محمد محمود غدية - موت رجل مهم

حالة من الطوارىء غير العادية، تنشط لحظة وصول الرجل المهم، الى المبنى الفخم، يفتح باب السيارة، الحارس الخاص الذى قفز من السيارة، مثل لاعب سيرك بل أمهر، الجميع فى هرولة لإستقباله وتحيته، يجيب عنها باإيماءة خفيفة من رأسه، حتى يختفى عن الأنظار، ويغوص فى كرسى مكتبه الوثير، يرشف فنجان قهوته بااستمتاع، أثناء قراءته قصاصات الصحف والمجلات، المعنية باأخبار سيادته،
المصففة فى دوسيه أنيق، أعدته العلاقات العامة، بعدها تحول له السكرتيرة بعض المكالمات الهاتفية الهامة على مكتبه، بالإضافة للمراسلات الكتابية المهمة والعاجلة،
السكرتيرة ثلاثينية جميلة جدا، وجهها فى نضارة الصبح، لو رآها مريض السكر لمات على الفور، عطرها يسبقها وينتشر، فى المكان، وهو من النوع الفرنسى الفاخر، الذى جلبه معه المسئول الكبير، من إحدى جولاته فى الخارج، بالإضافة الى هدايا أخرى، تقرأ أفكاره بسلاسة مدهشة، وتصغى إليه باإهتمام شديد، تمتص قلقه وتوتره من بين إبتسامتها التى لا تغيب،
إزداد قلق المسئول الكبير فى الفترة الأخيرة، حين إقترب خروجه على المعاش، وخلعه لثوب الفخامة والأبهة، مما جعله يثور فى وجوه كل الناس دون سبب، إمتد غضبه للزوجة والأولاد، غير مرحب، بعيش بعيدا عن فلاشات التصوير ومتابعة الصحف والإعلام، غير مصدق أطنان المديح التى ستذهب لغيره، والإنحناءات التى كان فى بعضها إنكفاء، يتسلى بتأمل الأشياء والموجودات والناس،
وسجادة مكتبه الفاخرة إيرانية الصنع، وأثاث مكتبه الفرنسى، سيصبح ذكرى باهتة لاأهمية له، يذهب الى بساتين التعب وحقول المواجع،
مازال البن يغلى فى القدح الخامس فوق مكتبه، رأسه أصبحت شبكة واسعة الثقوب لا تمسك شيئا، يتدرب على تجرع الملل والضجر، ينتظره صقيع الشتاءات،
تجمعت بداخله دموع تستعصى على النزول كغيمة مثقلة، سيارته الخاصة فى رحلتها الأخيرة الى منزله، هواتفه أصابها الخرس، يداهمه إعصار وصراخ مروع، فيدفنه فى محبسه بصدره، ويرتدى حلل الشموخ والترفع، حاول النهوض من فراشه، ليمشى فى اللامكان، فضاقت به الأرض،
وجدوه ممددا بلا حراك، تعلوا وجهه إبتسامة باهتة، وسط السكون الضاغط .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى