عبير محمد النحاس - تلميذة الرومان.. قصة قصيرة

لم يتصور مصعب الخير يوماً أن تهواه تلميذة لأوفيد، لم يكن ليعلم -وهو من طلق الدنيا- أن ابنة الدنيا.. تلميذة الروماني ستكون مع حبه على موعد، بعد ألف ومئات من السنين. كنت تقرأ اسم أوفيد محفورا على حركاتها، وسكناتها، وابتسامتها...

كل ما فيها يشير إلى صانعها، وأستاذها...

كم أجادت دروسه، وأتقنتها.. كم أمالت عن الصواب قلوباً، وعرفت الفتى العطر، تنشقت.. أدركت.. وهي الخبيرة سحره، وكم فاق جودة ما كانت تعرفه، ويجلب إليها. أحبت الفتى أصيلاً منعماً، بدأت تتبعه في طرقات مكة، غير آبهة للهيب الحجارة تحت قدميها...

تتنسم عطره البديع.. تتنعم بأصله النبيل، وجمال طلعته.


دخل مصعب دار الأرقم، ودخلت معه.. جلس بخشوع أمام معلم الخير عليه الصلاة والسلام، وجلست تلميذة الروماني...

بكى مصعب حباً، وبكت توبةً.. أسلم مصعب في دار الأرقم، وأسلمت. طلق الدنيا هناك، وطلقت أوفيد.

أرسله المصطفى داعيا إلى المدينة، فأعدت حقيبتها مسرعة.. تركت زجاجات باريسية.. كل الأصباغ والحلي.. كل أثواب الفتنة...

وديوان أوفيد ملقى، يستعر غيظا. في بيوت المدينة.. أسلمت مع كل قلب هاده مصعب، وعاشت معه تتعلم فن الدعوة...

يوم الهجرة كان قلبها مع الواقفين يحلق عالياً.. تنظر إلى فرحة مصعب، وتبكي فرحاً...

عاشت رومانية الطباع في المدينة مع مصعب.. تزور بيت عمر، وتتهيبه، وتتعلم فنون الحرب من خالد، وأصول الإنفاق من عثمان.. عاشت مع أهل الصّفة سعيدة، وعاد أوفيد إلى بلاده يائساً.

في أُحُد كانت هناك.. تنظر إلى فتاها الشهيد.. تحاول تغطية قدميه ورأسه معهما فلا تفلح. ودمعت لدمع الحبيب على مصعب.. نادت: لمن تتركني؟.. أشار الفتى المعطر بريح أهل الجنة: إلى معلم الناس الخير.

أسرعت تقبل من تحت قدميه الشريفتين التراب، تعيش قربه، وتحفظ الكتاب الكريم. ولأنها تحب العطور، فقد احتفظت لنفسها بزجاجة جمعتها من جراح الشهيد. وما تزال تأمل لقياه يوماً، وتأمل بعطر الشهادة، من جرحها هي، كما فعل مصعب...



* من مجموعة: تلميذة الرومان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى