شكيب عبد الحميد - القصلوجيا

النافذة مفتوحة ينبعث منها ضوء ينصب على الزربية الحمراء. لون أبواب النافذة جوزي. الزربية تتوسط الغرفة. مكتب فخم في الزاوية اليمنى تتوسطه مزهرية. أوراق وردية في الجهة اليسرى من المكتب ذي اللون البني الفاتح.. منقوش الأرجل. مصباح للقراءة. أقلام تظهر من بعيد لا ملامح لها توحي بالكثرة وبتعدد الألوان.
قطة صفراء خافت لونها قد تسر الناظرين يطوّق عنقها جرس صغير.. عسلية العينين.. تحدق في السجاد بهرتها ألوانه.
طفل صغير يطل برأسه من وراء الباب. ذهبي الشعر قمحي البشرة. ابتسامته تبرق من بعيد. في أعلى السقف تظهر عناقيد الثريا عنب زجاجي يتدلى من جوانبها. في الجهة اليسرى كنبة بلون الزربية.. تناسق يوحي بالسكينة والهدوء والحلم. لولا رأس الطفل وابتسامته والقطة الصفراء والجرس في العنق وضوء الشمس لكان المنظر جامدا راكدا رتيبا.. فارغا.
- سي أحمد .. السي أحمد
استفاق من غفوته ومن تأملاته. أزال بصره عن اللوحة المعلّقة أمامه في غرفة الانتظار بمكتب المحامي حيث ينتظر دوره للدخول ليسمع رأيه الأخير في قضية الطرد التي تعرض لها من طرف رب العمل حينما أدلى بتصريح للتلفزة فضح فيه تلاعبات خطيرة حصلت في شركة البناء.
هبّ من مكانه. دخل.. وجد المحامي واقفا وراء مكتبه ماداً إليه يده ملوّحاً له بالبشرى.
خرج من المكتب وهو يكاد يطير من الفرح بل طار.. حلّق بعيدا في السماء كنسر كاسر بدت له المدينة كعلبة الثقاب وفراغات كفم مسوس.. حط على جبل. جلس القرفصاء يتأمل المدينة والسماء والبحر والأشجار وقطعان الأغنام .
منظر ساحر !
وضع عجيزته على الأرض وجدها هشة.. غرس أصابعه فيها.. امتلات بسائل لزج قرّبه منه فوجده عسلا، لعق أصابعه والتهمه بنهم حتى شبع إثرها، سمع طنين نحل آتيا من الخلف. التفت فوجد كل نحلة بحجم إنسان مرت فوق رأسه فتبعها على الفور محلقاً وراءها بلا جناحين.. تبعها إلى الحقول والمراعي يرشف رحيق الزهور.
تعب من التحليق. هبط إلى الأرض. أحس بمغص في بطنه دلف الى اقرب مرحاض في مقهى
"
وضع عجيزته على الأرض وجدها هشة.. غرس أصابعه فيها.. امتلات بسائل لزج قرّبه منه فوجده عسلا، لعق أصابعه والتهمه بنهم حتى شبع إثرها، سمع طنين نحل آتيا من الخلف

"
المدينة ..لم يشم رائحة كريهة بل وجد مادة لزجة. تحسّس مؤخرته لاشيء غير العسل.ضحك ..مكث في المرحاض مدة طويلة ..سمع دقات على الباب.. جمع سرواله.. فتح عينيه على إثر دقات عنيفة على باب منزله.. فركهما.. نظر إلى الساعة بجانبه.. السادسة صباحاً موعد ذهابه إلى ورشة البناء.. نهض وهو يلعن البيصارة التي افرط في اكلها البارحة .
انتهى من قراءة النص.. نظر إلى صديقه طالبا رأيه.. تزحزح هذا الأخير وبقايا ضحك مرسومة على شفتيه وقال:
- لغة النص سهلة.. القصة مشوقة سريالية تشد المتلقي وصمت
لا تنس أنها لم تنقح بعد، سأدخل عليها رتوشات وأغيّر وأشطب.. تصور معي المقدمة ووصف اللوحة انّك إذا تناولت الألوان ستحيلك على الخراء
ضحكات الصديق تعبر الغرفة
تأمل الغفوة ثم الحلم فاليقظة ماذا ترى؟
رايت ..
سترى تخوم السديم
دخان الحكاية
انشودة اللامعنى
لا تغرّنك السهولة
البحر الهادئ بركان والبساطة عدم
والوضوح عمى
كثيراً ما تنتابني نوبة اللعب بالصفاء واليسر والسهولة فأجدني أطير بجناحين.. أحطّ فوق الجبال.. اخرا عسلا وأتعالى أتعالى كصاحبنا الذي ما فتئ يطير ويتلذذ بالعسل الخارج من مخرجه فوجد نفسه عند اليقظة.. (انظر النص)
ربح قضيته وخرج جذلان من مكتب المحامي .. فضح تلاعبات خطيرة وتعرض لمضايقات وناضل من أجل حقه وطار من شدة الفرح
- لن أنشر هذه القصة
لماذا تساءل إبراهيم؟
لأنها ليست قصة.. إنها أنشودة أخيرة من سفر الإنشاء والتدمير حيث الماء بحر والمداد سديم. أردت فقط أن أسكت أفواها تتشدق برمي الشيطان بالجمرات بينما هي لم تمسح مؤخرتها من العسل .
جميل أن تتلذذ. تنكمش تتلاشى كصاحبنا الذي ناضل وطار وكصاحب النص الذي تحدى وطرح السؤال في ارض النزال وهذا ما كان.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى