علجية عيش - لماذا اختلف الطهطاوي و الأفغاني في قضية التسامح؟

لماذا اختلف الطهطاوي و الأفغاني في قضية التسامح؟

بإمكان الأمة الإسلامية استعادة حضارتها المفقودة لو مارست الحوار و حاربت التطبيع

يشهد الإسلام انتشارا واسعا رغم الصراعات بين الفرق الإسلامية ( السُنّة و الشيعة) و رغم الحروب الأهلية بين المسلمين، وهذا لأسباب عديدة تعود خلفياتها إلى الضغط الإستعماري الذي فرض هيمنته و ترك المسلمون يتخبطون كالدجاج المذبوح في مشكلات داخلية، فالعالم الغربي متخوف بالنبعاث الصحوة الإسلامية التي يسميها بالأصولية الخطيرة أو الإسلاموفوبيا و لذا فهو يتهم المسلمين بالتطرف و العنف و اللاتسامح، و لو طبق المسلمون شعار التَّسَامُحِ و تعايشوا مع بعضهم البعض و حاربوا التطبيع لأمكنهم النهوض بحضارتهم الإسلامية و بعث الهوية الجماعية، نشير هنا أن التطبيع مع إسرائيل و خيانة الأنظمة العربية للإسلام يجعل الأمة الإسلامية مهددة بالسقوط و الحضارة الإسلامية مهددة بالإندثار و بالتالي تظل الحضارة الغربية هي الأقوى

قبل الحديث عن التسامح وجب التذكير بالظرفية التاريخية التي نشأ فيها هذا المفهوم ليتضح كيف انه استمد مدلولته الأصلية منها و حتى يتضح أنه خارج هذه الظرفية يصبح هذا المفهوم غير إجرائي، لقد ترجمت إلأى اللغة العربية كلمة "توليرانس" و عرفها البعض بأنها تعبر عن التسامح، و لو أن التسامح لا يعني هذه العبارة التي في الحقيقة تعني تحمّل الآخر مهما كانت درجة الخلاف أو العداوة فمثلا لما نخاطب شخصا استقزنا وأغضبنا نقول له باللاتينية: vous etes intolerable بمعنى أنت لا تُحُتَمَل، وهي تختلف عن قولنا لشخص ما pardonne moi بمعنى سامحني ، إذن لاتوليرانيس لا تعني التسامح و لهذا يقع البعض في أخطاء اثناء ترجمة كلمات من و إلى، تقول الدراسات أن عبارة "توليرانس" tolerance وليدة حركة الإصلاح الديني الأوروبي و قد نشأ هذا المفهوم لحدوث تغير في الذهنية لإنتاج علاقة جديدة و هي علاقة الإعتراف المتبادل بين القوى التي استمرت تتصارع طوال القرن السادس عشر، اي إبّان الحروب الدينية الأوروبية، حينما حدث انشقاق داخل الدين الواحد، ثم تجاوزه بالإعتراف بالحق في الإختلاف في الإعتقاد ثم في حرية التفكيرو الرأي بوجه عام، و قد اهتم الفكر الإصلاحي الحديث لقضية التسامح، و لكن من منطلق مختلف تماما.


و للمقارنة نجد أن الإصلاحيين يعودان إلى كتاب مقدس للإسترشاد به وحده وهو الإنجيل الذي يعبر عن الإصلاح ( reforme) الديني الأوروبي و الإصلاح الديني السلفي الذي هو القرآن، فكلاهمها استهدفا محاربة عدوٍّ واحدٍ هو الشعوذة ، من وجهة نظر هؤلاء الإصلاحيين (الإسلامي و المسيحي) فإن محاربة الشعوذة يعني تطهير العقيدة، بيد أن شن الحرب عليها كان يهدف إلى تفويض السلطة الروحية التقليدية وفك قبضتها على الجمهور، و قد اشار باحثون إلى الإختلاف بين حركة الإصلاح الديني في اوروبا و حركة الإصلاح السلفية، الأولى ارتبطت بصراعات داخلية بين قوى اجتماعية معينة و حركة الإصلاح الديني السلفية كانت تحت هيمنة الغرب، أي تحت ضغط أحنبي، و كان لابد من مقاومته ( اي الغرب) للحفاظ على الهوية الجماعية، و يكون المطلوب من الدين أن يلعب دورا أساسيا في المقاومة و حفظ الهوية و هو دور مزدوج لضمان الهوية الجماعية، لقد وقعت صراعات داخلية أيضا بين المسلمين بسبب التعددية المذهبية و تعدد الحركات الإسلامية و اختلاف مناهجها و خطابها الديني، حيث استعمل بعض الإسلاميين المتعصبين مفهوم التسامح استعمالا خاطئا في عملية التطبيق، و أحدث هذا الإستعمال رد فعل عكسي، حيث روجت له قوى خارجية ( انجلترا، فرنسا و روسيا) تسعى باسمه إلى تحقيق أهدافها و أجنداتها، وقد فهمت المجتمعات المهددة بأن التلويح بشعار التسامح يستهدف تفكيكها و تسهيل التدخل الأجنبي، كما استعملت هذه القوى شعار التسامح، استعملت كذلك شعار الحرية الدينية لتمكين تغلغلها.

فالتسامح يعني قبول الإختلاف ماعدا في مجتمع مهدد من الخارج، حسب المحللين فإن المأزق الذي وقع فيه دعاة الإصلاح المسلمين هو أنهم وجدوا أنفسهم موزعين بين خلافة عثمانية ضالعة في الإستبداد و بين تهديد أوروبي فعجزوا عن إنقاذ وجود الأمة الإسلامية كون الإسلام الذي كان ينبغي ان يكون هو المُقَوِّمُ الأصلح للأمّة وجد نفسه يناقش المسألة الدينية نفسها ، لأن من المفكرين العرب من يقول أنه لا ينبغي الإعتماد على الدين في بناء الأمة، و من هؤلاء الطهطاوي و موقفه من الحرية الدينية التي أصبحت عنده تعني حرية الإجتهاد، و هنا وقع الإختلاف لأن مبدأ الحرية الدينية مبدأ ليبراليٌّ و الإجتهاد مصطلح أصولي، و يُسَلِّمُ الطهطاوي بأن الحرية الدينية هي حرية العقيدة و الرأي و المذاهب و لكن بشرط أن لا تخرج من أصل الدين، تشير الدراسات أن التسامح صادر عن الحرية الدينية، لكن وقع تغير في المفهوم فقط، في المقابل يقف جمال الدين الأفغاني ضد التسامح و يدافع عن نقيضه الذي هو "التعصب" و هذين المفهومين عنده أو في رأيه خاصة التسامح دعوة تخفي قصدا معينا و هو النيل من وحدة الأمّة التي هي مصدر قوة المسلمين، و التعصّب عند جمال الدين الأفغاني يأخذ مبدأ التضامن الديني، حيث اعتبره ضروريٌّ جدا حين تكون الأمة مهددة.


ودفاع الأفغاني عن هذا التعصب يواجه تعصبا آخر و هو التعصب الجنسي، و يُعَبِّرُ عنه بمحبة الوطن، أي ان الأفغاني يقف ضد مبدأ الجنسية، هذه الإشكالية تحتاج إلى تأويل أو تصدر عن تأويل لما يتداول من أفكار عربية إسلامية كانت أو غربية ، و التأويل هنا قائم بحكم إشكالية حددتها ظرفية تاريخية منذ وقوع العالم الإسلامي تحت الضغط الإستعماري وهو ما جعل إصلاح المحدثين من السلفيين كالأفغاني نفسه يختلف ضرورة مع إصلاح قدمائهم أمثال الغزالي و ابن تيمية، هذا هو التأويل الذي خلق صراعا بين الأصوليين و الحداثيين و لذا يرى باحثون و منهم الدكتور علي أومليل في كتابه الإصلاحية العربية و الدولة الوطنية أنه وجب إعطاء ظرفية الضغط الإستعماري بعدا أساسيا في التحليل و هنا يقع الدور على الفكر الإصلاحي الإسلامي الحديث أن يقوم بتأويل الأفكار الغربية التي وصلته و مقارنتها مع تأويلات بعض الفرق و المذاهب كالمعتزلة التي ترى أنه يكفي الإعلان بالإسلام عن طريق النطق بالشهادة ، اي الإقرار باللسان دون العمل، فمن خاصية التسامح كما يرى البعض هو أن المجتمع لا يجد حرجا في وجود غير المسلمين معه يعيشون في جوٍّ يسوده التعايش كمواطنين ( ذميين) .

و لنا في سيرة الرسول صلعم مثالا نقتدي به في تعامله مع ذلك اليهودي إلى درجة أن زاره لما علم بمرضه على الرغم من مخالفته له في الدين و العقيدة، فالرسول لم يكره أحدا في دخوله الإسلام و اعتناقه بل ترك الحرية التامة لغير المسلمين في الإختيار بل في ممارسة شعائرهم، و لم يكفر أحدا قبل نزول الآية ( قل يا ايها الكافرون الخ) و لم يخاطب الآخر بقوله أنت كافرٌ ، و يستخلص من هذا كله أن التسامح مع غير المسلمين هو من صميم فطرة الإسلام ، السؤال الذي يمكن أن يطرح هنا هو إن كان التسامح مع غير المسلمين من فطرة الإسلام فكيف لا يكون التسامح بين المسلم و أخيه المسلم؟ فالإسلام دين تسامح و دبن حضارة و دين وسطية و هذه الوسطية تعني استقامة المنهج و العدل و الإعتدال بلا ميل إلى الغلو و التعنت و التطرف و تكفير الآخر، مكنه ذلك بالإنتشار الواسع رغم الصراعات بين الفرق الإسلامية ( السُنّة و الشيعة) و رغم الحروب الداخلية ( الأهلية) بين المسلمين، و هذا لأسباب عديدة تعود خلفياتها إلى الضغط الإستعماري الذي فرض هيمنته في كل الجوانب السياسية، الإقتصادية، الثقافية و ترك المسلمون يتخبطون كالدجاج المذبوح في مشكلات لا حصر لها، فلو طبق المسلمون شعار التَّسَامُحِ فيما بينهم وتعايشوا مع بعضهم البعض و حاربوا التطبيع و واجهوا العولمة ، لأمكنهم النهوض بحضارتهم العربية الإسلامية و بعث الهوية الجماعية.


لقد ذهب في هذا الإتجاه كثير من الباحثين و منهم الدكتور محمد مجدان حيث أشار أن الدراسات المستقبلية الغربية تشير إلى أنه في حدود سنة 2025 سيكون الإسلام الديانة الأولى في العالم ، و في تقرير لمركز "بيو" للأبحاث تحت عنوان: مستقبل التعداد السكاني لمسلمي العالم توقعات 2030 بأن يكون عدد المسلمين بعد 20 سنة بنسبة 35 بالمائة، حسب التقرير نفسه أعلن مركز بيو أن 08 بالمائة من سكان أوروبا سيعتنقون الإسلام خلال سنة 2042 المقبلة، حيث يعيش حاليا أزيد من 44 مليون مسلم في اوروبا ( هذا الرقم ذكره المؤلف ابتداءً من 2015 السنة التي طبع فيها كتابه) و قد يرتفع العدد إلى أزيد من 58 مليون مسلم في سنة 2030 في العالم ، و بالتالي قد تتحول أوروبا كلها إلى قارة إسلامية، و لذا أصبح تزايد عدد المسلمين في العالم يشكل خطرا على غير المسلمين و تخوفا كبيرا لدرجة أن بعض الدول تسعى حاليا إلى تشجيع زيادة النسل بمختلف الوسائل و هي التي ابتكرت فكرة تحديد النسل.

هذه الإستراتيجية المستقبلية بالنظر إلى ما تحتله الأمة الإسلامية من قوة في العدد خاصة و هي تملك موقعا جغرافيا له قيمة و أهمية كبرى و استراتيجية عسكرية اقتصادية حضارية ( جيواستراتيجية) تمتد أطرافها من أندونيسيا والملايو شرقا إلى المغرب ونيجيريا غربا وهي ملتقى القارات و منبع الحضارات و مهبط و مهد الديانات السماوية و بالتالي فهي قلب العالم و مركزه the heart land ، و من شدة تخوفهم سموا الإسلام بالخطر الأخضر بعد أن تخلصةا من الخطلا الأحمر وهو الشيوعية، و يزداد تخوفهم بالنبعاث الصحوة الإسلامية التي يسمونها بالأصولية الخطيرة أو الإسلاموفوبيا و لذا فأوروبا تتهم الإسلام و المسلمين بالتطرف و العنف و اللاتسامح و التخويف أوكما يسمونه بالإٍهاب الإسلامي ، نشير هنا أنه في ظل التطبيع مع إسرائيل و الكيان الصهيوني و خيانة الأنظمة العربية للإسلام يجعل الأمة الإسلامية مهددة بالسقوط و الحضارة الإسلامية مهددة بالإندثار و تظل الحضارة الغربية هي الأقوى بل تزداد قوة، و الدليل واقع المسلمين اليون و انتشار الفساد في البلاد الإسلامية ( الرشوة و السرقة و الكذب و النفاق و التملق و شيوع الظلم ، فضلا عن ضعف في العقل أو الفكر الإسلامي فلم يعد المسلم يفكر و يبتكر و ساد التقليد الأعمى و هذا كله بسبب توقف ملتقيات الفكر الإسلامي و غياب الحوار و غياب الشورى و العدل و غلق باب الإجتهاد.

علجية عيش بتصرف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى