على حزين - مسافر في الليل.. "الجزء التاسع"

أفاق "أدم" على صوت صديقه "يحيى" وهو يهزه هزات خفيفة بلطف , يلتفت إليه بجهٍ يملأه الذهول , وعيون تملأها الدهشة , ونظرات فيها العجب من هول ما يرى , ..
فجميع من في المركبة الفضائية هم عبارة عن كائنات غريبة ,أجسامهم مختلفة تماماً عن بني البشر , أشكالهم وتصرفاتهم, حتى لبسهم غريب , وكأنهم ليسوا مثل البشر , ولا يشبهوا حتى الحيوانات ولا حتى من الجن مع أنه لم يرى الجن في يوم من الأيام إلا أنه قرأ عنهم وعن عالمهم في كثير من الكتب الصفراء القديمة إلا أنه افترض ذلك .. كائنات تكاد تشبه بعضهم بعضاً مثل الكوكب الصيني واليابانيين بالضبط , مزيج من بين البشر والحيوانات , تستطيع أن تشبههم بذلك , ولا تري لهم أشكالاً وأمثالاً تشبههم إلا في أفلام الكرتون , وكتب الخيال العلمي , يشبهون البشر وليسوا كالبشر, ومع ذلك يتصرفون كالبشر , كل واحد منهم يحمل في يده ما يشبه الصولجان , وجهاز صغير يحيط بمعصمه , لغتهم غريبة, وعجيبة وغير مفهومة , فهم عندما يتكلمون لا يتكلمون بصوت ولا بفم , لهم قدرة غريبة على التخاطب عن بعد , نعم عن طريق التخاطر, هذا العلم الذي قرأ عنه كثيراً أيضاً ,
كانوا يخاطبون صديقه " يحيى" بلغتهم ويفهمهم ويفهمونه , ويرد عليهم وأيضاً , ويعرفون ما يدور في رأسه من أفكار ويردوا عليه ويجيبونه بكل طلاقة ووضوح كما حدث معه آنفاً .. حينما قرئوا أفكاره , أحياناً تظهر لغتهم كلمات على هيئة صور في الهواء بحروف ملونة معلقة كبيره, وأحياناً يتكلمون بصوت مسموع , ولديهم لغات متعددة , يكلمون الآلات والمعدات التي معهم والعجيب والغريب في الأمر أن هذه الآلات والمعدات تفهم لغتهم بل وترد عليهم بلغتهم أيضاً التي يعرفونها وأيضا الأشياء تفهم حديثهم وترد عليهم ..
وعلى حسب علمه يتحدثون خمس لغات , لغة صامته تظهر كل كلماتها ومدلولاتها في الهواء بألوان مختلفة وصور مختلفة .. ولغة الحروف والكلمات التي نعرفها وهي بكل لسان وكل لغة عرفها البشر .. ولغة التخاطر والتخاطب عن بعد .. ولغة يخاطبون بها الطبيعة .. وهي لغة الطير , والأمواج , والريح , والبحر , والشجر , والنجوم , والكواكب , والمجرات المنبعثة , والساكنة الكامنة في الكون, والمادة عموماً .. ولغة يتحدثون بها هم مع أنفسهم لا يعرفها أحد غيرهم ... ولا أحداً يعرف اسمها , ولا يستطيع أن يتكلم بها ....
كلمه أحدهم بلغته التي يعرفها وكأنه يقرأ أفكاره , قائلاً له : ............
ــ نحن عباد من خلق الله , وهناك كائنات كثيرة ومتعددة غيرنا في كون الله الفسيح ونحن منهم, ولا يعقل إطلاقا يا عزيزي أدم , أن تكون الأرض هي وحدها المسكونة ببني البشر والجن وفقط , أو تكون هي وحدها دون سائر الكواكب فيها حياة.. نحن أصدقائكم يا أدم ..!
ــ ....................
ــ ونكاد نستقبل كل يوم كثيراً من الأشخاص والكائنات يأتوا إلينا من عوالم أخر وأزمان مختلفة ..؟!
نظر إلى صديقه الذي هز رأسه موافقاً لكلامه بنفس ذات الابتسامة الهادئة التي لم تفارق وجهه وكأنه يقرأ أفكاره مثلهم , ثم قال له : ...
ــ صدقه .. تلك حقيقة ثابته ..
ــ وكيف جئت أنا إلى هنا .. أتعرفون كيف جئت ..؟؟!! ...
فأجابه نفس الشخص الكائن بجواره , وقد التفت إليه باهتمام بالغ , وقال له بصوت يشبه الهمس
ــ أنت فيك طاقة هائلة , نعم أنت تحمل طاقة قوية بداخلك استطعت من خلالها أن تأتي إلى هنا وتسبق الزمن ..!
نظر إلى صديقه يحيى وهو في حالة تعجب واستنكار ورفض لما يسمعه من هذا الكائن الغريب , وكأنه غير مصدق ما يقال له ,
يتسم في وجهه وهو يومئ له براسه , قائلاً له :
ــ لا تستعجب يا صديقي ولا تستغرب الأمر , فعلاً يحدث هذا وأكثر
قاطعه ولم يدعه يكمل كلامه في صوت منخفض مجهد متعب وقد وضع يديه على وجهه :
ــ أكيد أنا بحلم صح ,
ــ بالطبع لا يا عزيزي , أنت لست في حلم , بل حقيقة وأنت لا تريد أن تصدق ,
ثم دنى منه وراح يهمس له في أُذنه من جديد, وهو يشير من النافذة الزجاجية المطلة على الفضاء الخارجي ليريه شيئاً في الخارج : ..
ــ أنظر إلى تلك الأجسام المشعة المضيئة , ألا ترى أمامك الشعور بالسلم العام والإحساس بالسعادة والطمأنينة والأمن لدى الجميع أنت بالفعل يا عزيزي .. في الألفية الثالثة , صدق أو لا تصدق تلك هي مشكلتك أنت لكنها هي الحقيقة التي لا مفر منها ..!!
يضحك " أدم " بطريقة هيستيرية وهو يضرب كفاً بكف , فيضحك صديقه لضحكه, ويضحك معهما كل من في المركبة العجيبة التي تشبه المكوك الفضائي , وفجأة يسكت الجميع , ويقطع الصمت المكان , وقد نظر الجميع إليه وإلى بعضهم البعض في لحظة من الرعب الداخلي, وهو يحملق فيهم الواحد تلو الأخر, ...........
" في داخل هذا المبنى الضخم العملاق الذي علق في الفضاء البعيد أجهزة حديثة متطورة ومعقدة جداً للغاية وغريبة الشكل , والأطوار , يكلم بعضها بعضاً بأصوات غير مفهومة , والكل يعمل في صمت وهدوء , وهو واقف بجوار النافذة المطلة على الفضاء الخارجي يتأمل ويتابع باهتمام بالغ كل ما يدور حوله , فكل شيء يسبح في الفضاء وخارج نطاق الأرض , فلا مجال هنا لقانون الجاذبية ولا قانون للمادة هنا , فكل شيء مبني من الضوء , البيوت من نور ومعلقة في الفضاء , لكنه لاحظ شيئاً غريباً ألا وهو الطيور والحيوانات لم يرها إلا حينما أخذه صديقة إلى رحلة ونزهة قصيرة في هذا المكان المليء بالخضرة والماء والزهور , " .........
يأتيه نفس الصوت من جهة اليمين من هذا الكائن الغريب ليجيبه ويشبع فضوله :
ــ الطيور والحيوانات عموماً يا صديقي ليست كبني البشر , ولا يمكن لها أن تفعل مثلنا ومثلهم , كما تعلم فهي تختلف , وهي مسخَّرة لبني البشر لذا هي موجودة ولكن في مكانها على الأرض ولم تزل تؤدي دورها المنوط بها ...!! ـ
دنى من أحدهم وهو لا يريد أن يصدق كلامه , وبنفس الصوت المتعب المجهد الذي حدَّث به صديقه يسأله :
ــ من أنت .. وما اسمك , وكيف عرفت اسمي وما كنتُ أفكر فيه ..؟!!.
يجيبه هذا الكائن الغريب بكل ثقة وهدوء نفسي في اتزان وهو منهمك ومشغول بشيء في يده يعمل فيه دون توقف :
ــ أنا خلق من خلق الله , اسمي " قرقر " وأما كيف عرفت اسمك , وما تفكر فيه ..؟!!, فهذا أمر بسيط جداً وهين , يكفي أن أقول لك عالمنا هذا ونحن نعيش مع بني البشر وفي الألفية الثالثة وتحديداُ في هذا الوقت أصبح العالم متطوراً ومتقدماً جداً لدرجة أنه نشأت لغات وعلوم كثيرة وماتت أيضاً لغات وعلوم كثيرة , فأصبح لنا وللعالم بوسعنا أن نلتقي , ونتفق , ونتحاور, وأصبح العالم في مقدوره أن يتعاون فيما بينه بل وأصبح التعاون بيننا وبين العالم فرض علينا , واتفقنا على لغة متحدة محددة وموحدة نتخاطب بها مع بعضنا البعض دون لغة أو كلام ,
ــ أنا لم أعرف بعد , كيف عرفت اسمي .. وما كان يدور في رأسي من أفكار وخواطر ..؟!!.
ــ عرفت اسمك وما يدور في رأسك , من ضمن هذه العلوم التي علمناها بني البشر في جامعاتنا ومدارسنا انه التخاطر يا سيدي علم التخاطر والتخاطب عن بعد وبه يتحدث الجميع حول العالم إنها لغة موحدة للعالم كله , وأصبح العالم يمتلك ما لم يمتلكه في الماضي البعيد
ضرب كفاً بكفٍ وهو يستمع إليه ويحدثه باللغة العربية الفصحى بعدما جلس على كرسي السعادة والهدوء النفسي ليستعيد نشاطه الذهني والبدني في المركبة العائمة في الفضاء,
ــ أنت لست إنساناً إذاً , ولا من بني البشر ..؟!..,
أجابه وهو يبتسم في وجهه بعدما التفت إليه بطريقة عجيبة ,
ــ نعم , وما الغرابة في هذا
فقال له وهو ينظر من النافذة التي تطل على الفضاء الخارجي وهو ينظر إلى الكائنات التي تطير في الفضاء والأشياء التي تشبه الكور المضيئة والبالونات الطائرة ومربعات ومثلثات واشكال غريبة الشكل مشعة ومضيئة تسبح في الفضاء ولها مسارات وطرق لا تخطئها
والإعلانات التي تظهر فجأة ثم تختفي في الهواء أمامه , أشياء تخطت الغلاف الجوي , أبراج معلقة في الفضاء وناطحات سحاب تدور في أفلاك ومدارات ومسارات معروفة لا تصطدم بعضها ببعض ..
ــ وكيف جئتم إلى هنا , وماذا صنعوا معكم , وماذا صنعتم أنتم ..؟! ,
وهنا فرغ من المهمة الموكلة إليه , فاقترب منه , جلس على كرسي خاص به ليريح ظهره وليأخذ قسطاً من الراحة ويستريح قليلاً من عمله الشاق , وراح يكمل له حديثه : ,
ــ أنت كما تعلم في الماضي كانت هناك محاولات حسيسة في الاتصال بنا عبر الرحلات التي أقامها بني البشر للتعرف على الفضاء الخارجي بل وغزوه أيضاً , وقاموا بإرسال رسائل كثيرة وعديدة بكل لغات العالم عبر بعثات فضائية لمحاولة مسح الفضاء الخارجي والتعرف على الكواكب الأخرى , وهل من الممكن اكتشاف مخلوقات أخرى غيرهم أم لا, وكنا نتابع هذا بخوف وترقب وحيطة وحذر لأننا نعرف بني البشر وما يقومون به من حروب مدمرة فيما بينهم ولأننا نعلم أن علمهم قاصر ومحدود حتى جاء الوقت وتأكد لنا ووصلنا إلى قناعة بأننا يمكننا الاتصال بهم , قرأنا كل رسائلهم , وأخيراً نزلنا نحن إليهم , واتصلنا نحن بهم ,وجلسنا وتحاورنا , واتفقنا , ووضعنا المواثيق , والاتفاقيات والعهود فيما بيننا لنتعايش سوياً وأمددناهم ببعض العلوم والمعارف الخافية عليهم حتى صرنا أصدقاء ومتعاونين , ونعيش في سلام كما ترى , ......
ــ وهل هناك كائنات فضائية أخرى غيركم ..؟
ــ بكل تأكيد يا صديقي , فالكون واسع جداً ومتسع للجميع وهناك مخلوقات كثيرة أخرى غيرنا وأنت تعرف طبعاً بأن قدرة الله بلا نهاية , فلا تستعجب ولا تستغرب من هذا ..
يستأذن " يحيى " ليدخل في الحوار الشيق ليقول لصديقه
ــ لقد توصلنا إلى المريخ يا عزيزي واستطعنا بأن نسكنه وأن نعمره وليس المريخ فحسب وحده وإنما القمر , والزهرة , وعدة كواكب أخري , سأصحبك إليها , إن شاء الله , لو أردت في القريب العاجل .....
وهنا " أدم " وجد الفرصة سانحة بأن يسأل هذا الكائن الفضائي عدة أسئلة ليتعلم منه
ويشبع فضوله , مثل .. كيف يأكلون ..؟!.. وكيف يشربون ..؟!, فأجابه بأنه يكفي أن يعرف بأن حياتهم تختلف عنهم , مثل طعامهم , وشرابهم , ونومهم مختلف عن بني البشر ,
ثم سأله أين يسكنوا تحديداً فأجابه في كوكب " الحلزونة " الكائن في درب " التبانة " بجوار الثقب الأسود , ثم سأله هل ينامون مثل البشر ..؟!!. , وعن طبيعة الزمن عندهم وطبيعة المكان فأخبره بأن لكل كوكب من الكواكب ولكل نجم زمانه الخاص , وطبيعته الخاصة , وخصائص يختص بها , وبيئته التي تميزه عن غيره , وضرب له مثالا بالقمر مثلاً , والمريخ وبعض الكواكب الأخرى , وأعطاه معلومات قيمة , ومفيدة , طُبعت في رأسه , ثم عاد مرة أخرى لعمله بعدما استأذن منه , ........
ويفرغ من إصلاح البدلات الطائرة بعدما يكون قد ضبطهما على سرعة , ووقت معين في هذا الجو المتقلب , ويعطيهما لهما ليرتدياها , فيشكروهم , ثم ينطلقان في الفضاء ليكملا طريقهما ويسْبَحان في الفضاء الواسع ....


*******************************
تمت مساء الأحد / 3 / 9 / 2022
على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى