شهادة عن أحدث 23 مارس 1965 في الدار البيضاء.. من الانتفاضة الشعبية إلى التنظيم السري

هذه وقائع وأحداث تأتي بتفاصيل مدققة لم يسبق أن نشرت من قبل عن انتفاضة 23 مارس1965، وعن اللبنات الأولى لتأسيس منظمة سرية طرحت على نفسها قلب النظام، سميت في ما بعد بمنظمة 23 مارس.


شهادة تاريخية يقدمها محمد محجوبي من موقعه آنذاك كفاعل مباشر في تلك الأحداث، وكأحد المؤسسين لتنظيم 23 مارس. حوكم غيابيا بالسجن المؤبد مرتين، المرة الأولى في محاكمة1972 ، والمرة الثانية في محاكمة 1977، وظل مدة 22 سنة في المنفى حيث واصل مشواره النضالي كعضو في المكتب السياسي لمنظمة “23 مارس”، إلى جانب الطالب الحبيب ومصطفى مسداد والمريني محمد وآيت إيدر بن سعيد، قبل أن يفارقهم على إثر خلاف سياسي ليلتحق بمنظمة إلى “الأمام”.

وكان من بين مبادراته تأسيس جمعية حقوقية في فرنسا، جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان في المغرب، والتي من موقعها في باريس عملت طيلة سنوات الرصاص على التنديد بالخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان وتعبئة الرأي العام الدولي لنصرة القضية الديمقراطية المغربية. كما أنه كان من المبادرين لتأسيس “تجمع المنفيين واللاجئين السياسيين المغاربة”. وعند عودته من المنفى أواخر سنة 1994، كان من الفعاليات التي عملت على توحيد المجموعات اليسارية وتأسيس اليسار الاشتراكي الموحد في يونيو 2002.

وفيما يلي شهادة محجوبي:

بدأت الأحداث التي نروي تفاصيلها منذ الساعة الأولى لصباح يوم الاثنين 22 مارس1965، عندما خرج آلاف التلاميذ من ثانويات الدار البيضاء ليجتمعوا في ملعب ثانوية محمد الخامس. امتلأ الملعب عن آخره. وعلى الساعة التاسعة والنصف انطلقت مسيرة ضخمة اتجهت في نظام مذهل نحو المندوبية الاقليمية للتعليم. وعند اقتراب المسيرة من هدفها تدخلت قوات الأمن بعنف شديد لتفريق هذا الكم الهائل من التلاميذ الذين فروا مجموعات متعددة نحو الأحياء الشعبية، فعمت التظاهرات كل أنحاء المدينة.

وفي يوم الغد، الثلاثاء 23 مارس، تواصلت المظاهرات، وعلى الساعة الثالثة بعد الزوال جاءت الدبابات من طريق مديونة، وتدخل الجيش الملكي، إلى جانب مختلف أجهزة الأمن، ليطق الرصاص على المتظاهرين.

في أي مناخ سياسي واجتماعي انفجر هذا الحدث المفصلي في تاريخ مغرب ما بعد الاستقلال؟ من كان وراء الحدث؟ وماذا بعد انتفاضة مارس 1965؟ أسئلة أعيد طرحها اليوم بعد مرور 36 سنة على تلك الأحداث لإعادة ترتيب وقائعها كما عشتها.

الصراع السياسي بين الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية

تميزت سنوات ما قبل مارس 1965 تميزت باحتدام الصراع السياسي بين قوى الحركة الوطنية وبين المؤسسة الملكية. فبعد إقالة/استقالة حكومة عبد الله إبراهيم الاتحادية ووفاة الملك محمد الخامس، تقدم الحسن الثاني في 7 ديسمبر 1962 بدستور يضع السلطة المطلقة في يد الملك.

وانتصبت ضد هذا التوجه مختلف القوى الوطنية وخاصة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والاتحاد المغربي للشغل، والاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذين خاضوا حملة واسعة وناجحة من أجل مقاطعة ما سمي آنذاك بـ “الدستور الممنوح”، مطالبين بتشكيل “مجلس تأسيسي” منتخب يسهر على تحضير دستور ديمقراطي.

وإذا كان الحكم قد تمكن عبر تزوير منهجي من تمرير دستور 1962 بـ 97% فإنه خسر المعركة جماهيريا، كما أنه فقد حزب الاستقلال الذي قدم وزراؤه استقالتهم من الحكومة في يناير 1963، ليصطف هو الآخر في المعارضة.

لمواجهة هذا التحول، جمع الحكم كل القوى الموالية له في إطار حزب جديد، فتأسست في 21 مارس 1963 “جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية” بضعة أسابيع قبل موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 17 ماي 1963.

إلا أن نتائج الانتخابات رغم تزوير وضغوطات الإدارة جاءت مخيبة لآمال النظام. فبفضل تعبئة واسعة تمكن حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية من خلق جو جماهيري مؤيد لأطروحات المعارضة، كما أنهما على مستوى صناديق الاقتراع تمكنا من الحصول على 69 مقعدا، مقابل 69 مقعدا لجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية. ولم تتوفق هذه الجبهة في تشكيل أغلبية برلمانية إلا باللجوء إلى أصوات 6 برلمانيين بدون انتماء حزبي.

لتحجيم هذا المسار، داهم البوليس يوم 16 يوليوز 1963 مقر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فتم اعتقال جل قادته وأطره المجتمعين من بينهم 21 من نوابه البرلمانيين المنتخبين حديثا، وامتدت الاعتقالات إلى مختلف المناطق المغربية لتطاول آلاف المناضلين الاتحاديين، قٌدم عدد منهم إلى المحكمة الجنائية بالرباط التي أصدرت في 14 مارس 1964 أحكاما قاسية وصلت الحكم بالإعدام حضوريا في حق الفقيه محمد البصري، عمر بن جلون، محمد آجار/بونعيلات، وغيابيا في حق ثمانية آخرين ضمنهم المهدي بن بركة. وفي نفس سنة 1964 في 24 سبتمبر احتل البوليس مقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وتم اعتقال رئيسه محمد الحلوي وطالبت النيابة العامة بحل المنظمة الطلابية.

لكن رغم شدة الحملة القمعية ظل الصراع السياسي ضد الحكم على أشده في الساحة الجماهيرية وداخل البرلمان. ففي العديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية (تكرير البترول “لاسمير”، الخطوط الجوية الملكية، معامل السكر “كوزيمار” عمال ميناء الدار البيضاء، إلخ…) خاضت الطبقة العاملة إضرابات بطولية، كما أن الاتحاد المغربي للشغل أعلن بوضوح معارضة قوية لسياسة الحكم. وفي 29 ماي 1964 من منصة مهرجان شعبي أكد رئيس أقوى نقابة عمالية المحجوب بن الصديق على “إرادة وتصميم العمال من أجل وضع حد للاستبداد والحكم الفردي”. وعلى مستوى آخر تقدمت المعارضة، الممثلة في لاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، بملتمس للرقابة في 15 يوليوز 1964، وفرضت وجودا قويا أبرز هشاشة الأغلبية الحكومية المفتقرة لأطر ذات تجربة سياسية.

في هذه الأجواء الساخنة التي رفعت فيها أحزاب المعارض شعار النضال “ضد الاستبداد” ونظام “المعمرين الجدد”، اندلعت مواجهة مسلحة بين مجموعة المقاوم أحمد أكوليز الملقب بـ “شيخ العرب” في صيف 1964، لتعيد إلى الذاكرة الشعبية سنوات المقاومة ضد الاستعمار.

هذا الصراع الذي خاضته قوى الحركة الوطنية، إذا كان مبرره السياسي هو استفراد المؤسسة الملكية بالسلطة، فإنه من جانب آخر كان يستمد قوته من سخط جماهيري واسع أنتجته خيبة الأمل التي أصابت كل الطبقات الشعبية التي لم تحقق من الاستقلال ما كانت تطمح له من حرية وعدالة اجتماعية وعيش كريم.

وبالفعل، فإن المؤسسة الملكية لم يكن همها الأول ذلك الوقت هو التجاوب مع تلك الطموحات الشعبية بقدر ما كان شغلها الشاغل هو بناء قاعدة اجتماعية تدعم سلطاتها المطلقة، وتقلص نفوذ أحزاب الحركة الوطنية ومنظماتها الجماهيرية. فوقع التخلي عن التصميم الخماسي لحكومة عبد الله إبراهيم وإصلاحاته الجوهرية، وكانت الاختيارات الاقتصادية التي تم تبنيها مرصودة مسبقا لخدمة الأقلية الملتفة حول القصر، وللتجاوب مع حاجيات السوق الخارجية ليد عاملة رخيصة ومواد فلاحية للاستهلاك. وهكذا في الوقت الذي كان فيه الفلاحون الفقراء يطمحون إلى استرجاع الأراضي التي استحوذ عليها المعمرون الفرنسيون خاصة، كان توجه الدولة هو تفويت تلك الأراضي إلى يد المحضوضين من الأثرياء وأعيان الدولة، وتسخير كل الإمكانيات والتسهيلات، ومنها الإعفاء من الضرائب، لتطوير فلاحاتهم الموجهة نحو التصدير. فلم يتم أي إصلاح زراعي من شأنه تحسين أوضاع جماهير العالم القروي والمناطق المهمشة. وفي مثل هكذا شروط، هاجر مئات الآلاف من القرويين نحو المناجم والمصانع الأوروبية، ونزحت نحو المدن وخاصة الدار البيضاء، أعداد واسعة من الفلاحين بدون أرض، بوثيرة تفوق 36000 نسمة كل سنة. هجرة بدون آفاق كان مصيرها المحتوم هو تعمير مدن الصفيح وتعزيز جيش العاطلين.

أما بخصوص الطبقة العاملة، فإن تجميد الأجور وهدر الحقوق الاجتماعية وغلاء المعيشة، جعل سنوات 1963ـ 1964 كما أشرنا إلى ذلك من قبل، سنوات اضطرابات واحتجاجات متعددة. ففي 5 ديسمبر 1964، أقل من أربعة أشهر قبل انتفاضة الدار البيضاء، تقدم وزير الاقتصاد محمد الشرقاوي بتصميم تقشفي كان مفعوله المباشر الزيادة في أسعار مواد الاستهلاك الأساسية وفي مقدمتها الزيادة في ثمن السكر بنسبة 42%. ومن التعابير الشعبية المعبرة عن الاستياء الشعبي آنذاك، تلك الأغنية الهزلية للفنانين “قرزوز ومحراش” التي يقولان فيها “ملكنا الحنين قالب السكر كان بـ 40 طلعوا لـ 80” (يعني من 40 ريال إلى 80 ريال). ومن المعلوم، فقد تم اعتقال الفنانين ليطلق سراحهما فيما بعد بدون محاكمة.

وفي سياق نفس السياسة التقشفية أصدر وزير التعليم يوسف بلعباس دورية لمنع التلاميذ ما فوق 16 سنة من تكرار القسم الثالث ثانوي، مما يعني حرمانهم من إمكانية متابعة دراستهم في السلك الثاني من التعليم الثانوي ومن تم الحصول على الباكالوريا وولوج التعليم العالي.

هذا القرار كان صدمة كبرى ليس للتلاميذ وحدهم، بل لعموم الطبقات الشعبية التي كانت ترى في التعليم الإمكانية الوحيدة المتبقية للارتقاء في السلم الاجتماعي وتحسين أوضاعها المادية من خلال تعليم أبنائها. فلا عجب إذن أن يكون الانفجار نتيجة حتمية لمجموع الشروط السياسية والاجتماعية السابقة الذكر.

من أشعل الفتيل، وكيف جرت أحداث مارس 1965؟

تجدر الإشارة هنا إلى أن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كانت له داخل الثانويات الكبرى امتدادات تنظيمية سميت بـ “وداديات التلاميذ”. ولقد تم منع هذه الوداديات في 21 يناير 1964، وانقطعت العلاقة التنظيمية بين النقابة الطلابية والتلاميذ، لكن الموروث الطلابي ظل حاضرا، كما أن أهم الثانويات كانت تحتضن بالإضافة إلى الوداديات تعاونيات يسيرها التلاميذ بأنفسهم.

فثانوية محمد الخامس بالدار البيضاء مثلا، وهي الثانوية التي انطلقت منها المسيرة يوم 22 مارس 1965 كانت تضم ما يقارب 3200 تمليذا وثلميذة بين السلك الأول والسلك الثاني، و420 تلميذ داخلي، وتعاونيتها كانت تضم عشرات المنخرطين والعديد من الأندية المخصصة لمختلف الأنشطة الثقافية والرياضية (مسرح، رسم، نحت على الخشب، نادي سينمائي، عروض أدبية، رحلات، فرق في عدد من أصناف الرياضات) إضافة إلى إصدار مجلة وتنظيم حفل سنوي، وأنشطة مشتركة مع ثانويات أخرى. وكان لهذه التعاونيات مكتبا مكونا من التلاميذ برئيس وأمين مال ونواب. كما أن تلاميذ الداخلية كان لهم ناديهم الخاص وممثلون منتخبون يحاورون الإدارة في كل ما يتعلق بتسيير الداخلية. وبصفة عامة، إن شبيبة الثانوي في تلك المرحلة كانت تتميز بدرجة من النضج المبكر، وبقدرة على المبادرة وتحمل المسؤولية، مردها المناخ السياسي العام، واتساع الأنشطة الحزبية والنقابية للقوى التقدمية، التي كانت تمس جزءا لا بأس به من الشباب. هذا بالإضافة إلى أن عددا من شبيبة الثانوي كانت تتلقى عبر الصحف والكتب والإذاعات أصداء الثورات في آسيا وأمريكا اللاتينية، وتتفاعل مع ما يجري في الساحة العربية والدولية.

وفي هذا السياق بادرت مجموعة صغيرة من تلاميذ ثانوية محمد الخامس في الدار البيضاء إلى تشكيل إطار خاص بها أواسط سنة 1964 أطلق على نفسه اسم “الشبيبة التقدمية المغربية”. وتمثل نشاط هذا الإطار في الإصدار والنشر سرا لبيانات حائطية تتناول كل مرة قضية وطنية عربية أو دولية. تأسس هذا الإطار ليس بنية بناء منظمة سياسية ولكن فقط للتعبير بحرية مطلقة عن مواقف المجموعة التي شكلته، والتي ضمت حينها المناضلين حرزني أحمد، محجوبي محمد، تيردا محمد، ومناضلين اثنين آخرين.

في الوقت ذاته الذي كان فيه عمل هذه المجموعة متسترا ومستقلا عن أي حزب سياسي، فإن أعضاءها كانوا ينشطون في المنظمات الجماهيرية لكل من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وحزب التحرر والاشتراكية، والشبيبة العاملة التابعة للاتحاد المغربي للشغل.

نورد مثال “الشبيبة التقدمية المغربية” لنبرز أن شبيبة بهذه الدرجة من الوعي والحيوية لا يمكنها إلا أن تتحرك ضد القرار الوزاري القاضي بحرمان جزء هام من التلاميذ من حقهم في التعليم.

ردود الفعل على قرار الوزير يوسف بلعباس

مباشرة بعد صدور دورية الوزير بالعباس انطلقت في ساحات الثانويات بالدار البيضاء نقاشات حول الموضوع خاصة بين تلاميذ الداخليات، وأصدرت “الشبيبة التقدمية المغربية” بيانا بالفرنسية موقعا بـJ.P.M (Jeunesse Progessiste marocaine) يندد بذلك القرار. كما أنه في الأسبوع السابق للانتفاضة عقد عدد من التلاميذ تجمعا في المقاطعة واحد، وهي أحد مقرات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في الدار البيضاء، لمناقشة العمل المفروض القيام به ضد القرار الوزاري. ضم هذا اللقاء ما يقارب الخمسين تلميذا من مختلف الثانويات الأساسية في الدار البيضاء، وكان مفتوحا لكل النشطاء بدون تمييز بين المنخرطين أو غير المنخرطين في الحزب. وأهم ما ميز النقاش بين الحاضرين هو أي موقف يجب اتخاذه؟ موقف يدعو إلى الإضراب وتنظيم مسيرة يوم 22 مارس نحو المندوبية الإقليمية للتعليم، أم موقف ثاني يدعو إلى الاكتفاء بإعلان الإضراب ذلك اليوم ويعارض بشدة المسيرة نحو المندوبية بدعوى عدم إمكانية نجاحها.

وقد اتضح فيما بعد أن الاتجاه المعارض للمسيرة كان يعبر عن الموقف الحزبي الغير معلن للكتابة الوطنية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في حين أن دعاة المسيرة كان بعضهم محسوبا على المتعاطفين مع الاتجاه الراديكالي ـ اتجاه الفقيه البصري ـ والبعض الآخر وهم أغلبية النشطاء التلاميذ، وضمنهم مجموعة الشبيبة التقدمية المغربية، لم يكن لهم أي انتماء لأي تيار حزبي.

لم يحسم ذلك الجمع هذا الخلاف بقدر ما ركز الحاضرون على المهام التي يجب القيام بها لشن الإضراب. وإذا كان كل المشاركين في اللقاء قد خرجوا مجندين لإنجاح الإضراب يوم الإثنين 22 مارس، فإن دعاة المسيرة اتفقوا فيما بينهم على توجيه جموع التلاميذ المضربين في كل ثانوية للتجمع في الملعب الكبير لثانوية محمد الخامس. وسهل مأمورية التجمع في ذلك الملعب وإطلاق المسيرة تواجد الاتجاه التلاميذي الجذري في أهم الثانويات والداخليات، كدار الطالب بعين البرجة، ثانوية مولاي عبد الله، ثانوية الخوارزمي، ثانوية فاطمة الزهراء للبنات، ثانوية الخنساء بنات، ثانوية الأزهر، ثانوية الحلو، ثانوية شوقي بنات. كما أن الموقع المركزي لملعب ثانوية محمد الخامس وسط تلك الثانويات قد ساعد كثيرا على نجاح التعبئة. ومن العناصر التي لعبت دورا أساسيا في الدعوة إلى التجمع وتأطير المسيرة، إضافة إلى نشطاء ثانوية محمد الخامس، نذكر شنتوف محمد، لغريسي محمد، المصطفاوي من ثانوية الحلو، ومليكة حرزني وخديجة فجري من ثانوية فاطمة الزهراء، وفكاك مولاي رشيد، وأقداف من ثانوية مولاي عبد الله، والطاطي والفحلي من ثانوية الأزهر، ومناضلات ومناضلين شباب آخرين.

وفعلا منذ الثامنة صباح يوم الإثنين 22 مارس 1965 بدأت أفواج التلاميذ من مختلف الثانويات تتجمع في ملعب ثانوية محمد الخامس، جالبة في طريقها تلاميذ ثانويات صغرى لم نكن نعول من قبل على انخراطها في المسيرة. لقد امتلأ ملعب كرة القدم ليضم ما يقارب 15000 تلميذ وتلميذة، وبسرعة فائقة وانضباط تلقائي عجيب بدأ تنظيم المسيرة صفا صفا لتنطلق حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحا وراء لافتة واحدة تطالب بإلغاء قرار الوزير بلعباس. مسيرة ضخمة، صامتة، ومؤطرة تأطيرا جيدا، حيث أنه عندما وصل رأس المسيرة قرابة المركز الثقافي الفرنسي شارع الزرقطوني، كان عددا لا بأس به من التلاميذ لازال داخل الملعب ينتظر تقدم المسيرة للخروج. ولابد أن نذكر هنا المناضل المرحوم تيردا محمد، الذي كان ضمن فريق الدراجات المكلف بالتنسيق والإخبار بما يجري على امتداد المسيرة.

إن قوات الأمن كانت بدون شك على علم مسبق بأن تجمعا سيتم في ملعب ثانوية محمد الخامس، إلا أنها لم تتدخل على الإطلاق إلا عندما وصلت المسيرة قرب المركز الثقافي الفرنسي. هذا التأخر في التدخل يرجع إلى عدم تصور أن حفنة من الشباب بإمكانها أن تعبئ آلاف التلاميذ، أو إلى كون الانطلاق الهادئ والصامت للمسيرة وتنظيمها المحكم الذي لم يكن يندر بأي انفلات أمني.

على كل حال، عندما اتخذت السلطات قرار تفريق المسيرة، كان تدخل البوليس والقوات المساعدة تدخلا عنيفا أحدث ارباكا في صفوفها لم يكن ينتظره أحد بما فيه المنظمون. فانقسمت المسيرة إلى جموع اتجه بعضها نحو المدينة القديمة (باب مراكش)، وبعضها نحو درب السلطان، وجماعات أخرى رجعت إلى الأحياء التي تسكنها لتدفع إلى الشارع تلاميذ ثانويات أخرى في سيدي عثمان، والبرنوصي، والحي المحمدي وغيرها من الأحياء الشعبية. فالتحقت بالتلاميذ الثائرين جموع الفئات الاجتماعية المهمشة.

في ظل الشروط الاجتماعية والسياسية السالفة الذكر، انفجر الغضب الشعبي ضد كل ما يرمز للدولة من قريب أو بعيد. فوقع الهجوم على العديد من المنشآت العمومية، وإحراق عدة مراكز للأمن، كما تم الهجوم على سجن “غبيلة”، واقتحام مراكز التعاون الوطني قرب سينما موريتانيا لتوزيع ما بداخله من مواد غذائية، وغير ذلك من أعمال الانتقام لسنوات من الحرمان والقهر. وعلى عكس مسيرة التلاميذ الصامتة في صباح ذلك اليوم رفعت في الأحياء الشعبية شعارات جذرية ضد النظام. إن التدخل العنيف لقوات الأمن لتشتيت مسيرة ضخمة نقل احتجاج شبيبة الثانوي من التظاهر السلمي المنظم إلى انتفاضة شعبية شملت الدار البيضاء بكاملها. ونتيجة لهذا التحول أصبحت الأنوية التي أطرت المسيرة متجاوزة كليا.

وكمحاولة لاسترجاع المبادرة وإعادة تنظيم الاحتجاج من جديد اتصل عدد من النشطاء التلاميذ فيما بينهم ومع مناضلين من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في كلية الحقوق بالدار البيضاء، وذلك لعقد اجتماع طارئ مساء يوم الاثنين 22 مارس. تم هذا اللقاء في نادي داخلية محمد الخامس وضم ما يقارب الخمسة عشر مناضلا من مختلف الثانويات وطالبين من كلية الحقوق من بينهم رئيس التعاضدية “أوطم”، الخالدي. وكان القرار الوحيد المتخذ في هذا الاجتماع، هو توجيه التلاميذ والطلبة إلى التجمع يوم الثلاثاء 23 مارس على الساعة الثانية بعد الظهر في الساحة الموازية “لسوق القريعة”، ومن تم تنظيم مظاهرة منظمة تنطلق نحو شارع الفداء. إلا أنه في الموعد المحدد عندما توجهت جموع التلاميذ نحو تلك الساحة وجدوها مليئة بالقوات المساعدة، فتحولوا تلقائيا نحو “ساحة السراغنة” ليذوبوا وسط الجماهير الغفيرة التي كانت منذ الصباح في مواجهات مع قوات الأمن.

قنابل مسيلة للدموع ورصاص حي

كانت هذه القوات تستعمل القنابل المسيلة للدموع في حين كان سلاح المتظاهرين الحجارة وإقامة المتاريس، واستعمال أساليب موروثة عن المقاومة ضد الاستعمار لإبطال مفعول تلك القنابل. كان المتظاهرون يتلقفونها بالأغطية قبل أن تنكسر على الأرض لإرجاعها إلى مواقع البوليس، أو إفراغ المياه عليها لتخفيف مفعولها أو وضع كمامات، وغير هذا من وسائل الدفاع الذاتي. وفي نفس يوم الثلاثاء 23 مارس شهدت أحياء أخرى مواجهات مماثلة، إلا أن “ساحة السراغنة” تميزت بتجمهر الآلاف من المتظاهرين الذين استطاعوا بقوتهم العددية منع قوات الأمن من التقدم واكتساح الساحة. لكن ثبات الجبهات لم يدم طويلا، فعلى الساعة الثالثة والنصف دخلت الدبابات قادمة من شارع مديونة، وصدر الأمر للجيش الملكي بقيادة الجنرال أوفقير لإطلاق الرصاص على المتظاهرين.

في أول وهلة اعتقد المتظاهرون بأن ما أطلق هو رصاص مطاطي، لكن عند سقوط أول الضحايا بين جرحى وقتلى لم يعد شك بأن الحكم قرر سحق الانتفاضة بالحديد والنار.

تم إخلاء “ساحة السراغنة” وساحة “كراج علال” تحت الطلقات النارية المكثفة ودخل المتظاهرون الأزقة الضيقة لمواصلة المقاومة مدعومين بتضامن شعبي قوي. فمن فتح الأبواب لإخفاء الشباب، إلى الاعتناء بالجرحى، إلى رمي قوات القمع بمختلف القذائف من فةق سطوح المنازل، عبر سكان الأحياء الشعبية عن مشاركة جماعية في الانتفاضة. فاستمرت المناوشات والمطاردات وقتا طويلا ولم يتمكن الجيش من السيطرة على الوضع بصفة تامة في الدار البيضاء إلا يوم 25 مارس.

لكن رغم هذا القمع الرهيب وإعلان حضر التجول من الساعة التاسعة مساء إلى السادسة صباحا، فإن أصداء انتفاضة الدار البيضاء وصلت إلى مدن أخرى فعرفت بدورها تظاهرات شعبية خاصة في الرباط، وفاس، وطنجة، كما أن ثانويات بعض المدن نظمت داخل ساحتها تظاهرات عنيفة، كما حصل في ثانوية بن عباد في مراكش.

ضحايا هذه الأحداث يعدون بمئات القتلى والجرحى. أزيد من ألف قتيل حسب الصحافة الوطنية، إضافة إلى الاعتقالات الواسعة في صفوف المتظاهرين وكان من بين من اعتقلوا أحمد حرزني من “الشبيبة التقدمية المغربية”، وقضى 14 يوما في مخفر الشرطة قبل أن يطلق سراحه، دون أن تقدم ضده أية تهمة. كما أنه في 24 مارس تم اعتقال القيادة النقابية لرجال التعليم وحجز جل الصحف الوطنية.

ماذا بعد انتفاضة مارس 1965؟

أمام هذا القمع الرهيب بقيت ردود فعل أحزاب الحركة الوطنية في حدود الإدانة المبدئية والانفتاح على الحوار مع المؤسسة الملكية. فطالب نواب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق حول أحداث الدار البيضاء، لكن الحكومة لم تسمح لتلك اللجنة بالقيام بمهمتها بدعوى أن الوقت هو لحفظ النظام العام. أما الاتحاد المغربي للشغل فإنه لم يتحرك إلا يوم 28 مارس ليهدد بإعلان الإضراب العام وليكتفي في آخر المطاف بالدعوة إلى إضراب العمال بالبقاء في منازلهم، الشيء الذي لم يكن يزعج السلطات المنشغلة بمنع أي تجمع جماهيري أو احتجاج في الشارع.

أما الملك فإنه زاوج بين شراسة القمع وحدة الخطاب، والدعوة إلى الحوار والوحدة الوطنية.

انتظر الحسن الثاني استكمال السيطرة على الوضع ليلقي في ليلة 29 مارس خطابا تلفزيونيا اعترف فيه بوجود أزمة اقتصادية، وفي نفس الوقت هاجم بعنف رجال التعليم قائلا “لماذا لم ينزلوا بأنفسهم إلى الشارع عوض تلاميذتهم؟ أين هي إذا خصال الشهامة؟” مضيفا “إنه ليس هناك خطر أكبر على الدولة من خطر من يسمي نفسه مثقفا. لقد كان من الأحسن أن تكونوا أميين”.

بموازاة مع هذه اللهجة العنيفة كانت الاتصالات جارية مع أحزاب المعارضة. ففي بداية أبريل 1965 استقبل الملك في قصره في إفران وفدا من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يتزعمه عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي ليقترح عليهم المشاركة في حكومة وحدة وطنية، كما أرسل مبعوثا إلى ألمانيا سعيا وراء إجراء اتصال مع المهدي بن بركة. وللبرهنة على حسن النية أطلق سراح الاتحاديين الذين اعتقلوا سنة 1963 بتهمة المؤامرة، وعلى رأسهم الفقيه البصري وعمر بن جلون. إلا أن الحوار مع أحزاب المعارضة لم يسفر على أي توافق نظرا لإصرار الملك على مشاركة الأحزاب المخزنية في الحكومة، وعلى احتكار كل السلط التي خولها لنفسه في دستور 1962. في الحقيقة كان الملك يريد استسلاما كليا للمعارضة، ولم يبدي أي استعداد للقيام بأدنى تنازل بقدر ما كان الغرض هو ربح الوقت وإغراء بعض الأطراف من أحزاب الحركة الوطنية. وهكذا في 7 يونيو 1965 أعلن الملك الحسن الثاني حالة الاستثناء وشكل حكومة ترأسها هو بنفسه مؤكدا بشكل واضح سلطته المطلقة. وفي هذا السياق تم اختطاف واغتيال المهدي بن بركة في 29 أكتوبر 1965، واشتدت مصادرة الحريات العامة ودخل المغرب في ليل طويل مليء بالأحداث المفجعة: إنها بداية سنوات الرصاص.

أدان حزب الاستقلال حالة الاستثناء وطالب بالرجوع إلى المشروعية، كما طالب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بدستور ديمقراطي. لكن هذه ظلت مجرد مواقف دون تحرك حقيقي لفرضها.

وفي ظل هذه التطورات حصل تقارب سطحي بين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ونقابة الاتحاد المغربي للشغل كما تمت محاولات لبناء جبهة وطنية مع حزب الاستقلال، إلا أن الانتظارية كانت سيدة الموقف. أما الاتجاه الراديكالي داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فرغم عزيمته النضالية كان مفتقرا لاستراتيجية واضحة وتنظيما محكما يمكنه من بلوغ أهدافه.

إن القمع الدموي لانتفاضة مارس 1965 وإعلان حالة الاستثناء، وارتباك أحزاب المعارضة في الرد على هذا التوجه الاستبدادي كان إيذانا بانبعاث حركة يسارية جديدة. وإذا كانت هذه هي العوامل الموضوعية الحاسمة التي دفعت ثلة من شبيبة انتفاضة الدار البيضاء إلى بناء اللبنات الأولى لحركة اليسار الجديد، فإنه كثيرا ما يأتي حدث صغير ليفجر تحولا ذي انعكاسات أكبر. وهذا ما حصل في ندوة نظمتها الشبيبة الاتحادية في مقر الكتابة الوطنية في الدار البيضاء استدعي لها الفقيه البصري الخارج للتو من السجن، إثر انتفاضة مارس 1965، والذي كان يحظى بإعجاب وتقدير كبيرين، وينتظر منه شباب الانتفاضة الحاضرون خطابا في مستوى الأحداث. إلا أن الصدمة كانت قوية عندما تكلم الفقيه في تلك الندوة عن الانتفاضة لا ليؤكد مشروعية الحركة التلاميذية وينوه بالمناضلين اللذين نظموا المسيرة، ولكن ليعنفهم على تجاوز قرار قيادة الحزب الذي دعا للإضراب وليس إلى التظاهر. في الحقيقة إن قيادة الاتحاد لم تعلن رسميا عن أي شيء، ولم يكن في علمنا آنذاك أي موقف لها، بقدر ما أنها سربت موقف الإضراب لبعض المقربين منها. والحقيقة الثانية هي أن غالبية التلاميذ النشطاء الذين أطروا المسيرة لم يكن لهم أي ارتباط تنظيمي مع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

تعبيرا عن خيبة أمل كبيرة من مداخلة الفقيه البصري انسحب في صمت عدد من النشطاء التلاميذ، كان من بينهم تيردا محمد ومحجوبي محمد. إن هذه الحادثة جاءت لتؤكد لنا في مجموعة “الشبيبة التقدمية المغربية”، بأن كل الزعامات التقليدية بما فيها الجذرية لا يعول عليها لمواجهة النظام. وفي يوم الغد اجتمعنا مع أحمد حرزني والأعضاء الآخرين في المجموعة لنخبرهم بما عبر عنه الفقيه البصري، ولنخرج بخلاصة بسيطة، بريئة، لكنها جوهرية، مفادها أن قيادات أحزاب الحركة الوطنية أدت دورها في مواجهة الاستعمار، وأن مسؤولية التغيير تقع الآن على عاتق الشباب. وهكذا بدون إدانة أحد تقرر في ذلك اللقاء الانتقال من “الشبيبة التقدمية المغربية” كتوقيع لإصدار منشورات نعبر فيها عن مواقف، إلى العمل على بناء منظمة ثورية سرية للإطاحة بالنظام.

في تلك المرحلة لم تكن الإديولوجية منطلقنا، بقدر ما أننا كنا ثوارا ضد واقع الاستبداد ومن أجل المساواة والعدالة الاجتماعية. إن هذا لا ينفي أننا كنا متأثرين ومعجبين بالتجربة الغفارية والتجربة الصينية التي كان المرحوم تيردا محمد عرابنا في التعرف عليها.

انطلاقا من قرار بناء تنظيم، بدأ العمل بالاستفادة من العلاقات الموثوق بها التي ربطناها مع العديد من المناضلين أثناء التحضير للمسيرة وأثناء المظاهرات. كما أنه على المستوى السياسي كانت عناصر الإقناع بضرورة التنظيم الثوري متوفرة بشكل ملموس: القمع الدموي للانتفاضة، إرادة الجماهير ومشاركتها القوية ورفعها لشعارات ثورية، دخول أحزاب المعارضة في حوار غير مجدي مع النظام، ثم الانتظارية بعد فشل الحوار.

لقد بدأت العملية التنظيمية، ليس كاستقطاب إلى إطار تنظيمي قائم الذات، ولكن كإقناع بضرورة البدء في بنائه. وكان من أول المستجيبين لهذا المشروع جبيهة رحال، فكاك مولاي رشيد، مريد عبر العزيز، الغريسي محمد، المصطفاوي، صلاح الوديع، إسماعيل الغازي ومناضلين آخرين عمل كل واحد منهم على بناء خلايا إما داخل الثانوية أو في الحي الذي يسكنه.

هذا العمل المتواصل شكل شبكة لم تعلن عن نفسها كتنظيم، لكنها ظلت نشطة ومؤثرة داخل الإطارات الجماهيرية كالاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وشبيبة الاتحاد المغربي للشغل، وداخل شبيبة الثانوي. ومن الأنشطة البارزة لهذه الشبكة التنظيمية توزيع مناشر غير موقعة، الكتابة على الجدران، وإحياء ذكرى انتفاضة 23 مارس من كل سنة، وذلك بشن إضراب عام في الثانويات لدرجة أن النظام خوفا من تحول الإضراب إلى مظاهرات، أدرج تاريخ 23 مارس ضمن العطل المدرسية. وجاء بروز النقابة الوطنية للتلاميذ (ن. و. ث) سنة 1971 ـ 1972 كمنظمة جماهيرية قوية تغطي عموم الساحة الوطنية نتاج عمل تنظيمي دؤوب تواصل طيلة السنوات التي تلت انتفاضة مارس 1965.

“رب شرارة أحرقت سهلا”

لم يمنح التنظيم السري الجديد لنفسه اسما، ولم يعلن عن وجوده، كما أن مرجعيته الإديولوجية لم تتضح إلا بصفة تدريجية. وهكذا من الإعجاب بالثورات الكوبية والصينية والاضطلاع على ما كتب حول تلك الثورات، تم الانتقال إلى التبني الصريح لفكر ماوتسي تونغ والنظرية الماركسية اللينينية. ومن دلالات هذا التحول الفكري إصدار وثيقة في عام 1968 بعنوان “رب شرارة أحرقت سهلا”، وهي ورقة وضعت كأرضية لفتح النقاش مع من يراد اقناعهم بضرورة التنظيم الثوري أفرادا أو جماعات.

ومع بداية 1969 انضمت إلى التنظيم الجديد مجموعة من المناضلين تسمى نفسها “النجم الأحمر” كان على رأسها المناضل الكرفاتي محمد. وفي نفس السنة تم اللقاء مع حلقة آسيدون، ثم مع حلقة أخرى مشكلة من مناضلين اتحاديين راديكاليين سميت بحلقة فاس، وكان من أبرز أعضائها المرحوم حمامة بوعبيد، والحبيب الطالب، ومصطفى مسداد، ومحمد المريني وعبد الغني أبو العزم.

وإذا كان تبني حلقة آسيدون لفكرة التنظيم الثوري خارج الأحزاب الوطنية التقليدية أمرا مسلما به، فإن النقاش مع حلقة فاس استمر مدة أطول لإقناع أعضائها (باستثناء حمامة الذي كان قد انسحب من حزب التحرر والاشتراكية منذ مدة) بضرورة الانسحاب من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وتأسيس تنظيم مستقل.

تيسرت الوحدة مع هاتين الحلقتين، ولتأكيد هذا المسار النضالي الذي نبع من صلب انتفاضة مارس 1965، تم اختيار يوم 23 مارس 1970 بصفة مقصودة ورمزية ليكون اليوم الرسمي لميلاد المنظمة الموحدة.

هذه رؤوس أقلام حول بعض التفاصيل المرتبطة بما جرى أثناء وبعد انتفاضة 23 مارس 1965 والسياق السياسي الذي اندلعت فيه، ومن دروسها وأسئلتها التي تساءلنا في زمن الحركات الشعبية في مغرب اليوم هو أهمية التعبير السياسي المنظم الذي يفترض أن ينبثق من صلب الحركة الجماهيرية كي تبلغ أهدافها في ترسيخ الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في إطار نظام ديمقراطي يشكل فيه الشعب مصدر السلطة والسيادة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى