أمل الكردفاني- حي الزهور- قصة قصيرة

كان قلبه ينتفض، حين أوقفها وقال وهو متأكد من أنها لا تفقد ابتسامتها أبداً:
- هل تتذكرينني؟
كانت هناك قطرة عرق قد انجرفت من جبهته وابتلعها جفناه فشعر بالحريق، وبرغم ذلك تجاهل الألم حين رفعت رأسها قليلاً ثم حنته إلى جانبه الأيسر وتاملت ملامحه:
- الغاز.. أنبوبة الغاز..
ضحك وقال:
- بالفعل..
كانت الفتاة الأخرى التي ترافقها تبدو غاضبة بلا سبب، ربما كانت حقودة قليلاً، فهو بالكاد يلحظها.
قالت:
- نعم.. هل انقطع الغاز مرة أخرى..
طوح براسه وأجاب:
- لا.. لقد جئت لمهمة سرية وخطيرة..
صمتت قليلاً فأضاف:
- نعم.. سرية وخطيرة.. ولكن يمكنني إخبارك أنت وحدك إن كنت مهتمة..
قالت بمرح:
- أنت مخابرات؟
هز رأسه نفياً:
- لا لا..
ثم دفعها من كتفها بخفة وهو يهمس:
- تعالي..
مضت معه خطوتين، لكنه لم يتحمل فقال:
- جئت أبحث عنك.. منذ ذلك اليوم وأنا آتي إلى هنا علِّي أقابلك..
ضحكت بفمها الجميل وقالت بشك مفتعل:
- حقاً؟!!
قال:
- ألا تصدقيني؟
قالت:
- لا..
أخرج هاتفه واتصل على صديقه ثم فتح السماعة الخارجية وقال:
- أيمن..
- نعم..
- لماذا آتي كل يوم إلى هنا؟
- لتبحث عن الفتاة..
- اي فتاة؟
- الفتاة التي قابلتها في محل أنابيب الغاز في حي الزهور..
أغلق الهاتف ثم رفع يده فالتفتت هي ورأت يداً تخرج من نافذة سيارة تقف على البعد.
عادت ونظرت إليه ثم قالت:
-صدقتك..صدقتك..صدقتك..صدقتك..صدقتك..صدقتك..صدقتك.. صدقتك.. صدقتك..صدقت..صدق..صد..ص..ص..
كانت الشمس تلهب جبينه وقطرات العرق تنزلق إلى داخل عينيه المفتوحتين وهو يحدق في الشوارع..
- ستأتي يا صديقي ستأتي..
- لقد انتظرتَها بما يكفي.. إنه الأسبوع الثالث..
- لقد ظهر لي خيالها قبل قليل.. حتى أن صديقتها كانت حاقدة علي..
- ستصاب بالجنون..
- لقد أصابتني بالجنون بالفعل.. سآتي إلى حي الزهور كل يوم حتى أراها..
وهاهي خمسة عشر عاماً قد مضت.. لقد فتح بنشر سيارات في ذلك الشارع.. وعاش هناك فقط ليراها يوماً ما.. كنت أقف بسيارتي في ذات المكان.. وكان يخرج هاتفه ويرفع يده ملوحاً لي من بعيد ثم يتصل بي ليسالني ذات الأسئلة فأجيبه بذات الأجوبة:
- أيمن..
- نعم..
- لماذا آتي كل يوم إلى هنا؟
- لتبحث عن الفتاة..
- أي فتاة؟
- الفتاة التي قابلتَها في محل أنابيب الغاز في حي الزهور..
ثم يغلق هاتفه ويعود فيتحدث إلى شبحها الذي لا يراه سواه..

(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى