجهه الوسيم..
روعته في منصة الشعراء
عن استحالة حبيبي و إستحالتي أنا ..

حدثته عن الحزن والموت في بلدي البعيد ..
عن الشوق لأمي و لبلدي البعيد..

صَمتَ الطبيب..
حك أنفه و وضع النظارة ،أراد قول شئ لكنه لم يَقُل..
و تناول القلم
وصف بعض الأدوية المضادة للإكتئاب و أوصى بإجازة طويلة،بالذهاب لمكان بعيد..

أخذت السكرتيرة الشقراء ثلاثمائة دولار ..

وأنا
عدتُ للمنزل
لَمَعتُ أرضية المطبخ و صنعت الطعام
طويتُ الغسيل و إستقبلت اطفالي.
و خرجتُ للحديقة الخلفية أحرقت عشر سيجارات ..
أحرقتُ وصفة الطبيب ..
و نَثَرتُ ما تبقي من رمادي علي أصيص الزرع و سقيته..

-الوضعُ هادئ الآن..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى