عبدالله البقالي - في اليوم العالمي للمرأة

الى روح خالتي فطوم والى كل نساء العالم.


لا نعت و لا صفة تلائمها ما دامت كل الصفات و النعوت جامدة لا يمكنها مجاراة تدرج وولادات متجددة لا تنحصر في حلقة، و لا تختصر في فكرة.
يكفي أنها كانت زوجة أشرس رجل و الأكثر صلابة في المنطقة بأسرها. أشجع الرجال لم يكن ليصمد أمامه و بمضي محدقا في عينيه إلى النهاية. نظراته الرهيبة كانت تشعر أيا كان الواقف قبالته أنه مجرد طفل يعوزه الكثير كي يشتد عوده. لكنها و بمفعول قد لا يكون إلا لتعويذة سحرية أبطلت فوران بركانه. و نسجت مكانة وقفت فيها في عين الإعصار، و أغلقت منافذ الر يح التي كان يطلقها فوق جداول الحسابات لتشطيب الترتيبات التي تحتاجها حياة كانت دائما مصرة على أن تعود إلى البدء.
حين وطأت عالمه، أدركت أنها لم تكن بصدد رحاب غير مكتشفة. وهو لم يحرص من جهته على إخفاء آثار تشهد على عبوره لنساء كثيرات. بعضهن وثقن ذلك العبور، و أخريات انتهت حكاياتهن مثلما ابتدأت، مكتنفة بالغموض و السرية. لكن عزاءها كان ألا واحدة تمكنت من طرق بوابة قلبه.
رجل ضار. أحكم إغلاق كل السبل التي تنتهي لمعرفة كنهه. و أجبر العالم على أن ينظر إليه من الشرفة التي حددها هو من أجل أن يحفظه العالم بسمات لا تسمح بالخلط، و لا تقبل أي تأويل.
لا أحد حكى مرة عن كيف تقاطع مسلكها مع المسار الذي قطعه ذلك الإعصار. لكن المتبقى ممن زامنوا الحدث ، أفادوا أنها كانت تقف عند النقطة الأبعد من طفولتها حين حلق في سمائها نسر هائل. أذهلها شكله، و طول جناحيه لحد أنها لم تنتبه لمخالبه. و حين انقض عليها و طار بها، لم تنظر بعدها لرجل.
رحلة حطت بها في مكان لم تستطع أن تقدر منه حجم البعد الذي يفصلها عن بقية الأنام. فالجسور كانت مبتورة. و لذا لم تعد لها من وسيلة تعرف من خلالها ما يجري في البعيد غير ما يرتسم على وجهه و ملامحه من تعابير. و من ثم ادركت أن الأشرار لا ينامون. و الأخيار محاصرون في زوايا ضيقة. و أن العالم لا يتجه نحو الأفضل. و حين وعى أنها تطل على العالم من شرفة عينيه، ثار و انتفض و أوضح لها أن المنازعات و الاقتتال هي أشياء تخصه. و أنه يكابد ما يكابده من إجل ألا ينتابها ذلك الإحساس. و من أجل أن تسلك ذريته طريقا خال من العقبات و المتاعب.
في جزيرتها المعزولة فعل كل شئ من أجل أن يشعرها أنها ملكة.. و في لحظات السكينة عمل على إغراقها في بحر أمانه و مشاعره.
لا شئ تسرب عن حياتهما الخاصة بالرغم من أن النسوة بذلن جهدهن لمعرفة كيف يصبح حال الرجل الشرس حين يستقيل من دور القاهر الغازي، ليلعب دور المستباح. و كيف يطرد التجهم عن وجهه ليستدعي ما يعبر عن قلاع سرية ذات شطآن حب بلا نهاية. و كيف تبدو ابتسامة طبعت خلسة على ملامح وجه أدمن التجهم و العبوس.
لكن الضياء بدأت تنحصر و يتقلص قطرها على ضوء خطواته التي صارت تتثاقل يوما بعد يوم. و حين انزوى إلى ركن و كف عن الحركة، بدأت المسافة بين العرين و أكواخ الأنام تتقلص. و ربما هو أحس بالشعور نفسه الذي قد ينتاب قبطانا أدرك و هو في منتصف الرحلة أنه لن يشاهد البر ثانية. و بحكم الواعي لحجم العاجز عن التأثير، تكوم حول نفسه كنجم نفذت ذخيرته و راح يدور بلا نهاية.....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى