مبارك وساط - رأيتُ المتنبّي!

من أوائل الكتب العربيّة التي امتلكتها في طفولتي، والتي عرّفتني بالعديد من شعراء العربية، القدامى خاصّةً، "تاريخ الأدب العربيّ" لحنّا الفاخوري. في ذلك الكتاب، كانتْ هنالك صُوَرٌ متخيَّلة لعدد من الشّعراء القُدامى الذين تمّ تناول حياتهم وشعرهم بشكل عامّ جِدّاً ، وقد أَنجز تلك الصّور فنّان لم أنسَ اسمَه حتّى الآن: آرتور أورتيس!.. المهمّ أنّ شعراء كثيرين، من الجاهليّة إلى العصر العبّاسي وحتّى ما بعده، بدوا لي، من خلال أبياتهم المدرجة في الكتاب ووقائع حيواتهم، ومن خلال صورهم المُتخيَّلة أيضاً كأنّما هُم من أهل تلك القرية، المعروفة من قِبَلي والتي يلفّها في نفس الوقت، بالنّسبة إليّ، ضبابٌ شفيف يمنحها طابعاً حُلُمِيّاً وأسْطوريّا بعضَ الشّيء: أعني قرية جَدّي، التي كُنّا نهبُّ إليها حين يحلُّ الصّيف، لقضاء عشرين يوماً من العطلة الصّيفيّة في ربوعها. وبين بيوت تلك القرية ومسالكها، في عالمها العجائبيّ بالضّرورة، كان يمكنُني أنْ أرى المتنبّي، مثلا، ماضياً أمامي نحو حانوت "ولد المكّي" ليشتري سجائر وبضع شموع، مُرَدِّداً في دخيلته: "صلاةُ اللهِ خالقِنا حنوطٌ / على الوَجْهِ المُكَفَّنِ بالجَمال"، ولا يَهمّ، إن اتّضح لي، بعدها، أنّ من حسِبْتُهُ المتنبّي كان، في الواقع، هو حميدة ‘مُولْ الكارُّو’، الذي ينقل زبائنه القرويّين في فجر كلّ أحد إلى السّوق الأسبوعي القريب نسبيّاً، فالأساسيّ هو أنّ المتنبّي كان هناك، حيثُ رأيتُه، بشكلٍ واضح ولا يُمكن إنكارُه!..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى