محمد محمود غدية - حين يتبدد الحلم

عيادة الطبيب النفسي مزدحمة بالمرضى، يجلس جوارها شاب أربعينى ، حلو المحيا أنيق الملبس ، تختفي عيناه خلف عدسات زجاجية ، إستشعرت نظراته الجوعى لها ، فى منتصف العقد الثالث ،تحتفظ بقوام جميل ، وجسد رشيق ، ومسحة من جمال هادئ ، ولأنها إعتادت قطع الوقت بالقراءة ، فقد وضعت الرواية و الحقيبة على المنضدة التى تفصلها عن الأربعينى،
هجرها الفرح بعد رحيل زوجها ، إثر وعكة صحية ألمت به ، عانقتها الوحدة و الوحشة،
نظرات الأربعينى ، تخفي إرثا ثقيلاً من الهموم و الأشواق المفتقدة والسعادة الهاربة ، المنزلقة من الأصابع ، كنثار الرمل ، تلك الأصابع العارية من خاتم الزواج و التى تعلن عن وحدته،
حاولت أن تتفادى نظراته ، لكنها لم تفلح،
يا للجرأة والوقاحة ، إنه يقرأ فى الرواية التى أخذها من فوق حقيبتها دون إستئذان ، يعتدل ويرخى نظارته ، لتتوافق مع حدقة عينيه أثناء القراءة ، معتدلاً في كرسيه ، واضعاً إحدى ساقيه فوق الأخرى إستعدادا لقراءة مريحة،
كيف لم يستأذنها فى قراءة الرواية ؟ قد يفتح حوارا معها عن الرواية ، ترغبه وتشجعه لو فعل ، لكنه لم يفعل ..!!
مستغرق فى القراءة ، دون النظر إليها وكأنها غير موجودة ، أرادت أخذ الرواية منه عنوة ، لكنها تراجعت ،
لا تركها تقرأ الرواية ، ولا حتى كلمها ، فقط تبادلا إبتسامات مقتضبة
- أشارت لها الممرضة ، بأنه حان دورها فى الكشف، تعمدت الإصطدام به وإسقاط حقيبتها معتذرة ، مع إبتسامة هذه المرة واسعة، تقول الكثير الذى لم يصله بعد، ناولها الحقيبة دون أن يعطيها روايتها ،
ربما إحتجزها حتى تنهى الكشف وتكون سببا فى حوار متصل سعت إليه، لو فعلها، ستهديه الرواية بعد عتاب يعقبه إئتلاف،
- فى حجرة الطبيب ، وبعد الكشف، أخذت روشتة العلاج، وفتحت حقيبتها لتضع الروشتة ، لتفاجئ بروايتها، التى لم تغادر الحقيبة، بين دوامات من الخجل لا تنتهى، وحلم تبدد .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى