محمد محمود غدية - مركب ورق

البحر أضحى كائن يثور ويغضب ويزبد، كل صباح يلقى بمركبه الورقى وسط الموح ويسافر مع محبوبته، إلى بلاد الأحلام والسندباد،
حبيبته هجرت مركبه الورقى، الذى طوحه الموج والإعصار، وركبت مركب به أشرعة وقبطان، صفت به حقائبها، وجواز سفرها إلى مدن وعوالم أخرى،
مازالت الصخرة التى تحمل أسمائهما، تصفعها الأمواج وزبد البحر، كم جرى خلفها وهى تقذفه برزاز الماء، يلحق بها ويتضاحكان،
لا يغادرا البحر حتى تبتل أثوابهما، تتبعه فى كل الأماكن،
يتأمل وجوه المارة، يمشط الطرقات وملاعب الصبا،
طائرته الورقية مازالت عالقة بأسلاك الهاتف، عاندت الرياح ولم تسقط،
كتب لها رسائل حب، إلى الشرقية باإمتياز مجهولة العنوان :
أحبك فى صحوى/ فى أحلامى/ حتى مغرب أيامى
يطلب من البحر الإنكماش، لتقترب المسافات لتصبح شطآنه لصق شطآنها، لكن البحر مهموم بشواغل وعوالم أخرى، فوق مستوى مدركاتنا، ألقى بنفسه فوق مقعد متهالك فى مقهى قديم، تخفف من رواده، دفع بفنجان قهوته الثالث، فى حلقة دون تلذذ، يتابع دوائر الدخان المتخلفة عن سجائر رواد المقهى، وهى تصنع أشكالا وصور تبعث على الدهشة، فى دمه شوق ووجع يتمدد فى الأحداق، يطلق أحلامه الملونة، فراشات تسافر فى كل الدنيا،
قاربه الورقى الذى يطوحه الموج، لايعرف مرسى غير عيون حبيبته،
قلبه الذى أصابه العطب، مازال ينبض، يرفض التوقف حتى يلقاها .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى