علجية عيش - مالك بن نبي و تجاوز الثنائية المستقبلية "غرب تكنولوجي و شرق إسلامي"

(الأمير خالد: إن الجزائريين يخصون فحولهم)

إن الحديث عن المفكر الإسلامي مالك بن نبي هو حديث عن ماساة المثقفين في الجزائر و الإنتقاص من دورهم مهما عظم عملهم مما أدى إلى محو مظاهر الإبداع و قتل الروح الإبداعية في نفوس الجزائريين فانزوا على أنفسهم و هذا ما أدى إلى انقطاع في تواصل الأجيال، حيث تحولت الجزائر إلى سجن لذوي الفكر النيّر، فاي دور لأمة لا تعترف برجالاتها و مفكريها و مثقفيها و أي مجتمع هذا الذي يقوم على إلغاء الآخر و كما يقال طالما نحن على هذه الحال فلا غرابة أن يحكم الجاهل العالم و ينتشر التهريج الفكري و الهذيان الإيديولوجي، و هنا تحضر مقولة الأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر الشهيرة : " إن الجزائريين يخصون فحولهم" ما جعل مالك بن نبي يركب سفينة من عنابة إلى مرسيليا عام 1939 بعدما ضاقت به سبل العيش


ماذا نقول في الذكرى الـ: 49 لوفاة المفكر مالك بن نبي و كثيرون من كتبوا عنه و أنصفوا الرجل و جهوده الفكرية مهما كانت اللغة التي يكتب بها طالما هي تعبر عن مأسي الأمم و الشعوب العربية و الإسلامية شرقا و غربا شمالا و جنوبا، و طالما الفكر يسبق اللغة التي تعتبر وسيلة لإيصال الفكرة و ترجمتها إلى أفعال، كما تعتبر جسرا للتواصل بين البشر و في بناء الحضارات، فمالك بن نبي يعدُّ ضمن أعلام الفكر العربي و قد ترك بصمته في خارطة الفكر العربي الراهنة، فكان فكره موضع نقاش على مستوى كل الدوائر الفكرية الثقافية، و يُدَرَّسُ في الجامعات الغربية ، حيث حظي باهتمان كبير من قبل الطلبة و الباحثين الغربيين ، ماعدا في البلاد العربية، حيث توجد القلة القليلة فقط من اهتمت بفكر هذا الرجل الذي ينتمي إلى شمال افريقيا .
لقد واجه مالك بن نبي قضايا الساعة و ابعاد مستقبل الإنسان و هو يطرح إشكالية تتعلق بالقابلية للإستعمار، كان مالك بن نبي يكتب عن الإنسان و للإنسان، محاولا بفكره تنظيف المنطلق التاريخي كما يقال، في الوقت الذي عجز فيه مؤرخون في بعث الذاكرة التاريخية للأمم و الشعوب و بخاصة تاريخ الجزائر و المغرب العربي و تجاوز الثنائية المستقبلية " غرب تكنولوجي و شرق إسلامي"، عاش ملك بن نبي في جوّ اتسم بالصراع بين التقدم و التخلف حاول القوي أن يفرض سيطرته على الضعيف، في شكل الإستعمار و سعيه لمحو الذاكرة الجماعية عربية كانت أو إسلامية، محاولا شرح و تبسيط الظاهرة الإستعمارية التي تركت الشعوب تتخبط في الجهل و الأمية و جعل منهم عبيد ، فقد ظن الإستعمار الأوروبي ( الفرنسي) أن العالم المتأخر ليس له ماض تاريخي و يعيش خارج التاريخ.
حاول مالك بن نبي وضع المسالة التاريخية في إطارها اللائق بها ، فتحدث عن القابلية للإستعمار و كيف يمكن إعادة بناء الإنسان و نهضته الحضارية، ليؤكد من خلال كتاباته أن التاريخ لا يتوقف و هو يسير سير النهر، ردا على من قالوا أن التاريخ قد وصل إلى قدمي أمريكا و توقف و منهم فرانسيس فوكوياما، و كما يقول محللون فرؤية مالك بن نبي للتاريخ و للمستقبل معا ارتسمت في ظل صراع حضاري لا يمكن تجنبه، بل وجب مواجهته، فعندما أصدر مالك بن نبي كتاباته الأولى التي صاغ فيها نظريته حول شروط النهضة" في نهاية الأربعينيات بدات كتاباته نشازا في الحقل الإسلامي، طالب من خلاله إنشاء تكتلا واسعا على غرار "الكومنولث"، أما الحضارة بالنسبة إليه فهي مفهوم كوني يتجاوز الخصوصيات الدينية، و لها قانون كلي يصوغه على شكل معادلة كيميائية، و لذا اعتبر مالك بن نبي ان مشكلة الحضارة تتركز على ثلاثة عناصر هي: ( الإنسان، التراب و الوقت )، و يرى أن جميع الحضارات لها إمكانيات نهوض ذاتية لو اعتمدت على هذه العناصر الثلاثة و كذلك الذين الذي يعتبر عنصرا رابعا، و لعل كتاب الظاهرة القرآنية له اثر كبير في بناء الحضارة الإسلامية أو إحيائها إن صح القول.
حسب بعض المفكرين الإسلاميين ومنهم الدكتور السيد ولد أباه ، فقد طرح مالك بن نبي رؤية جديدة للإعجاز القرآني خارج المناهج البيانية و الأسلوبية التي هيمنت على الدراسات القرآنية القديمة و في مقابل الأطروحات الإستشراقية التي نفذت إلى الفكر العربي عن طريق المناهج الشكية الديكارتية ( طه حسين) أراد مالك بن نبي أن يتيح للشباب المسلم فرصة التأمل الناضج في الدين و في الحياة، وهذا بغية إصلاح المنهج القديم في القرآن الكريم باعتبار أن النص القرآني هو الدعامة المرجعية لسلوك المسلم و باستثماره يتم العمل على تغيير وجهة المجتمع المسلم و النهوض به من جديد.
رغم هذا الرصيد الفكري الذي اكتسبه مالك بن نبي و إصداراته التي تملأ اليوم رفوف المكتبات، إلا أن الرجل كان من المنبودين في بلاده و قد اعترفت بفكره جامعات غربية و نلمس ذلك في كتابه "العفن" و هو يتحدث عن خيبات الأمل التي لحقت به عندما تسارعت أحداث كثيرة في حياته، لدرجة أن الجامعة الجزائرية لم تقكر يوما في تنظيم ملتقى دولي للتعريف بالرجل و مناقشة أطروحاته الفكرية، تذكرنا هنا المقولة الشهيرة للأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر الجزائري عندما قال: "إن الجزائريين يخصون فحولهم"، و أضاف بالقول: أيتها الأرض العقوق تطعمين الأجنبي و تتركين ابناءك للجوع و هو الذي أوحى ايضا للشيخ الطاهر لونيسي ببيتين من الشعر قال فيهما:

جزائرنا لو حَلَّ بها زعيم كغاندي.. لظل يشكو من الفقر

و لو أتاها قوّاد منافق.. لشاد بها بنكًا على بنكٍ على بنكِ

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى