د. مصطفى أحمد علي - عيش..

"العيش" في المعجم الوسيط، الحياة وما تكون به الحياة من المطعم والمشرب والدخل، والعيش الخبز. ويقال عيش بني فلان اللبن، أي يعيشون عليه. وراق لي أن ازعم، دون تحقّق، أن الدكتور إبراهيم أنيس ورفاقه محرري المعجم الوسيط، وجلّهم من المصريين، أقحموا تعريفهم العيش بالخبز، دون رجوع إلى معاجم اللغة القديمة، انحيازاً للهجتهم المصرية، ولا تثريب عليهم!
ويطلق لفظ "العيش" في لهجة السودان النيلي، على الذرة بأنواعها: ماريق وفيتريتة ودَبَر ومايو، ويدخل في ذلك أيضاً، "الدخن"، الذي كان يأكله، حتى نهايات القرن الماضي( أما يزالون؟) غالب أهل كردفان ودارفور وتشاد، وما وراء تشاد. ويجوز أن يجمع اللفظ على "عيوش"، في الحديث عن الذرة بانواعها، وقد كان والدنا يردّد هذا الجمع عند ذكر سوق الغلال المسمّاة في نيالا، بجنوب دارفور، ب"الدخولية"، وهو اسم لا أدرك له اصلاً ولا كنهاً!
ومن ذلك أيضاً، قولهم " عيش الريف" دلالة على الذرة الشامية، والريف في لسان اهل السودان، دلالة على مصر، أما في تشاد، فإن الذرة الشامية تسمى " مصر"، هكذا، دون زيادة أو نقصان!
وقد غلب لفظ "عيش" في الدلالة على الخبز، في لسان اهل المدن في جميع أرجاء القطر، شرقاً
وغرباً وشمالاً وجنوباً، وما من شكٍّ في أن ثمّة تأثيراً مصرياً، وراء ذلك.
على أن لفظ "عيش" ينصرف أكثر شيء في لهجات دارفور( وربما كردفان) للدلالة على العصيدة المصنوعة من الدخن غالباً، والأمر سيّان، فهو " عيش"، طُبخ ام لم يُطبخ.
وقد ينصرف معنى " عيش" إلى المريسة، وهي خمر مصنوعة من الذرة، وفي ذلك يقول بعضهم لبعض، في سياق الفخر والتنافس:" ارقد يا عيش، أنا جرابك"!
وواضح بشيء من التأمّل، في ألسنة القوم، على اختلافها، في السودان الشرقي والأوسط وفي مصر، أن لفظ "عيش" يطلق على غالب ما يأكله الناس من قوت. وعلى هذه القاعدة يطلق عرب الخليج على "الرزّ" غالب طعامهم لفظ "عيش"، وعلى هذه القاعدة يمكن تفسير إطلاق المغاربة لفظ " الطعام" على الكسكسو، فلا ينصرف إلى سواه، و"الكسكسو" يا رعاك الله، هو غالب قوتهم.

د. مصطفى أحمد علي،
الرباط، مايو ٢٠٢٠م.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى