منصف سلطاني - هكذا كانت جوزيفين غريبة

وردة سمراء..تستوعب أزمنة من العمر.. وترمم انكسارات الرؤى وتعيد للغريب احتمالات اللقاء.. قالها صاحبي بلغة شعرية ميالة إلى التغزل.. وعيناه تنشد إلى صفحات كتابها.. كتاب الرحيل ذات مساء.. وهي تبوح له باستعباد الكلمة لها.. تلك التي تحررها من قيود العادة..وتمنحها طاقة عالية على الهذيان.. همس الغريب لها أن الحقيقة موجعة..هو لا يعلم لماذا اهتم بها.. كان جريئا معها أكثر من العادة.. وهي أيضا تمنحه بلا هوادة القدرة على كتابتها.. ربما لأنها امرأة استثنائية في زمن استثنائي.. شعر بأنها تشبهه.. تشابه اختزل بينهما كل الفوارق.. أحس بالانجذاب إليها.. أربكته لغتها وشموخها.. هي امرأة تستوطن الكلام.. وتؤثث عالمها في تخوم المجاز.. وهي تمنحك المعنى.. وتعيدك إلى ذاتك.. وتعمق فيك الرغبة.. في الذهاب معها إلى أقصى متاهات الأرض.. بل تغريك بالمجازفة والمقامرة.. تقلل لديك منسوب التوتر والخوف.. وتزيدك من احتملات التورط معها.. كان صاحبي يتحدث عنها بافتخار..وأنا أبحث عن تفاصيلها في بريق عينيه.. وفي سحر كلامه.. وهي تهز أوصال الكلام..وتزعزع اليقين لديك.. وتدفعك إلى دوائر السؤال.. أسر في نفسه.. أهي توهج الانتظار..؟!!.. أم عنف اللحظة..؟!!.. أم هي ما تبقى من أشواق الحياة..؟!!.. أم هي ما يعيد فيك تفاصيل العمر.. ويخصب جدب أيامك...؟!!.. تبا لها قال واستلقى في الفراغ... يستجمع قواه.. ويستذكر.. أروع لحظات الانتظار.. قبل أن تقذف بها إحدى عربات القطار.. لتهديه أحر القبل.. وتضيع معه في صخب المدينة..وتسرح البصر في امتداد البحر.. وتنتعش بما يقوله فيها من جميل الكلام...
كان حينها الوقت مناسبا ليعيد أيام الوردة السمراء تلك التي التقاها في زمن كأنه الماضي تظلله الفوضى.. ويأوي إلى سواده ضجر المتعبين والحزانى..لم يعد بإمكان الأقمار أن تزين الليالي... هل جربت صاحبي ذهول الروح.. وقد تدلت من شفق شفيف.. .فاجأه اللقاء بها كأنها في لحظة خارج سياق الحياة أهدته كتابها وهي تذوب السكر في فنجان قهوتها.. وتحاول أن تتماسك لتطيل أمد المناورة شعر أنها على الرغم من ذلك تتهاوى ككثيب من الرمل.. يصعب السير في ثناياه..قال يبدو أنها تجيد حروب الاستنزاف وعودتها الكتابة السير طويلا.. هي صبورة كنخلة شامخة في شعاب واد قد جفت به عيون المياه.. واستفحل بها ضمأ الجفاف.. وهي تنتظر غيمات قد تجود بها السماء.. كان اللقاء بها في ذاك الصباح ..حيث الحياة تتبرج في عراء باهت...يبللها شيء من ندى أول الخريف..تضج ..بأحلام ..جفّت ..يئس من وصولها ..المنتظرون..أو هكذا حدثته الوردة السمراء في أول العمر..ثم مضت تتسول ..اشتهاءات القلوب..أجاب صاحبي في ذهول ...:"طوبى للذين يسبقون الشّمس نحو النّهار ... طوبى للمطر والذين يولدون كلّ حين من الذّاكرة..."

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى