د. محمد عباس محمد عرابي - وقفة بيانية تحليلية في روائع الرثاء في فقد الأم لفضيلة الشيخ الشاعر عبد الله بن علي العامري(1)

أما قبل:
لو لم يكن لشاعرنا فضيلة الشيخ / عبد الله بن علي العامري (حفظه الله) إلا هاتان الحكمتان الشعريتان لكفتاه حيث يقول العامري:
الفقدٌ علمني أن الحياة بلا أمٍّ
فراغٌ كموجِ البحر يلتطمُ
***
اليُتمُ خَلَّدَ ذكراه على شفتي
والشعر دوَّن يُتمي حين ينتظمُ
وأما بعد:
لشاعرنا القدير فضيلة الشيخ / عبد الله بن علي العامري (بارك الله فيه وحفظه، وأطال عمره )درتان من روائع الرثاء في فقد الأم( رحم الله أمه وأمي ومن فقدنا من أمهات المسلمين)، وهاتان الدرتان يغلب عليها عاطفة الشاعر في حب الأم والاعتراف بفضلها فجاءت الألفاظ والمعاني في انسجام لإظهار عاطفة الشاعر تجاه أمه (رحمها الله)، كما كان شاعرنا العامري بارعًا في توظيف البيان والصورة الشعرية البليغة لإظهار أثر فقد الأم على نفسه ،وبناء فني للقصيدة مميز غلب عليه الحوار وخاطب دار الأم وما تحويه في نبرة شعرية باكية يغلب عليها الحزن وألم الفقد حيث يقول في الدرة الأولى عن فقد الأم:
هذي منازلنا من بعدكم ظُلَمُ
أماه أماه نادى الحزن والألمُ

ما للديار عَمارٌ بعد فرقتكم
عمارها الصمتُ في أذانه الصمم

ناديتُ لما طرقتُ الباب، يا سكني
يا قلبُ يا روح يا أنوار يا سَلمُ

كانت يدُ الباب إن صافحتها ابتسمتْ
واليوم ما عاد وجه الباب يبتسمُ

إني أخاطب في الجدران ما ورثت
من حبكم فاستجابَ الصمتُ لا الكَلِمُ

قالتْ وقلتُ وغنى حزنُها ألمًا
صوتُ المحبة روحٌ ناطقٌ وفمُ

قالت وقلتُ أعيدي بعض ما سلبتْ
منك الحوادثُ والأيامُ والندم

قالت وقلت أعيدي الأمس فامتنعت
عن عود ما كانَ، يأبى الموتُ والهرمُ

الفقدٌ علمني أن الحياة بلا أمٍّ
فراغٌ كموجِ البحر يلتطمُ

اليُتمُ خَلَّدَ ذكراه على شفتي
والشعر دوَّن يُتمي حين ينتظمُ
وفيما يلي وفقه تحليلية وبيانية لمحاور القصيدة:
  • المحور الأول: ظلام وصمم:
لقد استهل شيخنا العامري درته ببليغ الكلم الرصين المحكم المعبر عن أثر فقد الأم على الديار على نهج كبار الشعراء العرب القدامى في استهلالهم معلقاتهم وقصائدهم بالبكاء على الأطلال، فها هو العامري على جناح السرعة قادمًا من رياض الحضارة والرقي إلى الطائف المأنوس ما إن وصله النبأ الحزين احتضار الأم وما إن دخل على أمه (رحمها الله) ولفظت أنفاسها الأخيرة، وصعدت الروح الطاهرة لربها على الفور جرت أبيات القصيدة على لسانه وأثر الفقد يغلب عليه فقال:
هذي منازلنا من بعدكم ظُلَمُ
أماه أماه نادى الحزن والألمُ
*********************
ما للديار عَمارٌ بعد فرقتكم
عمارها الصمتُ في أذانه الصمم
أبيات بليغة غلب عليه البيان حيث ينادي شاعرنا أمه (رحمها الله )ندبة؛ فها هو الحزن والألم ينادي (نادى الحزن والألمُ) والصمت يعمر الدار، والصمت به صمم (عمارها الصمتُ في أذانه الصمم) على سبيل الاستعارة المكنية التي تفيد التجسيم حيث تصوير المعنوي (الحزن – الصمت) بمادي ملموس الإنسان.
المحور الثاني: حوار مع الأم:
ها هو شيخنا العامري (حفظه الله) يحاور أمه (رحمها الله) مبينا أن الأم للإنسان هي السكن والقلب والروح والأنوار فلا حياة هانئة للمرء حقًا دون أم فهي مصدر البسمة والسعادة والبهجة النابعة من القلب، وبين أن الأحوال تبدلت فبموت الأم غابت البسمة، وعم الصمت أركان البيت، وغنى الحزن ألمًا، وكم تمنى الشاعر أن الأيام الحسان تعود، وترد ما سلبتْ الحوادثُ والأيامُ والندم، ولكن الرفض كل الرفض كان الموتُ والهرمُ، وهيهات هيهات وفي هذه يقول شاعرنا العامري:
ناديتُ لما طرقتُ الباب، يا سكني
يا قلبُ يا روح يا أنوار يا سَلمُ

كانت يدُ الباب إن صافحتها ابتسمتْ
واليوم ما عاد وجه الباب يبتسمُ

إني أخاطب في الجدران ما ورثت
من حبكم فاستجابَ الصمتُ لا الكَلِمُ

قالتْ و قلتُ و غنى حزنُها ألمًا
صوتُ المحبة روحٌ ناطقٌ و فمُ

قالت وقلتُ أعيدي بعض ما سلبتْ
منك الحوادثُ والأيامُ والندم

قالت وقلت أعيدي الأمس فامتنعت
عن عود ما كانَ، يأبى الموتُ والهرمُ

ويا لها من بلاغة بيانية وتشبيه الأم عند ندائها فالأم عنده قلبُ، روح، أنوار، سَلمُ:

ناديتُ لما طرقتُ الباب، يا سكني
يا قلبُ يا روح يا أنوار يا سَلمُ
وها نحن نرى أن للباب يد تُصافح، وتبتسم، ولكن ما عاد وجه الباب يبتسمُ
ويا لها من استعارات بليغة فللباب وجه ويد، والجدران تتم مخاطبتها:
كانت يدُ الباب إن صافحتها ابتسمتْ
واليوم ما عاد وجه الباب يبتسمُ

إني أخاطب في الجدران ما ورثت
من حبكم فاستجابَ الصمتُ لا الكَلِمُ
وها هو الحزن يغني على سبيل الاستعارة المكنية، وللمحبة صوت، وهذا الصوت له روح ناطق وفم:
قالتْ وقلتُ وغنى حزنُها ألمًا
صوتُ المحبة روحٌ ناطقٌ وفمُ
وها هي الحوادثُ والأيامُ والندم تسلب، يأبى الموتُ والهرمُ صور فنية بليغة واستعارات بليغة أدت كل معاني الحزن وآثار فقد الأم على الأبناء نحد كل ذلك في قول العامري:
قالت وقلتُ أعيدي بعض ما سلبتْ
منك الحوادثُ والأيامُ والندم

قالت وقلت أعيدي الأمس فامتنعت
عن عود ما كانَ، يأبى الموتُ والهرمُ

المحور الثالث: حكم شعرية بليغة:
يحسب لشاعرنا العامري هذه الدرر من الحكمة الجديرة بأن تكتب بماء الذهب نعم للدروس المستفادة من الفقد واليتم: الحياة بلا أم فراغ حقا صدقت أديبنا، واليتم يصير لصيق المرء بفقد أمه، فهيا بنا نستمع للعامري وهو يغرد بحكم شعرية خالدة :
الفقدٌ علمني أن الحياة بلا أمٍّ
فراغٌ كموجِ البحر يلتطمُ
***
اليُتمُ خَلَّدَ ذكراه على شفتي
والشعر دوَّن يُتمي حين ينتظمُ
جزى الله فضيلة الشيخ الجليل الشاعر / عبد الله بن علي العامري على هذه الدرة في رثاء الأم وأثر الفقد واليتم على المرء، ورحم الله من فقدنا من أمهاتنا، اللهم آمين .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى