من قصص التراث - الغوليــــــة... وابن البدويـــــة.. دونها بتصرف: عصري فياض

يحكى أن عائلة مكونة من أب وأم وسبعة اولاد من الذكور كانوا يعيشون في قرية، وقد شب الاولاد وأصبح معظمهم في سن الشباب،فشعروا بأنهم بحاجة لأخت أنثى بينهم،فطالبوا امهم وأبيهم بإلحاح ان ينجبوا لهم أختا أنثى،وبعد أشهر حملت الام للمرة الثامنة،فكان الفرح الموصول بالرجاء أن يكون المولود القادم أنثى، وبعد أن مضت أشهر الحمل التسعة بفارغ الصبر والانتظار،كان لهم ما أرادوا، حيث أنجبت لهم الام أختا انثى،ففرحوا كثيرا، وإحتفلوا بها إحتفالا عظيما،وأخذوا يتسابقون في حملها ومناغاتها منذ أيامها الاولى ...وبعد اشهر استفاقت العائلة على حادث فقدان إحدى دجاجات الخم الذي يملكونه،وشاهدوا اثار دم وريش الدجاجة المفقودة على باب ذلك الخُم،فظنوا أن سالولا أو ذئبا قد اقتحم عليهم البيت وإفترس تلك الدجاجة التي كانت مع الدجاجات الاخريات يمدنهم بالبيض بشكل يومي،فعمدوا على إحكام اغلاق باب الخُم مساء،وكذلك احكام اغلاق الباب الخشبيّ الخارجي،واعلاء السور المحيط بالبيت،وذهبوا لنومهم مطمئنين على دواجنهم، لكن المفاجأ كانت صباح اليوم التالي،فقد دهشوا عندما شاهدوا بقايا دجاجة أخرى قد تم افتراسها،فوقعوا في حيرة وقلق عميقين،وتساؤل كبير لا يجدون له جوابا :- من الذي يفترس دواجننا ؟؟
كان الابن الاكبر في العائلة قويّ وفطين،فقرر أن يَكْمِنْ لذلك العدو الذي يهاجم بيتهم ليلا،فإمتشق عصاه واخذ لنفسه مكانا خلف براميل المياه الكائنة في ساحة البيت و المقابلة لخُم الدواجن،وجلس يرقب المكان ليلا بصمت وحذر، وبعد أن انتصفت الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل،سمع صرير باب غرفة والدته يفتح ببطء،فإلتفت حتى فتح الباب على مصراعيه،فشاهد اخته الرضيعة تحبوا بحذر، وتتلفت يسارا ويمينا قبل أن تشق طريقها نحو خم الدواجن،دقق اكثر وهو يتسائل في نفسه :- ماذا تريد اختي من ذلك الخُم ...؟؟
صبر حتى شاهدها تدخل الخم،وتبدأ بالإمساك بإحدى الدواجن وتشرع بإفتراسها بعد ان اخرجت من فمها أنياب طويله،فصدم وهو يشاهد منظرا لا يصدق...أختنا ؟؟!!!
افاق من الصدمة على صياح الدجاجة، وأسرع لإنقاذها ومنع شقيقته من الاجهاز عليها،وصرخ بها بصوت عال:-
ويحك توقفي....ماذا تفعلين ؟؟
إلتفتت الطفلة لصراخ اخيها،وأسرعت هاربة بحبوٍ مثيرنحو امها،فلحق بها اخوها بعد ان تفقد الدجاجة المستهدفة، ودخل خلف اخته المفترسة فرآها وقد دست نفسها في حضن امها،فأفاق الجميع على الجلبة التي حدثت،وتسأل الجميع :- ما الذي يجري ؟؟
فرد الاخ الاكبر :- قد لا تصدقوني...
قالوا :- تكلم
فقال : للأسف احتنا ليست آدمية .. إنها غولية ... هي المفترس الذي يهاجم الدجاج كل يوم
فزعت الام مما تسمع ،وصدم الآخرون لكنهم لم يصدقوا....
فقص عليهم ما حدث وقال :- يجب علينا التخلص من هذه الطفلة قبل ان تجهز علينا كلنا في المستقبل
رفض والده ووالدته وأخوانه طلبه ووصفوه بالجنون،فتعال الصراخ بينهم حتى اخذت الام تبكي وترشقه بعبارات الغضب ...فتأثر والده وطلب منه مغادرة البيت وعدم العودة اليه إلا عندما يعود الى رشده...
إنصاع الاخ الاكبر لطلب والده،وقرر مغادرة البيت بلا رجعة،فركب حصانه وسار ليلا في بلاد الله يبحث عن مكان يعيش فيه ..
سار حتى وصل غابة تقع بالقرب من المدينة،وفي الصباح شعر بالجوع،فقرر ان يجمع ما يمكن جمعه من الحطب، وينزل لسوق المدينة ليبيعه ويشتري بثمنه طعاما،وفعلا كان له ما اراد،كما اشترى بباقي ما توفر لديه من مال فأسا لقطع الحطب،وخيمة ليبني له بيتا،وأصبح عمله اليومي الاحتطاب،حتى توفر له بعض المال ،فبنى بيتا من الطين والحجر،احاطه بسور ، واستمر اشهرا وسنوات على هذا الحال،وذات يوم وهو يقوم بالاحتطاب، عثر على جروين من جراء الاسد حديثي الولادة،فسر بهما كثيرا،وحملهما الى بيته، واصبح يقدم لهما الحليب حتى كبرا ،فأصبح لا يبخل عليهما باللحم مما كان يصطاده الى جانب الاحتطاب، وكان كلما عاد من العمل فك رباطهما ، واخذ يلاعبهما ويداعبهما حتى اصبحا أعز أصدقاءه وأكثر المخلوقات معزة عنده...
وبعد ان مرت السنين الطوال،شعر بالحنين لاهله،فقرر ان يذهب لقريته ليرى أهله،فأحضر الطعام الكافي لأسديه، وقال لهما:- سأذهب لزيارة اهلي وأعود
ثم أخذ من فراء كل منهما شعرة ووضعهما في جيبه، كما حمل عودين من الثقاب في علبة كبريت، وسار حتى ادرك قريته ...
دخل القرية ،فشعر بالصمت القاتل،وكان القرية مهجورة تماما من السكان، فلا حراك فيها،فشعر بشيء من القلق، وصل الى بيتهم الذي لم يتغير فيه شيء...ترجل عن الحصان وطرق الباب...فَفُتِحْ ... وظهرت له فتاة شعرها مبعثر كثيف.. عينيها حادتين محمرتين ، وأنيابها تتدلى من فكلها الاعلى الى شفتها السفلى،اظافرها طويلة ملتوية ،حافية القدمين، رثة الملابس... وقبل ان يتحدث،تقدمت منه سريعا واحتضنته بقوة وهي تقول :-
أهلا بأخي إبن امي وابي....
شعر بالدهشة من معرفتها له، وقبل أن ينطق كانت قد أخذت بلجام حصانه، وأدخلته وحصانه الى البيت، واشارت عليه بالدخول لغرفة المضافة، بينما اصطحبت حصانه لتربطه في زاوية البيت البعيدة عن ناظريه... وقالت له :-
إنتظر لحظة لآتيك بالضيافة التي تستحق..
بلع الاخ الاكبر ريقه وهو يجلس على الفراش المهترأ، ويتأمل بيتهم المتداعي... اوجس خيفة من كل شيء حوله ...
وقرر ان يسرق نظرة اتجاه المكان الذي ذهبت اليه اخته الغولية ... تقدم بحذر،فرآها وقد شرعت بافتراس حصانه وبدأت بإلتهامه...فصعق... وأسرع نحو الباب يحاول الهرب لكن الباب فوجده محكم الإغلاق،فركض نحو الشباك وقفز منه هاربا وهي تتبعة وتولول خلفه وتقول :-
قف يا ابن الملعونة...
تخلص من شوارع القرية ركضا وهي تتبعه، واتجه للطريق الطويل الممتد خارج القرية وهي خلفه، حتى شعر بالتعب،فشاهد في منتصف الطريق شجرة طويلة، فأسرع وتسلقها ليحمي نفسه منها،وهو يعلم ان الغول لا يصعد الشجر، فقالت له : إنزل
فرفض، فقامت باخرج منشارا كان مخبأ خلف ظهرها وشرعت بنشر قاع الشجرة لتسقطها وتمسك بفريستها
شعر الاخ الجالس أعلى الشجرة بالخوف الشديد بعد أن وصلت بالنشر نصف جذع الشجرة،فتذكر الشعرتين وعودا الثقاب فقال لها : توقفي
فقالت : ما تريد ؟؟
قال : اريد ان اصلي ركعتين لله تعالى ..
فتوقفت... فصلى .. ثم اخرج من جيبه عودا الكبريت والشعرتين وأحرقهما....
عندها تحرك الشعور عند الاسدين ان صاحبهما في خطر شديد، وانه يريد النجدة،فقطعا الاربطة، واندفعا بسرعة نحو المكان الذي يتواجد فيه صاحبهما..
عادت الغولية لنشر الشجرة، وصاحبنا في اعلى الشجرة ينتظر مجيء الأسدين وما هي الا دقائق معدودة ، حتى ظهر الغبار المتناثر خلف الاسدين من بعيد يقترب شيئا فشيئا نحو الشجرة ،فشعر بالغبطة والفرح،ومع اقتراب الاسدين ،التفت الغولية لغبارهما واقترابهما وأدركت انها مقتولة لا محالة، فحاولت الهرب بالاتجاه المعاكس، لكن الاسدين أدركاها وقفزا على ظهرها وقتلاها على الفور.... وقبل ان تلفظ الغولية انفاسها.... نادتها صديقتها الغولية الثانية من اعلى الجبل قائلة
" ما قتلك ما قتلك ابن البدوية يقتلك ؟؟ "
فقالت الغولة وهي تلفظ انفاسها : " بدريش انا بدريش مربيلي سلكان اثنين "
وعاد برفقة اسديه الى بيته سليما معافى.

دونها بتصرف
عصري فياض

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى