عبدالستار سليم - فنون الشعر

(٤)
يقول د.مصطفي عوض الكريم في كتابه "فن التوشيح": التوشيح لون من ألوان النظم، ظهر أول ماظهر في الأندلس، في عهد الدولة المروانية في القرن التاسع الميلادي، ويختلف عن غيره من ألوان النظم بالتزامه قواعد معينة، من حيث التقفية، وبخروجه أحيانا علي الأعاريض الخليلية، وبخلوه أحيانا أخري من الوزن الشعري، وباستعماله اللغة الدارجة والعجمية في بعض أجزائه، وباتصاله الوثيق بالغناء..
والموشحة تختلف عن المسمطة (المعجم الوسيط يقول إن المسمط من القصائد مايؤتي فيه بأشطار مقفاة بقافية، ثم يؤتي بعدها بشطر مقفي بقافية مخالفة.. ويستمر علي هذا النهج مع التزام القافية المخالفة في القصيدة حتي تنتهي). والمسمطات نشأت قديما في المشرق العربي، في حين أن الموشحات نشأت في الأندلس نتيجة للتأثر بشعراء "التروبادور" في جنوب فرنسا المجاورة للأندلس، فالتشابه في البناء كبير، وظهور الموشحات رافق ظهور شعراء التروبادور في مطلع القرن الثاني عشر الميلادي، وتعد مصادر دراسة الموشح ضئيلة جداً بالمقارنة بما هو متاح للشعر من مصادر عربية بصفة عامة، والسبب في ذلك هو الموقف المتعالي للمؤلفين الأول الذين اعتبروا الموشح جنسا شعريا نصف شعبي غير جدير بأن تضمه مختاراتهم أو ترجماتهم أو مؤلفاتهم التاريخية.
>>
ومع تطور الموسيقي العربية نتيجة تأثرها بالموسيقي الفارسية والرومية هذا أدي- في الغناء- إلي وقفات متتالية علي مسافات قصيرة، أدت إلي تجزئة البيت، والتجزئة تعني وقفات طويلة نسبيا -أي القوافي- ومن هنا نشأ نظام تعدد القوافي، إذن هي ضرورة موسيقية، والقوافي تتطلب التزاوج حتي تحمل هذه الصفة.
ولامانع من أن نقول إن الموشح جنس أدبي "شعبي" بكل معني الكلمة، وليس هناك من شك في أن شكل الموشح قد تأثر بالشعر الشعبي، ولاشك ايضا ان الموشح في الفترة التي شهدت ظهوره وتطوره- وهي الفترة التي تسبق عصر النصوص الباقية في أيدينا- قد كان أكثر شعبية في مضمونه. بيد انه لم يتبق من تلك الروح شيء في النصوص المعروفة لدينا.
وقواعد الموشحات مختلفة معقدة، حتي أنه لم يستطع أحد من المتأخرين تقليدها، أو أنهم زهدوا فيها، ووجدوا أن الشعر العربي الأصيل أولي أن يتبع، وأيسر وأجمل وأصدق أصالة، وتبقي الموشحات تقليدا لاتجديد فيه.. ولعل "ابن سناء الملك" المصري المولود بالقاهرة (550-608) هو أول من وضع قواعد الموشحات أو استنتجها، في كتابه "دار الطراز" وقد ادخل ابن سناء الملك الموشحات إلي الشرق، واعترف هو نفسه بعجزه عن مجاراة الأندلسيين.
ويعرف ابن سناء الملك الموشح فيقول: كلام منظوم علي وزن مخصوص (علي الرغم من ان كثيرا من الموشحات لاتختلف في وزنها عن القصائد التقليدية وليس لها وزن خاص بها) ويقول ابن سناء الملك إن الموشح يتألف في الأكثر من ستة أقفال (القفل هو شطرتان) وخمسة أبيات (البيت بالمفهوم الجديد هو ثلاث شطرات لها نفس الوزن والقافية) وهذا هو الموشح التام، وفي الأقل من خمسة أقفال وخمسة أبيات ويقال له الأقرع، فالتام ما ابتدي فيه بالأقفال، والأقرع ما ابتدئ فيه بالأبيات.. وسمي بالموشح تشبيها له بوشاح المرأة المرصع باللؤلؤ والجوهر لكثرة ما فيه من الصنعة والترصيع والتزيين - كما يقول د.أحمد هيكل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى