السيد فرج الشقوير - لا أعتقد في موت الرّئَآت

الحِصَانَ الّذي صَادَفْتُهُ مَيّتَاً بالْأمْس
يَقِينَاً... كَانَ شَاعِرَاً..
كَانَ مُرْتَدِياً احدَى بَرَاقِعَ الحَيَاءِ..
يَسْتُرُ بِهِ آخِرَ آهٍ مَاتَتْ مَائِلَة...
كَبَاكُورَةِ خَطٍّ بِكْرٍ يتَدَحرَجُ مِنْ كُرّاسِ عِيالٍ مُبْتدِئينَ
وَ ك الّمَاضِينَ عَن الحَيَاةِ بِعَبَاءآتِهم...
فِي أيّامٍ نَحِسَاتٍ....
تَرفَعُ الأفْراسُ فِيها أذْيَالهَا في ابْتِذَال
وَيظهرُ أيضَاً واللّهُ أعلَم...
أنّ صَاحِبَهُ يُجيدُ مُعَاملةَ الشُّعرَاء...
حِينَ ألبسَ رَأسَهُ قُبَّعَةً منْ شكَائِرِ العَلِيقِ الوَفِيرَة
و حينَ أوْسَدَهُ القَارعَة...
كانَ يُدْرِكُ رغبَةً مِنْ جَمُوحٍ ..
في أنْ يَنَامَ علَى نَاصِيَةِ الرّيح كَرغْبَةٍ بَدِيلَة
فبقلْبِ حِصَانٍ شَاعِرٍ.....
حدّثَتْهُ العَمَائِرُ بنَفَادِ الصّفّ الأوّل رغمَ استِطالَة البَحْر
فاحتَاطَ لنَفسِهِ في دَفتَرِ الرّغَباتِ بِفضل أمْنِيّة
الشَاعرُ حتّى لوْ كَانَ حصَانَاً ميْتَاً بِمَزَاجِهِ..
أوْ مَيِّتَاً برَصَاصِ الأمْنِ العَام..
حينَ يَأبَي الرّقَصَ فِي المأتَمِ الجَمَاعِيِّ للّذِينَ تَحرّشُوا بالأَعِنَّةِ
و حِينَ...
يَرفُضُ السُّكَّرَ في أفرَاحِ المُتَاجِرينَ بالأفيُون..
هُو ذلكَ المَيّتُ الحَيّ...
مَنْ يَغَارُ عَلى جُثمَانِهِ المُخْتَال....
كَشَامِةٍ في صَدْغِ البَحر المَيّت
يَأنَفُ أن تَنْهَشَهُ الكِلَابُ...
كَكُلِ الخَيْلِ الّتِي لا تَتَنَاوَلُ الشّعرَ عَلَى مَائِدَةِ الإفطٌارِ...
أوْ تتَعَطَاهُ سَعُوطَاً فِي زَوَابِعِ الخَمَاسِين (١)
وكأنّ اللَّهَ يَسُوقُ إليهِ الذُّكْرَانَ مِنَ الطّيرِ..
لِتَأكلَ مِن رَأسِهِ أهَازِيجَاً كَقَدُّكَ المَيّاد...
وأغَانٍ كَ ( هَاتْ قَلْبِي و رُوح.. رووووح)
تَستَمِيلُ بهَا إنَاثَهَا في أوَانِ التّزَاوُج
فَتُزْهِرُ مُوسِيقَى الجَازُ في حوَاصِلِهَا فَوْرَاً
فالطّيرُ تعرِفُ سِيرَتَهُ الأَولَى..
تَعرِفُ كَيفُ تُوَفِّيهِ حِسَابَهُ كأطْيّارٍ ذَوّاقَةٍ...
تُتقِنُ الهُرُشَ لحِصَانٍ شَاعِرٍ ظَهْرَهُ..
ومنَ النّقطَةِ الّتِي تَأكُلُهُ تَحدِيدَاً
وكَيفَ من مَنحَرِهِ تُقَطِّعُ النّثَرَ منْ مِفَاصِلِهِ...
وتُفَرِّقُهُ مَنَابَاتٍ بَينهَا بالقِسْطَاسِ المُستَقِيم
وتَحُوشُ للطّيرِ المُعَاقَةِ مِنْ حُرُوبِهَا الأهْليّةِ....
أنْصِبَةً مِنْ حشرجَاتِ الأرَاغِيلِ النَازِفَة
وللّتِي في دُورِ العَجَزَةِ...
أوْقِيَةً مِنْ بُكَاءِ الكَمَان ...
فَتَشتَعِلُ المُوسيقَى فِي النّواحِي السَّاكِتَة
وَحدَهَا الطّيرُ....
تتذّكّرُ خَرائِطُهَا الجَويّةُ جُغرَافيَا رِئتَيْة..
وأنّها فِيهِمَا حَلّقَتْ..
ذَاتَ سَمّ خِيَاطٍ جَريءٍ...
كَمأوَى بَدِيلَ فَضَاءآتٍ أوثقتهَا (الكَارتة)..
وغَرَاماتِ التّحْلِيق
قتَقتَاتُهُ في احْتِرَازِ الخَائفِينَ أنْ يُحدِثُوا خَدْشَاً بالقَرِيحَةِ
أوْ بالقَصَائِدِ الّتِي قَالَهَا أرَاجِيزَاً منْ عَنْدَمٍ.. (٢)
ومِنْ فَشَلٍ فِي كُلَى النّهرِ
ومِنْ سُعَالِ المَرَافِق..
كسفِيراتٍ تُسَوّقْنَ أترَاحَ المَنْدَرِين....
وشِكَايَةَ الرِّيحُ عُصْعُصَهَا المُلتَهِب
الأرَاجِِيزَ الّتِي فَهِِمَتْ مِنْهَا الدّوَاجِنُ
أنّ الخيلَ الشّوَاعِرَ....
لا يَغرُرْهَا أوّلُ أكسِيدِ البَرسِيم
ولاَ ثَانِيَ أكْسِيدِ الأعْلَاف
ولا عَاشِرَ مَنجَنِيز الأفوَال المَدشُوشَة
و أنّ الحَمِيرَ و البِغَالَ....
لا لِتَركَبُوهَا وفَقَط
مِنْهَا كالحَيِّ المُلْقَى تَحرَنُّ منْ غَبِيطٍ.. (٣)
و يَعتَرِيهَا قُرحَةُ الفِرَاشِ لَوْ لمَحَتْ سَرْجَا
فتمُوتُ اختِيَارَاً..
حِينَ نحرِمُهَا منْ سَاعةِ الرّمحِ الّتي تَعتَقِلُ الخُيُولَ
ومِنْ سَاعَةٍ تَذهبُ فيَها بِمَلْكِهَا للهَجْنِ..(٤)
بلا مِهْمَازٍ...
وَ بِلَا جُنُوبٍ أعيَاهَا الرّفسُ
الجِنُّ لا تَأخُذُ فَرَسَاً للمَدَى....
الأفَرَاسُ أحكَمُ منْ احتيَالَاتِ الجِنِّ الأخَضَر
ومِنْ عَزِيفِ العَفَاريتِ اللّذِيذِ القَشعَرِيرَة(ه)
إنّمَا تأخذُهُ نَحْلَةٌ في يَدِهَا...
بحْثَاً عنْ جُورِيّةٍ تَعْرَقُ اللّابِيدُوسَ...
وتَلّمُّ حَوْلَهَا أنُوفَ الزِّيبْرَا.. (٦)
ومَنَاخِيرَ الجُحُوشِ التّي تَرْدِي في فَرحٍ ظَاهِر (٧)
وعنّ زهْرَةِ لافَندَرٍ ثِرثَارَةٍ...
فِ عَبِيطِ المَدَى تُلْقِي مواعِظَها علَى عِنَبِ الذِّئْبِ(٨)
و تُلَقّنُ الجَرجُيرَ البَرِّيَّ حُجّتَه
تَمُوتُ علَى مَسمَعٍ منْ شعِير الزَّرَائِبِ....
حينَ يَخُونُهَا الصّهِيلُ...
وَ تَبْقَى ضجِيجَاً قَعِيدَاً فِي البَعِيدِ الصّلْصَلَةُ
تَأنفُ أنْ تَعْرَى حِينَ تمُوتُ...
أوْ أنْ تَنفُخُهَا الكِيمْيَاءُ
لا تكشِفَ عنْ حَشَفٍ يَعرَقُ جَبِينَهُ...
ولا يُمكِنُ أنْ تَبِيضَ عَلَيْهِ بِكْتِيرْيَا الخُبْز أمَامَ النّاظِرَة
أعْرِفُ الآنَ لِمَ السَنَابِكُ تَعشَقُ الفِيزيَاءَ
وكيفَ تَزَلّفَ قانُونُ الاحِتِكَاك للحَوَافِر..
فأهْدَاهَا مُضطَّرّاً سِرَّ الطّفْوِ...
لِتَخْتَارَ بِنفسِهَا مَرقَدَاً تَرتَضِيهِ
فالمَدَقّاتُ أيضَاً باتَت تخَشَى الوَطْء..
ثَكلَى منْذُ مَاتَتْ صِغَارَهَا مَدْعُوسَةً
عَلّمتهَا كيفَ تنجَحُ في العَومِ..
وتُخرِجُ للمِسَاحاتِ لِسَانَها
الحصَانَ الّذي صَادَفْتُهُ مَيّتَاً بالْأمْس
أهدَتهُ الجُيُولُوجيا كَفَنَاً منْ أزهَار الشّوكِ
وطَابِيَةً منَ القُرطُمِ...
وناصِيَةً في مَطْلِعِ الحَرْثِ
تَاكُلُ مِنهُ البُزَاةُ أحلَى القَصَائِدَ...(٩)
وَ أهْدَتْ لمِثلِي مَزَارَاً حِينَ يُقَرِّرُ النّحِيب.
....................................................
السيّد فرج الشقوير
هامش
......
١/ السعوط... ما يستنشقُ به لإثارة العطاس
٢/ العندم..... الدم
٣/الغبيط... ما يوضع فوق الحمار للحمل
٤/المَلْك.... الإرادة / المِزاج/الاختيار وغيرها
٥/عزيف... صوت الجِنّ
٦/الزيبرا.... طير غاية في الصغر لها صوت كالزقزقة
٧/تَردي... الرّديان هو سعي الحمار بين مرعاه ومربطه
٨/عبيط...العبيط من الأرض الممتد الواسع
٩/البزاة... جمع بازي وهو من الطيور الجارحة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى