علجية عيش - دور النخبة الجزائرية في تعزيز اللحمة الوطنية و لم الشمل بين الأمس و اليوم

سؤال : من هي التيارات التي تمثل النخبة في الجزائر؟

ذهب مفكري علم الاجتماع المعاصر بالنظر إلى أن الأنظمة السياسية تحكم من قبل أقلية oligarchie وهذه الأقلية هي التي تمثل النخبة سواء تعلق الأمر بأسلوب انتقاء الحكام أو تعلق الأمر بطريقة سيرها نظريا كان ذلك أم عمليا، ليس الحديث هنا عن النخب الاجتماعية و هي فئة من الأفراد نجحت بشكل افصل في محيطها الاجتماعي أو تلك التي تمارس وظائف في الإدارة، و لذا فمفهوم النخبة عند هؤلاء المفكرين و منهم ريمون آرون يقوم على أساس نفسي أكثر منه اجتماعي لأنه في السياسة يعني القدرة على استخدام القوة


هي ورقة قدمتها حول ندوة فكرية تنظمها الرابطة الجزائرية للفكر و الثقافة حول تاريخية دور النخبة الجزائرية في تعزيز اللحمة الوطنية و لم الشمل بين الأمس و اليوم بالتنسيق مع المكتبة الوطنية الحامة يشارك فيها أكاديميين و شخصيات فكرية لتسليط الضوء على دور النخبة في الجزائر و ما ينتظرها من تحديات في ظل ما يحدث في الساحة الوطنية و الدولية لتقدم إسهاماتها في نهضة المجتمع المحلي و العربي، و هذا في الذكرى 64 لتأسيس الحكومة الجزائرية المؤقتة و هي تعد مبادرة أولى من نوعها للوقوف وقفة مع الذات و الضمير، ثقفها كل التيارات الفكرية و الثقافية و الإسلامية و الوطنية التي تنتسب إلى الوطن و القومية العربية و الإسلامية لتقيم حوارا وطنيا جامعا من أجل لم الشمل و الوحدة و تحقيق اللحمة الوطنية، لا يتحقق ذلك طبعا إلا إذا تنازل كل طرف عن عناده و نعتنه و التخلي عن الطائفية الثقافية وخلق جو ثقافي جزائري جزائري، جزائري مغاربي و عربي لا يحمل قبعة إيديولوجية كانت أو طائفية.

فقد عرّف مفكرون النخبة على أنها الصفوة المؤثرة في المجتمع و في الحياة الفكرية بوضع معلم مشروع بديل يتخذ من المرجعية الدينية و المرجعية الوطنية هوية متميزة لتنعطف بالجماهير انعطافا واعيا متحركا نحو الالتزام بهاتين المرجعيتين لمشروع النهضة و نمو حجم النخبة الوطنية و الإسلامية حتى تكون لها القدرة على أن تزاحم النخب المعارضة و بالأخص النخب العلمانية في المؤسسات و النقابات و الجامعات و الجمعيات و الأحزاب السياسية، فتخلق من السياسي و الديني عقلا واعيا يمكنه مواجهة كل التحديات الإقليمية و الدولية، و التصدي لكل من يحاول قلب الأوضاع و الذهاب به إلى الانسداد بغية الانتقام ليس إلا في وطن العروبة و الإسلام، الحديث هنا موجه إلى النخبة التي صنعها الاستعمار و أورثها التبعية ، الأمر الذي زاد في الانشقاق في الأمة و حتى بين أبناء البلد الواحد الذين انقسموا وتفرقت بهم السبل، ففيما يصر الطرف المحافظ على التمسك بالقديم ظنا منه أنه ثابت لا يتغير بعد أن أضفى عليه طابع القدسية، يرى الطرف الثاني أن الزمان يتغير بحكم الظروف و المعطيات، و الجيل الذي يأتي غير مطالب بأن يقلد الجيل الذي سبقه، فمن الصعوبة إذًا البقاء على إتباع القديم و العمل بمنهجهم في ظل التغيرات التي يشهدها العالم.

و النخبة من وجهة نظر منظري الفكر السياسي تعني مجموعة صغيرة من الأفراد تحتل مناصب عليا و لها نفوذ و سلطة الكلمة و القرار تعمل تجاه ما تبقى من أفراد المجتمع قصد توجيههم و إدارتهم أو الإشراف عليهم غير أن هذا التعبير يحمل شيئا من الغموض، و قد ذهب مفكري علم الاجتماع المعاصر بالنظر إلى الأنظمة السياسية على أنها تحكم من قبل أقلية oligarchie سواء تعلق الأمر بأسلوب انتقاء الحكام أو تعلق الأمر بطريقة سيرها نظريا كان ذلك أم عمليا، ليس الحديث هنا عن النخب الاجتماعية و هي فئة من الأفراد نجحت بشكل افصل في محيطها الاجتماعي أو تلك التي تمارس وظائف في الإدارة، و لذا فمفهوم النخبة عند هؤلاء المفكرين و منهم ريمون آرون يقوم على أساس نفسي أكثر منه اجتماعي لأنه في السياسة يعني القدرة على استخدام القوة، كانت العلاقة بين الشعب و الطبقة الحاكمة مبنية على مغالطات سياسية أفرغت كل شيئ من محتواه الفكري، القانوني، الأخلاقي و الإنساني كما أن هذه المغالطات أفرزت قيما دخيلة من اجلها قامت الثورات و الحروب الأهلية، فالصراع يظل دائما بين الداخل و الخارج، بين السياسي و العسكري و بين الديني و المتحرر فكرا و دينا، بحيث يرى المنفتحون على العالم أنه من غير المعقول أن يرفض المحافظون التطور ولا يرغبون في تجديد فكرهم تماشيا مع متطلبات العصر، و قد تجده يرفض المقارنة بين النافع و الضار في تحقيق الاستقلال الروحي ( أي التخلص من التبعية)، و محاربة القابلية للاستعمار.

ففي الجزائر مثلا وككل دولة عاشت تحت نير الاستعمار ورث أبناؤها من المفكرين و المثقفين إيديولوجيات و ثقافات و فلسفات لم يختاروها بمحض إرادتهم، درجوا في الحياة الفكرية و خاضوا صراعاتها فانقسموا و صار ما يعرف باليمين و اليسار و الشمال و الجنوب، فحدث ما حدث بعد ظهور الحركات الإسلامية التي رفعت شعار "الإسلام هو الحل"، أصبح كل طرف بعبر عن مشروعه و وجهة نظره بمختلف المصطلحات و المفاهيم: " الأصالة، الحداثة، الخلافة ، الإمامة، الدولة المدنية، السلطة الدينية، أسلمة الثقافة و مركسة الإسلام، الإصلاح و التجديد، الجهاد و الاجتهاد، العقلانية، التنوير، عالمية الفكر و الدين و اللغة و الثقافة، الإسلاموفوبيا، الإسلامقراطية، عولمة الأديان و غيرها من المصطلحات الدخيلة على المجتمع العربي الإسلامي، كان الصراع صراعا فكريا ثقافيا و حضاريا، كما كان صراعا دينيا إيديولوجيا في إطار ما يسمى بـ: " التنوير"، حيث اتخذه البعض مظلة فكرية و إطار ثقافي لمواجهة الإسلام بعدما وصفوه بالفكر الظلامي في محاولة مواجهة حضارات الجنوب و بخاصة الحضارة الإسلامية التي اعتبرها الغرب خطرا لا يمكن تقبله والتعايش معه.

هكذا كانت المواجهة بين الأصوليين و الحداثيين، السؤال الذي يمكن أن يطرح هنا هو كالتالي: من يشكل النخبة في الجزائر؟ هل الجيش و المخابرات؟ أم الحزب الحاكم؟ أم رجال الأعمال؟، فالصراع الذي وقع عشية الاستقلال من أجل السلطة أو كما سمي بـ: "صيف 62 " أي الصراع بين السياسي و العسكري و من هي الفئة الموجهة و دور الشعب الذي يمارس امتيازاته بواسطة الانتخابات و قبوله أو رفضه لقواعد اللعبة règles du jeu les حسبما ذهب إليه بعض المنظرين، فإن هذه الفئات الموجهة في المجتمع تشكل نخبة في السلطة بعيدة كل البعد عن التعددية ، لأنها تركن إلى صف ثانوي في ممارسة السلطة بينما في نظام التعددية هي وحدها التي تحدد الشكل و الإطار و هو ما حدث في الجزائر منذ دخولها التعددية، ظل الحزب العتيد ( الحاكم) باعتباره الموجه السياسي الأول و المتحكم في دواليب الحكم، بحكم ما يملكه من أغلبية في المجالس النيابية و المحلية، ثم الموجهين الحقيقيين لشؤون الدولة ( الجيش ورجال الأعمال) فهؤلاء الثلاثة يشكلون النخبة، إلا أنهم نخبة مختلفة و منافسه و ليس نخبة متجانسة حتى لو كانت مطلقة و من يُعارض فمصيره معروف.

حسب المنظرين عادة ما تكون المخابرات هي النخبة التي تكلم عنها منظرو الفكر السياسي مثلما حدث في الجزائر في اختيار الشاذلي بن جديد دون الاعتماد على مقاييس و معايير الخبرة و الكفاءة و القدرة على تحمل المسؤولية، فقد انتسب الجيش و المخابرات إلى هذه النخبة في الحرب العالمية الثانية و من هؤلاء النخبة الذين يؤثرون في كل قرار سياسي لدرجة أن الجيش بدأ يتدخل في السياسة و في الاقتصاد و يحتلون الآن مراكز السفراء أو مبعوثين خاصين، من هنا وقع الخلل و فقدت الدولة توازنها في فترة من الفترات خاصة بعد ظهور الحركات الإسلامية و خروجها للعلن و مطالبتها بتطبيق شرع الله، و من ثم صعب على تركيب السلطة الحقيقية التي هي عبارة عن علاقة سيطرة و خضوع، بمعنى من يسيطر على الآخر و من يخضع له و من له الحق في الوصول إلى مراكز إصدار القرارات، و كيف تتخذ هذه الأخيرة و من لديه تأثير أكثر في اتخاذ القرارات و من يجري الرقابة و هل هي متناسقة و منسجمة وغيرها من الأسئلة التي لم تجد لها جوابا إلى اليوم.

العديد من الدراسات التي أجريت لمعرفة طبيعة السلطة في النظم الغربية و حتى العربية، منها الدراسة التي قام بها الدكتور حسن ملحم الذي قدم المدن التي لا تتوافق و الصورة المثالية للديمقراطية في الانتخابات، ظهر هذا الصراع قبل الاستقلال، لم يكن لأحد من هؤلاء القادة الحق في أن يعارض، لأن زمام الأمور كان بيد المخابرات، عندما بدأ مسلسل الاغتيالات للقادة التاريخيين و الزعماء السياسيين دون معرفة الأسباب و الدوافع و معاقبة مرتكبي تلك الجرائم السياسية (المخططين لها و منفذيها و المتواطئين)، فهذه الصراعات و الجرائم السياسية كانت كلها من أجل الزعامة و التاريخ كشف من هم الزعماء الذين كانوا ضحية الأطماع السياسية في العالمين العربي و الغربي.

علجية عيش

تعليقات

خدعوها بقولهم نخب ليتهم كانوا نحيبا ....مساكين نحن أمام المصطلحات الفارغة..شكرالك على الجهد...تحيتي
 
أعلى