علجية عيش - ابن باديس دعا إلى نبذ الإنقاسامات الطائفية ومَثَّلَ السّلفية المُعْتَدِلَة

الخطاب الديني عند ابن باديس خطاب إصلاحي تجديدي لتحقيق نهضة شاملة

(جمعية ودادية تلاميذ شمال افريقيا أول جمعية تاسست في الجزائر سنة 1918 برئاسة بلقاسم بن حبيلس)

لقد حافظ الإمام عبد الحميد ابن باديس على القومية العربية الإسلامية، داعيا إلى نبذ الإنقاسامات الطائفية و النعرات الجنسية و العرقية، فابن باديس مثّل السلفية المعتدلة بعيدا عن كل اشكال التعصب مع تمجيد التاريخ الإسلامي و آثاره، كما اهتم ابن باديس بالإنسان و جعله محور خطته التربوية، هو ذلك الإنسان الذي يعيش في الواقع و يتفاعل مع أحداث العصر و ليس الذي اهتمت به التيارات الفكرية،يبقى السؤال الذي لم يرغب الباحثين في الإجابة عليه هو معرفة إن كان تفكير ابن باديس ذو طابع ديني أم له تفكير سياسي أو تفكير فلسفي


لقد فضّل العلامة الإمام عبد الحميد ابن باديس مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و رئيسها الأسبق أن يكون خطابه الديني خطابا إصلاحيا، موضحا أن الخطاب الإصلاحي مشروع يهدف إلى إيقاظ الأمذة من سباتها و بعث فيها روح التجديد و النشاط في خلايا المجتمع ليستعيد وعيه و الشعور بذاته و تحقيق نهضة وطنية اجتماعية ثقافية دينية ، يكون ذلك بواسطة خطة مسطرة و منهج منظم، و الخطاب الإصلاحي يعني الرجوع إلى الدّين على أن تكون حقائقه كما يقول الشيخ البشير الإبراهيمي مطابقة للعقل و تتفق مع قضايا العلم و تساير الحياة المدنية ولا تتعارض مع النشاط و التقدم، و لذلك يرى العلاّمة عبد الحميد ابن باديس ان الدين ليس عبادات فقط قد تؤدَّى بشكل صوري، بل هو عبادات و معاملات، هو سلوك و أخلاق و آداب ينبغي أن تظهر في حياة المسلم اليومية و في علاقاته مع الناس من حوله، و على المسلم كما يقول ابن باديس ان يفهم الدين في إطار أوسع بصفته محتوى حضاري، فهو يشمل الدين و الدنيا فلا "رهبانية" و لا "صوفية" في الإسلام، هكذا انطلق الخطاب الباديسي الإصلاحي من القيم الإسلامية النبيلة التي تمثل المرجعية الأساسية للأمة، فكان خطابا شموليا.

و الملاحظ أن ابن باديس كان يحرص اشد الحرص على تحديد المصطلحات فكان يضع كل مصطلح أو مفهوم في موضعه المناسب، حتى لا يخض المصطلح إلى التأويل او التمييع و حتى لا تقع الفتنة، كعبارة " إسلامي" التي تتغير مع تغير كل مرحلة و بالأخص في عالم السياسة، فنشيد "شعب الجزائر مسلم" كان له دور أكثر من سياسي، و هذا ليكون ردا على الإستعمار بأنه شعب موحد فلا وجود للطائفية أو العشائرية ( عربي، قبايلي، شلوي، تارقي، مزابي)، كذلك مفهوم "إصلاحي"، الذي أعطيت له معاني دينية و سياسية أيضا، فقد استخدم مفهوم الإصلاح وفقا لظروف و متطلبات كل مرحلة من التاريخ فكانت له ابعاد دينية، اجتماعية، سياسية و اقتصادية، حيث اعتبره البعض استراتيجية للوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها و هي الإست عند بعض الجماعات اتسم بالعنف و التطرف، بعد الثورة لأنه اعتمد منهج القوة في التغيير ، فيما عرف بالقاعدة و تنظيم داعش .

تشير بعض الدراسات إلى أن فكرة الإصلاح نشات عام 1663 إلا أن المتتبع لنصوص القرآن يجد أن هذا المفهوم جاء مع الوحي، و هذا يوحي بأن الله يعلم بأن انقسامات و حروب سوف تقع بين الشعوب و حتى بين المسلمين أنفسهم، و بالفعل ذلك ما حدث ، تمثل في مسلسل الإقتتال بين فريقين أحدهما معارض، رفعت فيه السيوف و الخناجر و سالت فيها دماء في زمن الخلافة الراشدة، ظلت "العدائية" و "الكراهية" بين المسلمين قائمة إلى أن تم الإعلان عن إلغاء الخلافة الإسلامية في 1924، فعن الجزائر مثلا لما زار الإمام محمد عبده الجزائر عام 1903 لم يكن راضيا على وضع الإسلام في الجزائر، فعمل على تقديم دروسا و محاضرات وعقد لقائات فكانت الإنطلاقة في انتعاش الحركة ، كان الإمام و المصلح محمد عبده أول من دعا إلأى فكرة افصلاح في العالم الإسلامي ، أنا عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تأسست في 05 ماي 1931 بنادي الترقي بالعاصمة فقد كان لها دورا هاما و مساهمة فعالة في تحقيق التوازن الثقافي و الحضاري و الذي بدوره أدى إلى تحقيق التوازن على المستوى السياسي، ذلك من خلال إنشائها الكتاتيب و المدارس القرآنية و الجمعيات، للإشارة و حسبما ذكرته المصادر، فإن أول جمعية طلابية تأسست في الجزائر هي جمعية ودادية تلاميذ شمال افريقيا بجامعة الجزائر سنة 1918 برئاسة الطاب بلقاسم بن حبيلس الذي كان يدرس آنذاك بكلية الحقوق.

كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقيادة ابن باديس تنشر دعوتها إلى النهضة الشاملة بأئمة لتعود إلى الحياة الحقيقية من جديد، فكان شعارها: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ( سورة الرعد الآية 11 ) و هذه تعني الوعي بالذات و تحرير الضمير ليكون إنسانا بحق، طالما هو ينتمي لأمة لها مقومات حضارية خاصة بها لا تقبل الذوبان، و لذا عكف ابن باديس على محاربة البدع و الخرافات و كل الآفات الإجتماعية من خلال بث الروح العصرية في العقول، كان ابن ياديس يقصد الطرق الصوفية وما ينجم عن أتباعها من سلوكات لا صلة لها بالإسلام، لاسيما و الصراع اشتد بين الإصلاحيين و المحافظين ( الشيخ العقبي و الطرق الصوفية) وصل إلى حد القطيعة ، كما عمل ابن باديس على تطهير المجتمع المسلم من كل الآفات الإجتماعية كالخمر و الفجور و الكذب و النفاق و الرياء و شهادة الزور، و كانت كل نشاطه ضمن مجالس الوعظ و الإرشاد لبناء نهضة عربية إسلامية حقيقية، و يلاحظ أن مشروع النهضة له ارتباط وثيق بالخطاب الديني ، وبدون خطاب معتدل لا يمكن تحقيق أي نهضة .

ما أجمع عيه العلماء أن الإمام عبد الحميد ابن باديس كان رجل فكر و رجل سلم ، و رجل دعوة، يعالج القضايا و المشكلات بتعقل و بصيرة و يزنها بميزان العقل دون تعصب أو توجيه كلام قبيح لمن يعارضه، كان يدعو إلى توكيد عرى الإخاء بين الناس ، داعيا إلى نبذ الإنقاسامات الطائفية و النعرات الجنسية و العرقية و حملهم على نبذ أسباب الشقاق كما حثهم على نشر الرقي الحضاري في تعاملهم من الآخر و التعايش معه و ذلك من التواصل العربي الحضاري الإسلامي مشرقه و مغربه.

كانت هذه أوراق قدمت في إحدى ملتقيات الفكر الإصلاحي في الجزائر نظمته جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة شرق الجزائر

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى