عُقد مجلس شعر ضمّ صريع الغواني مسلم بن الوليد، وأبا نُواس الحسن بن هانئ، ودِعْبِل الخزاعي، وأبا الشّيص محمد ابن علي الخزاعي، فقال مسلم: لِيُنْشِدْ كلّ واحد منكم أجودَ ما قالَه من الشعر. فقالوا له: تفضل يا ابا الوليد، أنشدنا أجودَ ما قلت من الشعرِ. فاندفع مسلمٌ يقول:
هلِ العيشُ الا أن تروحَ مع الصِّبا
وتغدو صريعَ الكَأسِ والأعيُنِ النُّجْلِ
وبهذا البيت لُقب بصريع الغواني. لقبَّه به الرشيد الخليفة.
فقال أبو نواس: من أين لنا مثلُ هذا القول ؟!
ثم اقبل على دِعبلٍ وقال له: وأنت يا أبا عليّ أنشدنا من جواهر شعرك. فأقبلَ يقول:
أينَ الشبابُ وايَّةً سََلَكا
لا أينَ يُطْلَبُ ضَلَّ بلْ هَلَكا
لا تعجَبي يا سَلْمَ من رجل،ٍ
ضَحِكَ المشيبُ برأْسِِهِ فَبَكَى
سَلْمَ: ترخيم سلمَى وهو للتحبب.
فعجب ابو نواس بهذا القول. وخشي أن يغلب في هذا المجلس. ثم التفت الى ابي الشِّيص قائلاً له: أدْلِ بدلوك حان دورك. فرقال ابو الشِّيص:
وقفَ الهوَى حيثُ أنتِ فليس لي
مُتَأَخَّرٌٌ عنه ولا مُتَقَدَّمُ
أَجِدُ الملامَةَ في هواكِ لذيذةً
حُبًّا لذكْرِكِ فَلْيَلُمْني اللُّوَمُ
أشْبَهْتِ اعْدائي فصرتُ أُحِبُّهم
أذْ كانَ حظِّي منكِ حظِّي منهمُ
وأهَنْتِني فأَهَنْتُ نفسي عامِدًا
ما مَنْ يهونُ عليكِ ممَّنْ أُكْرِمُ
فصاح أبو نواس قائلًاً: ماذا أبقيتم لي؟ فأجابه أبو الوليد صربع الغواني: يا سيدَنا اغرف من البحر. يعني شعره. فأنشد أبو نواس:
لا تَبْك ليلى ولا تَطْرَبْ الى هِنْدِ
واشْرَبْ على الوَرْدِ من حمراءَ كالوردِ
كَأسًا اذا انحدرتْ في حَلْقِ شارِبِها
ا أرَتْكَ حُمْرَتَها في العينِ والخَدِّ
فالخَمْرُ ياقوتَةٌ والكأْسُ لُؤْلُؤَةٌ
من كَفِّ جارِيَةٍ مَمْشوقَةِ القَدِّ
تسْقيِكَ مِن عَيْنِها خَمْرًا ومِنْ يَدِها
راحًا، فما لَكَ مِن سُكْرَيْنِ مِن بُدِّ
لي نَشْوَتانِ ولِلنَّدْمانِ واحِدَةٌ
شَيءٌ خُصِصْتُ به مِن بينهم وَحْدِي
فقاموا فسجدوا اليه. فقال لهم: افَعَلْتُموها؟!
وقول ابي نواس: لا تبك ليلى ولا تطرب الى هند، هذا من شعوبيته، اذ اعتبر الوقوفَ على الأطلال وبكاءَ الديار، وذكرَ عروسِ الشاعر شيئًا من التخلّف. وفضّل على ذلك ذكرَ الخمرَ والوقوفَ عليها في مطلع قصائده.
وهذه القصّة والأبيات دلالة الى ما وصله الشعرُ العربي من العذوبة والرقّة والفنّ الرفيع في عصر ابي نواس وهؤلاء الشعراء، قبل أن يصبح نظما وصناعة وأداةً للتكسُّب.
المراجع:
1. مختارات ارن الطويل الشعرية بتحقيقنا. انظر فهرسي الاعلام والقوافي.
2. الاغاني بتصرّف.16: 320.
3. ديوان أبي نواس، تحقيق المستشرق فاغنر 3: 1:٦. النشرات الأسلامية.
هلِ العيشُ الا أن تروحَ مع الصِّبا
وتغدو صريعَ الكَأسِ والأعيُنِ النُّجْلِ
وبهذا البيت لُقب بصريع الغواني. لقبَّه به الرشيد الخليفة.
فقال أبو نواس: من أين لنا مثلُ هذا القول ؟!
ثم اقبل على دِعبلٍ وقال له: وأنت يا أبا عليّ أنشدنا من جواهر شعرك. فأقبلَ يقول:
أينَ الشبابُ وايَّةً سََلَكا
لا أينَ يُطْلَبُ ضَلَّ بلْ هَلَكا
لا تعجَبي يا سَلْمَ من رجل،ٍ
ضَحِكَ المشيبُ برأْسِِهِ فَبَكَى
سَلْمَ: ترخيم سلمَى وهو للتحبب.
فعجب ابو نواس بهذا القول. وخشي أن يغلب في هذا المجلس. ثم التفت الى ابي الشِّيص قائلاً له: أدْلِ بدلوك حان دورك. فرقال ابو الشِّيص:
وقفَ الهوَى حيثُ أنتِ فليس لي
مُتَأَخَّرٌٌ عنه ولا مُتَقَدَّمُ
أَجِدُ الملامَةَ في هواكِ لذيذةً
حُبًّا لذكْرِكِ فَلْيَلُمْني اللُّوَمُ
أشْبَهْتِ اعْدائي فصرتُ أُحِبُّهم
أذْ كانَ حظِّي منكِ حظِّي منهمُ
وأهَنْتِني فأَهَنْتُ نفسي عامِدًا
ما مَنْ يهونُ عليكِ ممَّنْ أُكْرِمُ
فصاح أبو نواس قائلًاً: ماذا أبقيتم لي؟ فأجابه أبو الوليد صربع الغواني: يا سيدَنا اغرف من البحر. يعني شعره. فأنشد أبو نواس:
لا تَبْك ليلى ولا تَطْرَبْ الى هِنْدِ
واشْرَبْ على الوَرْدِ من حمراءَ كالوردِ
كَأسًا اذا انحدرتْ في حَلْقِ شارِبِها
ا أرَتْكَ حُمْرَتَها في العينِ والخَدِّ
فالخَمْرُ ياقوتَةٌ والكأْسُ لُؤْلُؤَةٌ
من كَفِّ جارِيَةٍ مَمْشوقَةِ القَدِّ
تسْقيِكَ مِن عَيْنِها خَمْرًا ومِنْ يَدِها
راحًا، فما لَكَ مِن سُكْرَيْنِ مِن بُدِّ
لي نَشْوَتانِ ولِلنَّدْمانِ واحِدَةٌ
شَيءٌ خُصِصْتُ به مِن بينهم وَحْدِي
فقاموا فسجدوا اليه. فقال لهم: افَعَلْتُموها؟!
وقول ابي نواس: لا تبك ليلى ولا تطرب الى هند، هذا من شعوبيته، اذ اعتبر الوقوفَ على الأطلال وبكاءَ الديار، وذكرَ عروسِ الشاعر شيئًا من التخلّف. وفضّل على ذلك ذكرَ الخمرَ والوقوفَ عليها في مطلع قصائده.
وهذه القصّة والأبيات دلالة الى ما وصله الشعرُ العربي من العذوبة والرقّة والفنّ الرفيع في عصر ابي نواس وهؤلاء الشعراء، قبل أن يصبح نظما وصناعة وأداةً للتكسُّب.
المراجع:
1. مختارات ارن الطويل الشعرية بتحقيقنا. انظر فهرسي الاعلام والقوافي.
2. الاغاني بتصرّف.16: 320.
3. ديوان أبي نواس، تحقيق المستشرق فاغنر 3: 1:٦. النشرات الأسلامية.