علجية عيش - جرائم الدّولة... متى ينتهي مسلسل الإعتقالات في الجزائر؟

جرائم الدّولة .. عنوان اقتبسته من كتاب الحقوقي الفرنسي جاك فرجاس الذي كان من أكبر المدافعين عن القضية الجزائرية ايام الإحتلال الفرنسي، و لعل الشعب الجزائري اليوم في حاجة إلى جاك فرجاس جزائري، ليضع حدا للممارسات التعسفية ضد الحراكيين، فالفرق بين 1990 و 2019 هي أن 2019 اتسمت بحراك شعبي سلمي لا يوجد فيها لا رشاش و لا أسلحة بيضاء ، برهنت فيه الجماهير الشعبية على تبنيها لغة الحوار و السلم و تمارس ثورتها بشكل حضاري، لم يجد الجيش فيها طريقة للتدخل، و الدليل أنه لم يخرج بمدافيعه و عتاده الحربي المخزن، لأنه أدرك أنه لا يستطيع مواجهة جماهير لا تحمل سلاحا سوى صوتها : " نريد تغيير النظام" .. " نريد دول مدنية لا دولة عسكرية" لم يكن هناك تصادما مع الجيش، الذي واجه الموقف باحترافية إلا أن فلسفة النظام ظلت قائمة عن طريق استمرار الإعتقالات للحراكيين لاسيما الشباب منهم، بغية قمعه وإسكاته عن المطالبة بحقوقه، لم تكن هذه المسيرات الشعبية السلمية لغرض اقتصادي، بل ضد نظام استغفل الشعب لسنوات و لعب على الوتر الحساس ( حبه لوطنه) فداس على مبادئ الثورة فحدث ما حدث و لا تزال جراح الضحيا تنزف و لم تندمل إلى اليوم.

فالمحاكمات مست شريحة واسعة من المعتقلين السياسيين و حتى الذين خارج السجون ، تهمتهم الوحيدة إما الإخلال بالنظام العام أو التجمهر الغير مسلح، الغريب أن الإعتقالات مست حتى جماعة من الأصدقاء التقوا أمام مقهى و وجهت لهم تهمة التجمهر الغير مسلح، طبعا هذه التهم تعيدنا إلى ما كتبه الحقوقي الفرنسي جاك فرجاس و هو يكشف جرائم الدولة، لإرهاب الشعب و تقييد حرياته، لا يزال النظام الجزائري يلعب على أعصاب الجزائريين الذين شاركوا في الحراك الشعبي، رغم بعض الإجراءات الخفيفة تمثلت في العفو عن البعض منهم و إطلاق سراحهم، و هي مبادرة ثمنها الجميع، إلا أن سياسة الترهيب و التهديد التي يقوم بها النظام لم تنته، بحيث لا تزال الإعتقالات مستمرة بتهمة و بدون تهمة ، تتم في شكل جرعات و باسم القانون، هذا القانون الذي أراد أن يصنع جماهير جامدة الفكر مسلوبة الإرادة، قانون يمنع فيه الشعب من التعبير عن رأيه في الأماكن التي يعبر فيها الشعب عن غضبه؟، فالجرائم التي ارتكبت في العشرية السوداء و بالضبط في محتشدات رقان هي شبيهة إلى حد ما الجرائم التي ارتكبها بول أوساراس ضد الجزائريين، بل هي صورة طبق الأصل لهذه الجرائم، كانت العدالة مقنعة بل معاقة (عمياء) إن صح التعبير.

و قد تحدث جاك فرجاس عن هذا النوع من العدالة la justice masquee تخضع فيها المجتمعات إلى قوانين حتى لو كانت قوانين "المافيا" و لو أننا اليوم نعيش في دولة المافيا التي نهبت المال العام و خربت الإقتصاد الوطني تترك المجرم الحقيقي الذي خطط للجريمة و تعاقب الذي ينفذها، هذه القوانين هي أصلا من البداية غير عادلة لأنها تعبر عن الهيمنة و الإستبداد، و لأن الإنسان زوده الله بالعقل و ميزه عن باقي المخلوقات، كان عليه أن ينتقد هذه القوانين و التعبير عن قطيعته للنظام القديم، نظام يعيش على مخلفات قوانين فرنسية قمعية، خاصة بعد ظهور تناقضات في المجتمع و في القوانين، ففي الوقت الذي يمنح الدستور الجزائري حق الإحتجاج السلمي يعمد النظام على ممارسة القمع تجاه الجماهير عن طريق الإعتقالات و فبركة تهم دون إثبات، لا تتوقف هذه عند الإخلال بالنظام العام أو التجمهر الغير مسلح و إنما قد تصل إلى تهم التجسس و العمالة لمخابرات أجنبية ، اي الخيانة للوطن ، هذه الممارسات سماها جاك فرجاس بـ: "الكوميديا القضائية" la comedie judiciare، فكان لابد من كشف هذا القناع و نزعه la justice demasquee من أجل إعطاء شرعية المحكمة وشرعية المحاكمة، و السؤال الذي بات يلح على الطرح الآن هو: هل لهذه المحاكات شرعية؟ و متي ينتهي مسلسل الإعتقالات؟ حتى يشعر المواطن الجزائري بالأمان و الإستقرار النفسي، فإذا ما استمر الحال على هذا الوضع لا شك أن أمورا ما ستحدث و تقع اضطرابات قد تقود إلى اشكال عنف أخرى و بلون أحمر.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى