عباس محمود العقاد - أين في المحفل مي يا صحاب (في رثاء مي زيادة)

أَيْنَ فِي المَحْفِلِ «مَيٌّ» يَا صِحَابْ ؟
عَوَّدَتْنَا هَا هـُنَا فـَصْـلَ الخِطابْ
عَرْشُـهَا المِنْبَرُ مَرْفـُوعُ الجَنَابْ
مُسْـتَجِيبٌ حِيْنَ يُدْعَى مُسْتَجَابْ
أَيْنَ فِي المَحْفِلِ «مَيٌّ» يَا صِحَابْ ؟

***
سائلوا النخبة من رهط الندىْ
أين مي؟ هل علمتم أين مي؟
الحديث الحلو واللحن الشجيْ
والجبين الحر والوجه السنىْ
أين ولى كوكباه؟ أين غاب؟

***
أسف الفن على تلك الفنون
حصدتها، وهي خضراء، السنون
كل ما ضمته منهن المنون
غصص ما هان منها لا يهون
وجراحات، ويأس، وعذاب

***
شيم غرٌّ رضيات عِذاب
وحِجى ينفذ بالرأي الصواب
وذكاء ألمعي كالشهاب
وجمال قُدُسي لا يعاب
كل هذا في التراب! آه من هذا التراب!

***
كل هذا خالد في صفحات
عطرات في رباها مثمرات
إن ذوت في الروض أوراق النبات
رفرفت أوراقها مزدهرات
وقطفنا من جناها المستطاب

***
من جناها كل حسن نشتهيه
متعة الألباب والأرواح فيه
سائغ مِيز من كل شبيه
لم يزل يحسبه من يجتنيه
مفرد المنبت معزول السحاب
الأقاليم التي تنميه شتى
كل نبت يانع ينجب نبتا
من لغات طوقت في الأرض حتى
لم تدع في الشرق أو في الغرب سَمتا
وحواها كلها اللب العُجاب

***
يا لذاك اللب من ثروة خصب
نير يقبس من حس وقلب
بين مرعى من ذوي اللباب رحب
وغني فيه وجودٍ مستحب
كلما جاد ازدهى حسنا وطاب

***
طلعه الناضد من شعر ونثر
كرحيق النحل في مطلع فجر
قابل النور على شاطئ نهر
فله في العين سحر أي سحر
وصدى في كل نفس وجواب

***
حي «ميا» إن من شيع ميا
منصفًا حيًا اللسان العربيا
وجزى حواء حقًا سرمديا
وجزي ميا جزاء أريحيا
للذي أسدت إلى أم الكتاب

***
للذي أسدت إلى الفصحى احتسابا
والذي صاغته طبعًا واكتسابا
والذي خالته في الدنيا سرابا
والذي لاقت مصابا فمصابا
من خطوب قاسيات وصعاب

***
أتراها بعد فقد الأبوينِ
سلمت في الدهر من شجو وبين
وأسى يظلمها ظلم الحسين
ينطوي في الصمت عن سمع وعين
ويذيب القلب كالشمع المذاب

***
أتراها بعد صمت وإباء
سلمت من حسد أو من غباء
ووداد كل ما فيه رياء
وعداء كل ما فيه افتراء
وسكون كل ما فيه اضطراب

***
رحمة الله على «مي» خصالا
رحمة الله على «مي» فعالا
رحمة الله على «مي» جمالا
رحمة الله على «مي» سجالا
كلما سُجل في الطرس كتاب

***
تلكم الطلعة ما زلت أراها
غضة تنشر ألوان حلاها
بين آراء أضاءت في سناها
وفروع تنهادى في دجاها
ثم شاب الفرع والأصل، وغاب

***
غاب والزهرة تؤتي الثمرات
ثمرات من تجاريب الحياة
خير ما يؤتي حصاد السنوات
بعثرتهن الرياح العاصفات
ورمتهن ترابًا في خراب

***
ردَّ ما عندك يا هذا التراب
كل لب عبقري أو شباب
في طواياك اغتصاب وانتهاب
خلقًا للشمس أو شم القباب
خلقا لا لانزواء واحتجاب

***
ويك! ما أنت برادٍّ ما لديك
أضيع الآمال ما ضاع عليك
مجد «مي» غير موكول إليك
مجد «مي» خالص من قبضتيك
أعلى