د. سيد شعبان - هم جدي!

حين كنت صغيرا ،ولربما لفترة طويلة عشت تلك المرحلة بكل أبعادها، تحدثت عن هذا كثيرا ، التفاصيل تمثل شخوصا في ذاكرتي ، لا تبرح عقلي ولا تغادر من ثم نفسي، حكى لي أبي عن أبيه : حين كان الكساد الكبير، كان له فدانين من القطن ، المحصول وفير ،بعدما تخلص من الدودة ، لم يكن غير مستور الحال ، رجل ذو عيال، القطن مكدس في الجرن لا يجد مشتريا ، ذهبوا به للحلج ، بيع ولكن خرج جدي بدون البقرتين، يومها أصابه المرض، الزرع كان مديونا ، كان بالقرية " شيلوك" لم يمهله وقف بالباب، يهزأ ويطلب في غير لياقة ؛ تلك عادة المرابين،كأنما هو دين يتواصون به!
كبرت والخوف من ذلك المرابي يطاردني،وحش يلتهم خيرات الأرض يسرق عرق الكادحين، لم اتخيل أنه منذ عهد جدي يضرب جذوره الكريهة
، معطنه وخيم ، لا عهد له ، صار في كل باب نواح من هم ، الوطن كله يرتهن لدى خزانة "شيلوك"
الحيل قهرت أبي، لقد باع خشب البيت، أني لصبي أن يقوم بعبء إخوة صغار؟
ملحمة سطرها - يحفظه الله-طوال الثمانين عاما ، قصة هذا الوطن مسطورة على جبهة أبي ، لم ينحن ظهره ، مثل هذا النهر يعطي أبي، لو أن لدي موهبة القص ؛ لكان هو بطل سردي، يبقى هناك بالصحراء
،أسدها الرابض، لقد نثر عرقه فنبت رغم ملوحته البرتقال، مسك الليل بعض من عطر أبي،لكنه يخاف أن يأتي " شيلوك".
أبي يتسمع بعض أخبار، القرض والفائدة والبند السابع، بالفعل هو الآن يستعيد قصة" الفقي"وكيف بيعت البقرتان ؛ سدا لدينه، بادرني بالسؤال: أنت يا ولدي هل تعرف أحفاد الفقي؟
أصابتني الحيرة ، لم ؟
أخبرني أنهم قادمون!
النهر لايفيض حين يكون الربا، ما أدري أية حكمة جرت على لسانه!
حين تكون الداهية تمسك بك الأفكار، شيلوك يمكث هناك ، يمسك بخزانة المحروسة ، يقامر بكل الأشياء ، يراودها عن عرشها ، في جوف الصحراء،يبتلع النهر ، يجعل من آنية اللبن قنينة زيت ، يصبه مثل القيح ، يشوه جمال الوطن ، يغتال الصباح، يزرع حوائط الخراب جوار النهر، خراب الشيطان ، رقص ، ظنوا السماء ستمطر المن والسلوى!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى