د. معاذ الروبي - الخطوة الأولى نحو التفكير الإيجابي

نهجك العقلي الادراكي في الحياة هو مزيج من مشاعرك وأفكارك ومعتقداتك. تحديد وتمييز هذه العناصر الثلاثة هو الخطوة الحاسمة الأولى التي يجب عليك اتخاذها إذا كنت تريد تحويل نظرتك من السلبية إلى الإيجابية. يجب التمييز هنا بين الأفكار التي تنطبق على مواقف محددة، وبين المعتقدات التي تكون أكثر شمولية ورسوخاً وتكون متجذرة نتيجة التجارب المتكررة. كذلك معرفة العواطف والمشاعر التي تكون ناتجة عن طريقة تفكير ونظرة معينة نحو الأشياء والمواقف والأحداث.

إن من أهم المؤشرات الأساسية لإيجابيتك أو سلبيتك هي عواطفك والتي هي نتيجة لأفكارك كما ذكرنا. وكلما زاد وعيك بالعلامات العاطفية، زادت قدرتك على نقل مشاعرك من السلبية إلى الإيجابية. وبالتالي من المهم أن تصبح مدركًا لمشاعرك وتتعرف على الأحاسيس الجسدية التي تصاحبها (على سبيل المثال، قد تشعر بألم في معدتك أو وخز في أسفل عمودك الفقري). من الضروري أيضا أن تسجل ردود الفعل السلوكية المختلفة لديك على مشاعرك (مثل ربما تفقد أعصابك عندما تشعر بالانزعاج، أو أن تكون أكثر سخاء من المعتاد عندما تشعر بالرضا).

هناك دائمًا طريقان للتفكير في أي شيء في الحياة - سلبًا أو إيجابيًا. والخيار لك. عندما تثير الأحداث مشاعرك، هناك دائمًا فكرة مصاحبة لذلك. قد تواجه هذا الأمر كتصور داخلي، أو صوت، أو عبارة "حديث ذاتي"، مثل، "أنا خائف من هذه المقابلة ...”، "إنه غاضب مني ...”، "أراهن أنه تم إلغاء السفر مرة أخرى ". قد تكون الفكرة حول ما يحدث في الوقت الحاضر، أو ذكرى في الماضي، أو التنبؤ بالمستقبل. تتمثل الإستراتيجية الأساسية للتفكير الإيجابي في تعديل هذه الأفكار والتأكيد على الإيجابية ونزع فتيل السلبية منها. بدّل أفكارك وستتغير عواطفك تلقائيًا وتعيد توجيه مشاعرك وأفعالك. فالأفكار دائماً تسبق العواطف والتي تكون غالباً نتيجة لها.

في صميم تفكيرك تكمن المعتقدات وهي أفكار عميقة الجذور تتكون نتيجة تجاربك. هذه ليست بالضرورة كالمعتقدات دينية، لكنها مواقف حياتية وقناعات تلون نظرتك للعالم. في حين أن الأفكار نسبية، تميل المعتقدات إلى التعامل معها بأنها صحيحة تمامًا ولا يمكن إنكارها ومطلقة. يمكن للاعتقاد السلبي أن يقوض سعادتك في الحياة، ولكن - نظرًا لأن المعتقدات راسخة في تفكيرك - إذا قمت بتحليل معتقد سلبي وحولته إلى اعتقاد إيجابي، فإن أسلوبك في الحياة بالكامل يمكن أن يتغير للأفضل. لذلك أنت بحاجة بالبداية إلى التمييز بين مشاعرك (عواطفك) وأفكارك ومعتقداتك.

يساعدك تتبع وتحليل أفكارك ومشاعرك ومعتقداتك على الشعور بالسيطرة عليها. وهنا تأتي أهمية أن تحتفظ بسجل ملاحظات لمشاعرك، حيث يتيح لك فهم سبب وجود أفكار سلبية لديك، كما يمكنك استخدامه لقياس مدى نجاحك في تغييرها. من الأمثلة العملية هي إذا وجدت نفسك تشعر بالسلبية، خذ بضع لحظات للاسترخاء، ثم سجل ما يخطر ببالك، واجمع معلومات حول الطريقة التي يعمل بها عقلك. خذ لقطة ذهنية لأفكارك، ما هي الصور التي تتخيلها؟ ما هي الأصوات التي تسمعها؟ ما هي الكلمات التي تقولها لنفسك؟ ما هي ذكريات الماضي أو تخيلات المستقبل التي تتبادر إلى الذهن؟ عبر عن أفكارك بجملة قصيرة واحدة، مثل "لن أستطيع الحصول على هذا أبدًا "أو" أنا منزعج حقًا منه". تحديد مثل هذه العبارات السلبية هو الخطوة الأولى في تغييرها. لذا ركز حصريًا على ما يدور في ذهنك وقم بتدوينه لتكون قادر على تغييره في المستقبل.

هناك خطوة أعمق وأهم من تحديد الأفكار ألا وهي التعرف على المعتقدات التي تكمن وراءها. تعلم أن تلاحظ الأفكار السلبية التي تظهر لك مرارًا وتكرارًا. عندما يكون لديك شعور واضح من هذا النمط، اسأل نفسك، "ماذا يعني هذا التفكير لي؟" ثم أجب بـكلمات، "هذا يعني ...." ثم استمر في السؤال عما تعنيه إجابتك، حتى تصل إلى عبارة عامة ومطلقة، مثل، "أنا ضعيف"، أو "الناس غير جديرين بالثقة"، أو "العالم مكان سيء". هذه العبارات النهائية هي معتقداتك الأساسية عن نفسك والعالم؛ وهي التي قادت إلى ظهور الأفكار السلبية لديك عن مختلف الأحداث والمواقف، يمكنك التعرف عليهم وتحديهم ومن ثم اصلاحهم وتغييرهم.

لفهم كيف تؤثر أفكارك على حالتك المزاجية، قم بإنشاء "يوميات لهذه الأفكار" تحتفظ فيها بسرد مكتوب لطريقتك في الحياة. في دفتر ملاحظاتك، اكتب كل فكرة، مع الظروف التي أدت إلى ظهورها. بعد ذلك، فكر في تأثير الفكرة عليك واكتب هذا أيضًا. ألقِ نظرة على هذه المذكرات في نهاية كل يوم لتحليل ما إذا كانت أفكارك ومشاعرك قد أثارت لديك أفعالًا مفيدة أو غير مفيدة. إذا كنت تعيد قراءة اليوميات مرة واحدة في الأسبوع، يمكنك استخدامها لتتبع أنماط تفكيرك، وقياس مدى نجاحك في تعديلها وكيف تتم وتجري التحسينات، وما هي الجوانب التي تحتاج إلى بذل جهد إضافي لتغييرها نحو الأفضل. أيضاً تسمح لك اليوميات والمذكرات التي تدونها بإلقاء نظرة متعمقة على حالتك المزاجية. سجل كل موقف فور حدوثه واستجابتك له - مع وضع علامة تشير إلى مدى قوة المشاعر - ولاحظ بعد ذلك الآثار والنتائج المترتبة عليها.

حديث النفس (الحديث مع الذات) يجعلك على علم كبير بأفكارك، اسمح لنفسك أيضًا أن تكون على دراية بالأنماط التي تتبعها هذه الأفكار. إذا لاحظت فكرة متكررة، فراجع هذه الأسئلة واجعلها توجه عقلك وتركيزك على ما تعنيه هذه الفكرة. "ما الذي كان يحدث قبل أن أشعر بهذه الطريقة؟" "ماذا يقول هذا النمط من التفكير عني؟" "ما الذي أخاف منه ... غضبي ... حزين بشأن ...؟" .. الخ

نقطة مهمة يجب عدم إغفالها قبل كل شيء، وهي الحاجة الملحة للإيمان بالذات، هذا الإيمان الإيجابي ممكن أن يبدأ بأشياء مثل "يمكنني أن أكون جيدًا في الرياضة" الذي يدفعك إلى التفكير ب "يمكنني الفوز"، وهذا يحفزك وينشّطك للقيام بعمل ومجهود فعال. ثم إذا نجحت بعدها فنجاحك يولد توقعات إيجابية في الحوادث المستقبلية، ويعزز ثقتك بنفسك ويزيد من قدراتك. وهكذا فإن ايمانك بنفسك يقودك نحو التفكير الإيجابي بشكل شبه تلقائي.

نختم بمقولة رالف ايميرسون: "ما يكون وراءنا وما يكون أمامنا أمور صغيرة مقارنة بما يكون في داخلنا"، حيث إن إدراك ما بداخلنا من قناعات واعتقادات يقودنا لفهم ما نولّده أفكار معينة ونظرات خاصة حول ما يدور حولنا من أحداث ومواقف، وهذه الأفكار ينتج عنه مشاعر تحدد مدى سعادتنا أو حزننا في هذه الحياة. لذلك فالخطوة الأولى نحو الإيجابية تكمن بإدراك هذه الأساسيات ومن ثم تحليلها ووضع الخطط والاستراتيجيات لتغييرها نحو الأفضل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى