رسائل الأدباء من الشاعر محمد عبده بوزوبع إلى مصطفى معروفي

الصديق الودود مصطفى

تحية طيبة،

وبعد،
وضعت إصبعك على جرح عميق في ثقافتنا المغربية"الشابة"وأشرت بالخصوص إلى القضية المتعلقة بالنقد، والمتابعة النقدية فيها، وكما طلبتَ، سأحاول أن أبسط لك رأيي، مع التأكيد على شيئين اثنين:
ـ أن النقد إبداع مستقل وإن كان يرتبط "عضويا" بـ "ملاحقة الأعمال الإبداعية الأخرى .
ـ القضية الثانية أن الصراع ، إن كان موجودا ـ وهو موجود فعلا ـ ليس صراع الأجيال أو صراع الشيوخ والشباب.
1ـ حينما قسمت أو أبرزت الأزمة في النقد ـ الثقافة بشكل عام ـ في عنصرين ذاتي وموضوعي ـ حقا هناك فئة ـ ذات مصلحة خاصة ـ تريد أن تظل "المهيمنة" على الساحة، لا يبرز احد دونها إلا إذا سمحت له بذلك واعترف هو بفضلها عليه. هذه الفئة ـ والتي صدقتَ حبنما وصفتَها باللاتاريخيةـ تجهل أو تحاول أن تتجاهل سيرورة الأحداث والواقع، وإني بها ـ من البؤس ـ كذلك الذي يتعب ـ دون أن يكل ـ في محاولة لإخفاء الشمس بواسطة الغربال.
إذن هذا النوع من النقاد ـوهم الأكثرية مع الأسف أو لحسن الحظ، لا أدري ـ لا يمكن أن يؤثروا على مجرى الأحداث الثقافية في بلادنا، لأن عملهم لا يخرج عن انطباعات ودردشات إخوانية مدفوعة الأجر ـ أو الخمر ـ لكن الخطير في الأزمة هو ذلك العنصر الموضوعي المتجسد في "انعدام" شيء يمكن أن نسميه نقدا، أي إبداعا ثانيا للعمل المنقود. هنا المشكل، والمشكل أنه يثير فراغا كبيرا في الساحة الثقافية.
إن هذا النقد المفروض فيه أن يقرأ العمل الإبداعي بطريقة خلاقة، وأن يواكب "التراكم" الأدبي والثقافي بدون نظرة نقص، ودون أن يعتقد الناقد أنه يؤدي "خدمة" لصاحب العمل المنقود ، وهذا بطبيعة الحال دون أن يلغيه.
إذن فوجود الناقد مسبوق بوجود المادة الخام، وهو العمل الأدبي أو الثقافي.
أما الاستناد إلى مقولة أن الأعمال الأدبية "المتراكمة" دون المستوى، فهذا لا يخلو من محاولة القفز على المشكل لشيء في نفس "الناقد".
2ـ قد يبرز من كلامك أنك تحاول التأكيد أن الصراع الموجود حاليا هو صراع بين جيلين مختلفين، إلا أن الواقع ـ وهذا الذي أعرف أنك تدركه جيداـ أن الصراع الموجود في الثقافة المغربية، هو صراع لا يخرج عن الصراع العام الذي نعيش في أتونه، ولا يمكن إلا أن نخوضه، في هذا الجانب وفي ذلك الجانب من الصراع.
فلا بد إذن، من تبسيط فكرة بديهية، حتى ننطلق من أسس واضحة، أن الثقافة هي الصراع على الواجهة الأخرى، إنها الواقع المادي الذي يتجسد فيه صراع الأفكار والنظريات، هذه التي لم تنزل من السماء، بل جاءت من مكب الواقع المعاش، والصراع الملتهب بين طبقاته الاجتماعية.
وهكذا يمكن فهم الستار الحديدي الذي تحاول أن تفرضه أكثر من جهة لها المصلحة لإي أن تظل الأمور راكدة ومتعفنة وعلى كل الأصعدة، لذلك فإني أضع كلمة الشباب بين قوسين، حتى أشير إلى واقع الصراع الذي يخوضه أدبنا المغربي المتمترس في الخندق المتقدم. وطبعا فإن الشباب هم الفئة والشريحة من المجتمع ـ في كل مجتمع ـ التي تتمترس في هذا الخندق المتقدم لتدافع عن الفكر والثقافة الجديدة.
هذا باختصار رأيي، ولكن تبقى ضرورية الإشارة إلى أن المشكل يتسع بدرجة خطيرة حينما ندرك الأمية الثقافيةالسائدة لدى مثقفينا، وأقصد بالمثقفين كل الشرائح المتعلمة من طلبة و أساتذة ومحامين وأطباء الخ...
إن هذه الأمية حقا هو الأخطر ما يعسكر ضد ثقافتنا. إن المثقف حينما لا يقرأ عملا أدبيا ما، إنما يؤكد على حقيقتين هما أنه لا يعترف بهذا الأدب وأنه لا يعنيه هذا الذي يسمونه "أدبا".
قد يقول قائل بأن هذا المشكل راجع إلى هذا "التراكم" الذي لا يحمل أي معنى، وأنه دون المستوى ،وأنه بالتالي أدب "النخبة"، والدليل على ذلك هو الرواج الكبير الذي تعرفه "روايات" محمد شكري، بينما العديد من الروايات والدواوين والكتب تظل على الرفوف لتعود إلى أصحابها وعلى غلافها لفحات الشمس والغبار وآثار تصفحات الأيدي العابثة بها.
فعلا إن العديد و العديد من "الإنتاجات" الأدبية والثقافية تظل دون المستوى المطلوب، وأنها غارقة في بحر من التجريد و التجريب، إلا أن لا يشفع أبد لوجود هذه الأمية الثقافية، ولا يمكن ـ حتما ـ أن يبررها بشكل من الأشكال، وهذا الذي كنت عنيته في رسالتي السابقة. أما ذلك أو "النقد" أو ذلك النقد، فحتما سنتخطى مشاكله سواء الذاتية أو الموضوعية حينما يزداد، ويفرض نفسه هذا الأدب الطلائعي.

تعليقات

تحية عالية اخي السي مصطفى

شائقة وثرية هذه الخطاب، وقد قرات ما جاء فيه منطروحات فكرية عميقةتناولت واقع حال النقد، والوضع الثقافي الذي يسمه الغموض ، وتهيمن عليه كباقي النقود في العالم العربي الاخوانيات.. والولاءات .. والتي تحاول انشاء نوع من الصراع ، صراع بين الاجيال اولا وصراع ايديولوجي تقوده المنابر الحزبيو وصحافتها، والذي كان الشاعر ضحية لها ذون شك
رحم الله الفقيد

وشكرا عميما لك على مشاركتنا هذا التراث الأدبي والإبداعي البديع والاصيل
 
تحية طيبة لك أخي الأستاذ المحترم السي المهدي:
لأول مرة أجلس إلى الصديق القاص المرحوم محمد زفزاف بمقهى موريطانيا بحي الأحباس بالبيضاء ويعد التحية قدمت له نفسي فوجدت الرجل يعرفني وقال لي أنت تدرس في ....وآخر قصيدة نشرت لك في العلم الثقافي وعنوانها...فقلت له كنت أظن أن اسمي لم يمر عليك فقال لي هذه الكلمة التي ما زلت أتذكره بها:"العود اللي كيتحرق كيعطي الريحة"في هذه الجلسة بالضبط سألته عن اتحاد كتاب المغرب وقلت له :لماذا لا ينتبه إلينا الكتاب الكبار ويقدمون لنا يد الرعاية؟فقال لي: من الأحسن أن لا ينتبهوا إليكم .إنني أعرفهم جيدا لن ينفعوكم.
أدركت حينها أن الاعتماد على النفس هو السبيل الوحيد إلى إثبات الاسم بين الأسماء الأدبية،وأن النقد و المواكبة منه للنصوص إنما هو مشروط بأشياء لا تمت للأدب بصلة ،فهناك الزبونية والشللية المقيتة ودفع ثمن جلسة في بار.وقد نبه إلى هذه الحالة الشاعر أحمد هناوي ذكره الله بكل خير في أحد مؤلفاته حينما تحدث ناقد مشرقي عن الآداب المغربية ولم يتطرق إلا إلى أسماء معينة منها ،فذكره المؤلف بأسماء أخرى منها عبد ربه كان على ذلك الناقد المشرقي أن يتحدث عنها،لأنها تمثل المرحلة الراهنة للأدب المغربي.
جيلنا كان يعاني من شيئين وهما:
ــ ذاتية المشرفين على الصفحات الأدبية و الثقافية وعنجهيتم المضخمة وأستثني هنا جريدتين هما البيان و العلم.
ــ تجاهل النقاد للأدباء الشباب ،وحتى عندما التحق البعض من هؤلاء باتحاد الكتاب.
إن ما جال في رسالة صديقي الشاعر المرحوم عبده بوزوبع كنا نعيشه لحما ودما،وكان لا يشفي غليلنا من هذا الواقع سوى تلك الجلسات المسائية في المقهى وفي اللقاءات الثقافية وسوى حينما نرى مقالا لشخص باسم مستعار يضع النقاط على الحروف أمام كاتب "ضخم"أي كاتب معروف.
محبات مولانا
 
تحية مجددة السي مصطفى..
الرسالة تتمحور حول ظروف النشر واحوال النقد الادبي والنظرة الدونية للادباء الرواد لغيرهم من الشباب.. وهي نظرة يعتريها نوع من الترفع والتباهي.. فالملاحق الحزبية تنشر لادباء معينين. لهذا تعرفنا على اسماء جميلة لاول مرة من خلال منابر عرببة مثل ادريس عيسى. واحمد تسيوسة. ومحمد اهروبا.. ومحمد ابزيكا.. ومحمد الطوبي. رضوان اعيساتن . وان قاصة كبيرة لم تولها الوزارة الوصية اي اهتمام وماتت في صمت ومعاناة، لانها لم تكن تملك سيقانا جميلة كما فالت بكثير من الاسى .. وهذا السلوك لم يقتصر على المغرب فقط فقد ذكر روائي جزائري معروف كيف دعي مرة وهو شاب يضع بالكاد خطواته على طريق الادب لندوة تلفزيونية هو وكاتب اخر ناشىء. كان مدعوا لها ايضا د. عبدالمالك مرتاض فلما دخلا للاستوديو احتج هذا الاخير . وغادر رافضا الجلوس معهما.. اشياء ومشاكل تحدث ولا تزال تهيمن على المشهد النقدي على الخصوص الذي يهتف لمن شاء. ويدير ظهره لمن يشاء
محبات
 
حفظك الله ورعاك أخي الأستاذ المحترم السي المهدي،
أشكرك على العودة مرة أخرى للتعليق و النقاش وأقول:
ذلك الناقد الجزائري شاهدته مرة في برنامج "أمير الشعراء"ولم يعجبني ،حيث كانت ردوده على الشعراء غير مقنعة على الأقل بالنسبة لي وكأنني به يجد نفسه في التأستذ والتعالم.
وأنت أخي العزيز ذكرتني بأسماء أخرى كانت تكتب وتنشر معي في البيان منها شاب اسمه محمد هوبان وكان يكتب الشعر واليزيد النقاش وكان يكتب القصة القصيرة ومحمد العلالي وكان قاصا كذلك ،وأتذكر أن شابا كان المحرر الأدبي يكتفي بالرد على ما كان يرسله من نصوص لعدم نضجها أصبح الآن كاتبا مرموقا وله إصدارات في النقد والدرس الأدبي،في حين كانت نصوصنا تنشر دون زيادة أو نقصان.
إنه الزمن الجميل للكتابة وإن كان يعكرها أحيانا بعض طحالب الأدب وزعانفه المرئية و اللامرئية أيضا.
مودات مولانا.
 
أعلى