لحسن العسبي - مع عبدالكبير الخطيبي ذات زمن مضى وانقضى

تعود هذه الصورة التي ذكرني بها مجددا اليوم السيد الفايسبوك إلى سنة 1988 (هرمنا) بمكتب جريدة "الإتحاد الإشتراكي" المغربية القديم بالرباط الذي كان في الطابق الثالث لعمارة بشارع تمارة بحي المحيط، قبل الإنتقال إلى المكتب الجديد قرب محطة القطار الرباط - المدينة.. بالتالي فعمر الصورة هو 36 سنة بالتمام والكمال.

1.jpg

كانت فكرة الجريدة حينها أن يلتقي مفكرون ومثقفون وفنانون مغاربة مع شعراء وكتاب مغاربة شباب وأن يكون الحوار حوارا بين جيلين. أي بين شجرة سامقة ونبتة بالكاد تحاول التسامق في السما. وكان حوار افيه اندفاعة الثانيين في مقابل هدوء ورصانة وثقة الأولين.. كانت فعلا تجربة ممتعة ومفيدة جدا.
هنا واحد من تلك اللقاءات التي كنت طرفا فيها وأنا بالكاد أكمل 24 سنة من عمري مع المفكر والباحث المغربي المبدع الراحل عبد الكبير الخطيبي، بمشاركة الزميل يونس مجاهد (كان قد التحق حديثا بمكتب الجريدة بالرباط بعد إطلاق سراحه من سجن القنيطرة حيث قضى أكثر من 8 سنوات ورئيس المجلس الوطني للصحافة بالمغرب اليوم)، إلى جانب الصديق الشاعر والفنان التشكيلي احساين بنزبير الذي عشق مدينة إكس أونبروفانس بالجنوب الفرنسي وعشق واحدة من بناتها الجميلات وعشقته، حيث حلق بعيدا هناك وأصبح مواطنا فرنسيا له من رفيقة عمره فاليري كلا من: ناجي (تيمنا بالفنان الفلسطيني ناجي العلي) وديوتيما (تيمنا بإلهة يونانية). ثم الصديق الشاعر الحمزاوي الذي هاجر في ما بعد إلى روسيا ولا يزال هناك واختفى في الزحام.. كم غرَّبَتْنَا الأمكنة.
كان ذلك اللقاء سببا لنص طويل سيكتبه الدكتور الخطيبي حول اللغة في ما بعد بلوره من خلال نصه الروائي "صيف في ستوكهولم"، لأن النقاش كان حول الآخر وحول قيمة الهجرة كفعل ثقافي وكأثر حضاري.
كان الخطيبي ينصت، ثم حين يتحدث لم يكن يمارس أية أستاذية ما، بل كان يفكر معنا بصوت مرتفع عن ما كان يسكن أفقه المعرفي والأدبي. من هنا غنى الرجل. غناه في بساطته النافذة. في صدقه مع ذاته. في جرأته وشجاعته أن يقول رأيه أمام الحياة. وحين قرأت أول ما قرأت "صيف في ستوكهولم" سنة 1990 أحسست كما لو أنني أكمل ذلك الحوار الغني معه سنتين قبل ذلك. كان يقدم جوابه المكتمل عن ما بقي مفتوحا من أسئلة في تلك الجلسة الطويلة والممتعة معه.
هل لا يزال هذا الإنصات الثقافي والفكري قائما اليوم؟ أخشى أن يكون الأمر فيه الوصاية أكثر للأسف وفيه النمدجة أكثر (هذا هو المثال الذي عليك اتباعه لتكون نظيفا، مقبولا ومرضيا عنك)..
أعلى