بهاء المري - حياة..

قُرب حديقة خَضراء تحفُّها أزهار الصَيف كانت جلستي على "الكافيه" المفتوح المُلحق بها، لمَحتُه على مسافة غير بَعيدة بشَعره الأشيَبْ المنكوش من هواء تلك الليلة الصيفية، الأستاذ كمال، كان رئيسي في العَمل، تَعجَّبتُ لهيئته، ما بال النَحَافة قد ضربَت جَسده إلى هذا الحد، وما بال مَلابسه تبدو أقل من العادية وقد كنا نحسده على أناقته.
جلس القُرفصاء يَضع كفَّيه على عينيه ثم يرفعهما ويَبتسم، ثم يُعيدهما ثانية، ثم يعود ويرفعهما ويبتسم، وهكذا عدة مرات.
مِلتُ بجسدي يُمنة ويُسرة أستطلع ما حوله، لم أجد أحدًا معه ولا في مواجهته، تساءلتُ: هل جُنَّ الرجل ولم يَمض على بلوغه سن المعاش بضع سنوات وكان في قمة العقل والحكمة؟ وإذا كان قد مَسَّهُ مَرضٌ، ألا يُرافقه أحد من أهله لا سيما في مثل هذا المكان المفتوح في قرية سياحية؟
لحظاتٌ وإذا به يَمشى على أربع إلى جهة اليسار ويُنادى: "كيمو، كيمو" ثم لمسافة مثلها يَمينًا، ثم يعود ليُغيِّر اتجاهه وكأنه يدور حول نفسه، عِدة مرات يَفعلها ولا يُجيبه أحد، أيقنتُ أنَّ جُنونًا قد مسَّه لا مَحالة.
أشفقتُ عليه من نظرات الحضور ومَصمَصة الشفاه تأثرًا بحالته، توجهتُ ناحيته لأُثنيه عما يَفعل أو لأُعيده إلى أهله، فقد صارت الأنظار تُتابعه باستغراب شديد.
لم يَشعر باقترابي منه، اعتدلَ من وضع المَشي على أربع ونهضَ جريًا قاصدًا بَيت جُحا الذي يَختبئ فيه الأطفال، توقفتُ مكاني، لابد أنه سَيفعل مثلهم، فلأنتظر هنا حتى يَخرج.
لم يدخل بَيت جُحا، خرج طفل في الرابعة من عُمره جريًا، تلقفه في حِضنه، رَفعه في الهواء، أخذ يَمطره بالقُبَل، ثم عاد واعتصَره وهو يُقهقه، أسرعتُ إليه خشية أن يؤذي الطفل، سلَّم علىَّ بحفاوة، عرَّفني بالطفل قائلا: "كيمو" حفيدي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى