محمد محمود غدية - شرفة البحر

تستقبل الصباح ببسمة حانية، تشكر الشمس على صبغة بشرتها بلون الذهب، ناضرة كالفاكهة ليس ذلك ماشده نحوها، لكنه ذلك الكتاب المتوحدة معه فى إستغراق تام، لدرجة انها لا ترى الأطفال الذين يتقافزون حولها، مدهوشا أمام تلك الحسناء التى تقرأ فى رواية من تأليفه، آية مصادفة القت بها جواره، إنها القارئة الوحيدة لمؤلفه بطول الشاطئ،
مياه البحر تداعب ساقيها فى رفق، تعلوها مظلة الوانها زاهية، إنها إمرأة تشبه حوريات البحر والأساطير، تتأمل زرقة البحر حينا ثم تعود للكتاب، غير مبالية بلوعة الكاتب، الذى تعطلت لديه لغة الكلام، حتى أن جينات الكتابة فرت من أمامه كاالغزلان المذعورة، عيناها لا تفارق مؤلفه،
إنتقل بمقعده قربها دون إستئذان فقد إكتشف طوال ساعات ثلاث أنها وحيدة لا رفيق أو أنيس سوى الكتاب، أربعينية مازالت تحتفظ ببعض جمال لم يغادرها بعد،
زحف اللون الفضى برأس المؤلف فى مهابة، وهو المعتنى بأناقته،
له بالأسواق خمسة مؤلفات روائية، صحفى يشرف على الصفحة الأدبية باإحدى الصحف القومية، لم يسبق له الزواج الذى يراه معطلا عن طموحاته الأدبية، فى منتصف العقد الرابع،
فى البداية رسمت بوجهها علامات غضب ودهشة، فى إقترابه منها دون إستئذان، سيخبرها عن إسمه، ستسعد أنها أمام المؤلف شخصيا الذى تقرأ له، ستطلب منه التوقيع على مؤلفه مع كتابة إهداء لأجمل أربعينية بطول إسكندرية كلها، سيعتذر أنه قرأ عنوان الكتاب دون إستئذان، يتبعه إعتذار ثان عن إقتحامه شمسيتها، ستقبل كل إعتذاراته حين تعرف هويته التى مازالت غامضة حتى اللحظة،
-- صباح الخير قالها دون أن يتلقى رد منها، أعاد ماقاله ربما لم تسمعه ولم يتلقى أيضا ردا، لا شئ سوى إمتعاض وغضب، كان لابد له من تقديم الإعتذار ثم التعريف بنفسه مؤلفا للرواية التى بيدها، تحدث عن مؤلفاته العديدة وعن الجوائز التى نالها،
بين دهشتها وهى لا تعرف عما يتحدث، وكأنه يتحدث بلغة غير مفهومة، مشيرا لمؤلفه الذى بين يديها والمتوحدة معه طوال ساعات ثلاث مما يعنى إعجابها بالرواية، صفعته إبتسامتها الواسعة وهى تقول :
أنها تقرأ فى كتاب هذه الشجرة وهو كتاب عن المرأة لمؤلفه عباس العقاد الكتاب قديم إبتاعته من سور الأذبكية دون غلاف، وكان لدى البائع ذلك الغلاف لمؤلفك دون محتوى، وضع كتاب العقاد بداخله، انا آسفة بجد
آسفة أن خيبت ظنك لست من هواة قراءة الروايات وليس هذا بكتابك .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى