رسائل الأدباء ثلاث رسائل بين الأديب الأستاذ أحمد عبد الغفور عطّار والدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشرت هذه الرسالة في جريدة المدينة :العدد 6492 ،الجمعة 20 ربيع الثاني1405هـ. وكانت هذه الرسالة مفاجئة لي، كم أسعدتني، وحمَّلتني مسؤولية أكبر تجاه رسالة الكلمة، ورددتُ عليه برسالة نُشرت في ملحق الأربعاء، العدد (100) ،الصادر في 16\5\1405هـ.



الصفحات 1، 6 من رسالة المفكر الإسلامي والأديب الأستاذ أحمد عبد الغفور عطّار (مخطوطة) للدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد

صفحة 7 من رسالة مخطوطة الأديب الأستاذ أحمد عبد الغفور عطّار للدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد




1669405951574.png

1669406048891.png


***

ردي على رسالة الأستاذ العلامة أحمد عبد الغفور عطّار

والدي الجليل المفكر الباحث الأستاذ أحمد عبد الغفور عطَّار حفظه الله ومد لنا في عمره

لم أجد تحية أجمل من تحية الإسلام لأحييكم بها فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد..

إنَّها لحظات طيبة مباركة تلك التي تلقيتُ فيها رسالتكم الكريمة، والتي حملت بين طياتها حنان الأبوة الذي افتقدته، وعظمة العلم الذي بجَّلته، وتواضع العلِم الذي أجللته، وأدب الأديب الذي أكبرته، فلقد غمرتموني بفيض كرمكم، وكريم قولكم ، وكانت كلماتكم دَفَعات قوية تحثني على تخطي كل ما يعترض طريقي من عقبات لمواصلة السير لتحقيق رسالتي في هذه الحياة ، وهي المساهمة بفكري وعلمي المتواضعيْن في إصلاح مجتمعنا الإسلامي، وتصحيح مسيرته وفق النهج الإسلامي القويم، وقد اتخذتُ من القلم أداة لتحقيقه، إنَّها يا والدي العزيز لطريق جد طويلة وشاقة لا تخفى عليكم وعورة مسالكها، وكثرة منحنياتها، وخطورة منعطفاتها، وطول مداها، فلقد سلكتموها قبلي، وسبقتموني في اجتيازها، وتربعتم على قممها، وهذا شأن كل من يُفْنِي ذاته، ويحرق فكره ليكون الشمعة التي تضيء للآخرين سبل الخير والرشاد، أمَّا أنا فلا زلت في بداية بدايتها، وما قدمته حتى الآن على ساحتها يعد محاولات. وإن كانت هذه المحاولات قد استنزفت مني الكثير.

والدي الكريم: لقد وردت في رسالتكم الكريمة ـ الآنفة الذكرـ عباراتٌ كثيرًا ما استوقفتني؛ وإذ بي أجدها تلح عليَّ، وتطالبني بطول التأمل فيها، والتمعن في مراميها ، وأخذ الفائدة من مقاصدها، وما كان مني إلاَّ الاستجابة لهذا الإلحاح، فكانت هذه السطور التي سأدون فيها ـــــ بعد إذنكم ـــــ ما توصلتُ إليه بعد رحلتي التأملية الطويلة في جميل عباراتها، وعمق معانيها ولنبدأ: أولًا: بمضمونها العام، فهي في مضمونها العام تمثل تلاحم وتلاقي جيلين، جيل الرواد، وجيل الشباب من الأدباء في الوقت الذي يحاول بعض الأدباء الشبان ـ للأسف الشديد ـ إيجاد فرقة بين هذين الجيلين عندما طالبوا بإنشاء أندية أدبية للشباب، بحيث تصبح لدينا أندية أدبية للشيوخ، وأخرى للشباب، وإنَّها دعوة ممقوتة مرفوضة لأنَّها تهدف إلى تمزيق فكرنا الموحد، وتشتيت أجزائه، وخلق حواجز وسدود وموانع تحول بين تلاحم الفكرين، فكر الشيوخ، وفكر الشبان ، والذين بهما يتكون فكرنا . بل تهدف إلى جعل أدبنا بلا أصول، ولا جذوع يرتكز عليها، ويستمد حياته وأصالته منها ، فأدب وفكر شيوخنا يمثل الجذوع التي يتفرع منها فكرنا ـ نحن الشباب ـ بعدما ارتوت جذور تلك الجذوع من ينابيع الفكر الإسلامي الصافية، فهل يستطيع الفرع العيش والإثمار إذا فصل عن جذوره وأصوله؟ إنَّهم بذلك يحكمون على أدب الشباب بالفناء والموت.”

ثمّ قلتُ له:” لكم أثَّر في نفسي توقفكم عند كلمات الإهداء التي كتبتها لأبي رحمه الله في مؤلفي “المرأة بين الإفراط والتفريط” ،والذي شاء الله له أن يكون ثاني مؤلفاتي من حيث الإصدار ، وهو في الحقيقة أولها من حيث التأليف والإنشاء. والحقيقة إنَّني لم أوف والدي رحمه الله حقه بهذه الكلمات القليلة البسيطة المتواضعة ، فالتضحيات الكثيرة التي بذلها من أجلي، والمتاعب التي سببتها له ممَّا أضعف صحته وأرهقها أكبر من الكلمات ،وكثيرًا ما أحس بالعجز في التعبير عمَّا يدور في داخلي من فيض المشاعر تجاه أبي ، واعترف أنَّني لم امتلك بعد تلك الملكة التعبيرية التي أستطيع بوساطتها التعبير عمَّا يجيش به صدري ، وما يمتلئ به قلبي من حب لأبي ، وعرفان بفضله عليَّ ، وندمي على ما سببته له من متاعب، وهو في شيخوخته ـ من أجل تعليمي .لقد كان لي أكثر من أب وصديق افتقدتهما بفقدي له ، ويا ليت الكلمات توفي حقوق الآباء على الأبناء لسطرت ألوف المجلدات عن أعز الأحباب.!!

وأخيراً فقلد أخجلني ثناؤكم عليَّ ،ويا ليتني أستطيع تحصيل العلم الذي يؤهلني إلى الارتقاء إلى مرتبة العلماء ، فأنا لستُ بعالمة ، وإنَّما طالبة للعلم ، وما تحصلتُ عليه من علم هو قطرة في بحور علم أبي ــــــ رحمه الله ـــــ ، فهو جدير بلقب عالم ، وأهل له ؛ إذ جمع بين حفظ الأحاديث النبوية والتفقه في أمور الدين على المذاهب الأربعة ، وقد عُرض عليه القضاء ورفضه خوفًا من أن يكون أحد القاضيين اللذين يكونان في النار، كما كان متبحرًا في علوم السيرة واللغة والأدب والتاريخ ، وعلم تفسير الأحلام مستندًا في تفسيره لها على القرآن والسنة ، زيادة على أنَّه كان خبيرًا بفنون الزراعة والتجارة لممارسته لكل منهما ، بل كان يعشق الزراعة ، وأنفق عليها جل ماله .إنَّه كان بحق موسوعة علمية جامعة متعددة المعارف ، فمعلوماته التاريخية تفوق معلوماتي ، و أنا المتخصصة في هذا العلم ، فعندما كان يحدثنا ، ويروي لنا روايات تاريخية كنت أحس بضآلة أحجامنا نحن أبناء هذا الجيل الذي يعتقد معظمنا إنَّه تحصل على العلم كله إذا تخرج من الجامعة . فهذا هو أبي المتخرج من المسجد النبوي الشريف ، والذي تلقى علمه فيه يثبت لنا أنَّ مدرسته أفضل من أية جامعة من جامعاتنا المعاصرة ، فلقد كان رحمه الله يسأل أساتذة اللغة العربية مسائل لغوية ونحوية يعجزون عن حلها ، وأكثر ما كان يثير الدهشة هو تعجيزه لأساتذة الرياضيات في مسائل حسابية فاعترفوا أمامه بعجزهم ، وبتفوقه عليهم ، والذي كان يثير الدهشة اكثر وأكثر أنَّه يحل المسائل الجبرية وذوات المجهول والمجهولين في ذهنه دون أن يستخدم ورقة وقلمًا ، فلقد كنتُ أنا وأخوتي متفوقات في هذا العلم ، ولكننا مع هذا لا نستطيع حلها ذهنيًا مثله !!

إنَّه بحق رجل عبقري ، و لقد اعترف بعبقريته كل من عرفه عن قرب ، ومنهم أساتذته ، وإلى جانب كل هذا فلقد كان ذا حافظة قوية ، فلقد حفظ ألفية بن مالك ،وكثيرًا من الشعر ، ولم ينس ما قرأه في كتب السيرة والتاريخ ، فعندما كان يروي لنا الرواية ،أو الحدث يذكر لنا اسم الراوية والمصدر الذي استند عليه ،مع أنَّني لم أر أبي يقرأ كتابًا غير كتاب الله الذي كان يحرص على تلاوته في سره وعلانيته غيبًا ونظرا طوال فترة يقظته المليئة بصمته الطويل ـ حتى لفظ نفسه الأخير. فلقد أنجبني على كبر ، وهو في الستين من عمره ،ومع هذا كان يتذكر الكثير ممَّا قرأه ، ولقد فاتني تسجيل أحاديثه وتدوينها فقد كان حديثه لا يُمل ، ومجلسه لا يخلو من الطرائف والأحاجي والألغاز . وكان بشوشًا تشع أنوار الصلاح من وجهه إلاَّ أنَّه كان يكره الأضواء وتسليطها عليه ، لذا لم يعرفه إلاَّ المقربون منه ، والمنتفعون من علمه . ولم يخلف لنا أثرًا مكتوبًا ، وإنَّما ترك لنا رصيدًا عمليًا من السلوك الإسلامي ، والذي كان له أكبر الأثر في تكوين شخصياتنا ـ نحن أولاده ـ هذا الرصيد الذي كلما زاد تأملي فيه أخرج بكثير من المعاني والقيم والمبادئ التي انغرست في أعماقي ، وانعكست بلا شك على مؤلفاتي ، وعلى أسلوبي وفكري ، فكل مؤلف لي فيه بصمات لوالدي رحمه الله الذي قدم لي نموذجًا صادقًا وعمليًا للإنسان المسلم الحق المتخلق بأخلاق القرآن ، فأين أنا من هذا الرجل العالم الفاضل ، والعبد الصالح والمؤمن الزاهد والأب المثالي؟؟

فشكراً لكم من أعماق قلبي ، وصميم فؤادي على مشاركتكم الوجدانية لي ، والتي تجَّلت في هذه الوقفة الأبوية الحانية الصادقة التي لا أملك حيالها سوى الدمع الذي انهمر من عيني كالمطر ، ولم استطع إيقافها حتى كتابتي لهذه السطور ؛إذ سبقت كلماتي قطرات عبراتي.

وختامًا أدعو الله أن يمد لنا في عمركم ويحفظكم بالصحة والعافية ، وإنَّها لدعوات صادقة نابعة من قلب ابنة أسعدتها بنوتها لكم ، فهل يا ترى أسعدتم بأبوتكم لها ؟ّ




***


رسالة ثانية من الأستاذ أحمد عبد الغفور عطّار


ابنتي العزيزة الفاضلة الكاتبة المجيدة سهيلة زين العابدين حمَّاد حرسها الله

سلام الله عليك ورحمته وبركاته

وبعد: فقد تلقيتُ رسالتك الكريمة التي بعثتها إليَّ في 24 /4/ 1405هـ ، وسرَّني أنَّك بخير، واليوم الأربعاء 16/5/ 1405هـ قرأتُ رسالتك العظيمة الرائعة الموجهة إليَّ في “الأربعاء” العدد المئة الصادر في يوم الأربعاء 16/5/1405هـ ، ولئن سرَّني كل ما جاء في الرسالتيْن، فقد سرني إبداعك في أدب الرسائل التي قلَّ الإبداع فيه هذه الأيام . ولعلي الآن لا أستطيع أن أجيبك على رسالة الأربعاء لأنَّي أتهيأ للسفر إلى دمشق ، فعمَّان ، فالقاهرة ، وسأغادر جدة إلى دمشق بعد صلاة ظهر السبت 19/5/1405هـ ، ولهذا أرجأت الجواب إلى ما بعد عودتي بمشيئة الله إلى مكة المكرمة حرسها الله وحرسك أنت وأفراد أسرتكم الكريمة. وإنِّي لأتمنى لك من كل قلبي أن يهب لك الله الصحة والعافية والسعادة مقرونات برضاه عزَّ وجل ،ولك ولأهلك الدعاء والتحية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته










1669406091481.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى