بدور عبدالمنعم عبداللطيف - خطبة الرئيس!

خطبة الرئيس !
بدور عبد المنعم عبد اللطيف نشر في حريات يوم 06 - 11 - 2017

من بين الأنفاق والمجاري قد جاء.. إلى قلب المدينة تخبطت به خطواته.. قدماه الحافيتان قد إكتسبتا حصانة ضد الرمضاء.. والحصى.. وما تناثر على الأرض من موادٍ حادة، فما عاد يحس بالألم..في يده اليمنى تسكن قطعة رغيف مستديرة كان قد إختلسها من صينية الخبز مستغلاً فرصة إنشغال صاحب الفرن بتلبية طلبات الزبائن.
واصل الصبي ذو الأعوام التسعة السير، عندما لمحت عيناه "المُعمّشتان" جمعاً كثيفاً من البشر..دفعه الفضول والفراغ إلى هناك.. إخترق الكتل "اللحمية "بصعوبةٍ تمزق على إثرها كتف جلبابه الأيمن وقد فعل به الزمن أفاعيله.
الرئيس يقف فوق المنصة.. الجموع المُحْتشِدة والمُحْتشَدة تهلل..وتكبر..وتصفق. "يا جماعة بلدنا دى مليانة خير وخير كتير..ما في بلد في العالم فيها أراضى زراعية وخصبة زي بلدنا دي.. أقول ليكم بكرة – ومش بعد بكرة – البلد دي حتكون سلة غذاء العالم بحق وحقيق.. مافي مواطن تاني ببيت جيعان .. ما في مواطن تانى ببيت في الشارع. (تصفيق.. تهليل.. تكبير).
دلوقت التنقيب عن الدهب جاري على قدم وساق .. بخصوص البترول إن شاء الله بحلول العام القادم حنحقق الاكتفاء الذاتي من كافة المواد البترولية (تصفيق.. تهليل.. تكبير)
تاني مافي كهرباء بتنْقطِع .. ولا موية بتنْعدِم.. ولا مصانع بتقيف.. ولا مواطن بفضل عاطل. العلاج مجاناً للفئات الفقيرة.. وبأسعار رمزية للقادرين.. ما في مستشفيات خاصة.. مستشفياتنا الحكومية ما حتقل كفاءتها عن مستشفى "مايو كلينك" الأمريكي. في كل شارع..وفي كل زاوية حتكون في مراكز "لغسيل الكلى"
التعليم..التعليم يا جماعة مجاناً من مرحلة الأساس لحدي الجامعة. وبمناسبة الجامعة، جامعاتنا إن شاء الله تنافس جامعات "هارفارد".. "أوكسفورد".. و"السوربون".
تجويد اللغة العربية في المدارس والجامعات حيكون هدفنا الأول عشان على الأقل "سيبويه" يرتاح في قبره. أما اللغة الإنجليزية -هاجسنا الأكبر- أوعدكم من الليلة دي أولادنا إخلوا "شكسبير" يستحي من ضحالة رواياته وركاكة أسلوبها.
أما البيتزا..والهامبرجر..والهوت دوغ.. (ضاحكاً) ما ببالغ وأقول ليكم المطاعم بتوزعها مجاناً لكن أقدر أقول ليكم ما غالية.
تتصاعد أبْخِرة "السيلسيون" عبر تلافيف مُخّه.. تختنق أنفاسه مع الزحام.. الشُعَب الهوائية داخل صدره الهيكلي تصدر ذلك الصفير الذي تزداد وطأته مع هطول الأمطار ورطوبة الجو.. ينزع نفسه من بين كتل الأجساد ويقذف بجسده في الخارج..يزداد تصاعد أبخرة السيلسيون عبر تلافيف مخه.
العالم جميل وعدسة نظارته ذات الإطار الذهبي تزيده ألقاً وجمالاً.. ينظر إلى قدميه وقد توسدتا حذاءً جلدياً لامعاً.. يبتسم في سعادة.. يخرج من جيب قميصه الأزرق الكاروهات، "بخاخة الأزمة"..يأخذ نفساً عميقاً يختفي على إثره ذلك الصفير الذي ينغص عليه نومه.. شفتاه تتلمظان بقايا آيسكريم "باسكن روبنز".. ترتفع حمى أبخرة "السيلسيون"..
يمسك بقرص الرغيف.. يقذف به عالياً فيدور مثل طبقٍ طائر في سماء المدينة..يُطوّح بذراعيه في الهواء ثم يطلق ضحكةً رعناء فيغرق المارة.. وأصحاب المحال التجارية و.. الرئيس في بحار الدهشة!
السيلسيون: مادة بتروكيمائية تسبب حالة تخديرية للمُستنشِق وتدخله في أحلام وعوالم وهمية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى