علجية عيش - الشيخ أحمد سحنون و حديث عن المظلومية التاريخية للرجال

في ذكرى وافته و تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية

(من كتاب : كرونولوجيا الإغتيالات في الجزائر من الثورة إلى العشرية السوداء تأليف المتحدثة)

مرت 19 سنة عن وفاة إحدى الشخصيات الإسلامية في الجزائر و هو الشيخ أحمد سحنون الذي توفي في يوم الإثنين 08 ديسمبر 2003 تحت الإقامة الجبرية تاركا رصيدا فكريا لاسيما كتابه: " دراسات و توجيهات إسلامية" و هي مقالات نشرت في مجلة الشهاب و جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كتاب آخر بعنوان: "كنوزنا" يقع في 300 صفحة و ديوان شعر تحت عنوان: ( شعراء الجزائر) يضم 196 قصيدة و غيرها من الإصدارات التي أرخت لفكر الرجل,
t%C3%A9l%C3%A9chargement%20%2820%29.jpg
لعل الكثير من يعتقد أن الإغتيال يتوقف عند تنفيذ الجريمة أي القتل المادي بمختلف أشكاله و تعدد وسائله و لعل الكثير لا يعرف أيضا من هو المجرم الحقيقي هل هو المخطط للجريمة أم الذي ينفذها؟ ، و الحقيقة هي أن المحرض على القتل مسؤول كالقاتل، و المحرض أكثر إجراما من الذي يرتكب الجريمة ، لأن المحرض هو صاحب الفكرة و هو المحرك الأول، أما المنفذ فهو آلة بيده، هذا بالنسبة للإغتيال المادي، أما الإغتيال المعنوي فهو أن يقتل المرء روح غيره دون أن يؤذي جسده، هو الذي يدمر حياة الإنسان بجهله و لاوعيه، فكيف يعاقبهم القانون و هم صانعوه؟ يقتلون و يعتبرون أنفسهم مثالا للعدالة، فكثير من القادة التاريخيين و مسؤولين كبار في الدولة و معروف بمشاركتهم الثورة الجزائرية بل صناعها، تم تهميشهم و إقصاؤهم و بعضهم وضع تحت "الإقامة الجبرية" بل أن بعضهم تعرض لمحاولات اغتيال و لكنهم نجوا من الموت،فالشيخ أحمد سحنون من الذين آمنوا بأن القضية ليست قضية فرد بقدر ماهي قضية أمّة و تاريخ و نهضة، و من الذين تعرضوا لـ: "الإغتيال المعنوي" بعضهم لا يزال على قيد الحياة و آخرون رحلوا عنها و منه الشيخ أحمد سحنون الذي توفي و هو تحت الإقامة الجبرية.

و الشيخ أحمد سحنون رحمه الله مؤسس و رئيس رابطة الدعوة الإسلامية، هو من مواليد 1907 بقرية ليشانة التابعة لولاية بسكرة بالجنوب الجزائري و هي مدينة عريقة في الأصالة، تختزن تاريخا ثقافيا و حضاريا ضخما، توفيت والدته و هو لا يزال رضيعا حيث تولى والده تربيته، و حفظ القرآن و عمره 13 سنة، و تتلمذ على يد عدد من شيوخ الزوايا و لما اشتد عوده التحق بمدرسة الشبيبة الإسلامية بالعاصمة في سنة 1936 وبالمدرسة توطدت علاقاته مع ابرز رجال جمعية العلماء المسلمين، و بالأخص الإمام عبد الحميد ابن باديس، عمل الشيخ أحمد سحنون في بداية الأمر كمدرس و كمصلح تربوي و من داخل المساجد شحذ همم الأجيال في اتجاه الصمود في وجه موجات التغريب و الإستيلاب الحضاري لدرجة أنه شكل تنظيما سريا فدائيا داخل المسجد كان ذلك سنة 1953، و مكنه العمل الفدائي من الإلتحاق بالثورة، و قد خيره الإستعمار بين التعامل معه أو الإعدام فكان له الخيار الثاني.

عاش الشيخ أحمد سحنون حياة السجون إلى غاية الإفراج عنه سنة 1959 ، إلا أنه ظل مطاردا فقامت جبهة التحرير الوطني بتهريبه، بعد الإستقلال ضمه الشيخ البشير الإبراهيمي إلى لجنة الإفتاء الشرعي و كانت هذه اللجنة تضم كبار العلماء، كما تم تعيينه كإمام بالمسجد الكبير بالعاصمة و عضوا في المجلس الإعلامي الأعلى إلى غاية 1968 م، لم يكتف الشيخ أحمد سحنون بالعمل الفكري بل كان له دور كبير في بناء حركة الصحوة، حيث انضم إلى جمعية القيم التي أسسها المرحوم الهاشمي التيجاني، و بسبب مواقفه و أطروحاته تم عزله عن وظيفته، ليتفرغ للعمل الدعوي، وفي سنة 1981 اعتقلته السلطات مع عدد من علماء الجزائر و إطارات الصحوة و في مقدمتهم رفيق دربه الشيخ عبد اللطيف سلطاني و قضوا مدة في السجن ثم الإقامة الجبرية، في 12 نوفمبر 1982م اجتمع مجموعة من العلماء منهم: الشيخ أحمد سحنون والشيخ عبد اللطيف سلطاني والدكتور عباس مدني و وجهوا نداءً في شكل بيان يتكون من 14 بندًا يطالبون فيه بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، كما دعوا إلى اعتماد توجه إسلامي للاقتصاد، ومحاربة الفساد، وطالبوا بإطلاق سراح المعتقلين و نددوا بوجود عملاء أعداء للدين في أجهزة الدولة.

و بعد توقيعه على البيان الآنف الذكر، اعتقل الشيخ أحمد سحنون من جديد و وضع رهن الإقامة الجبرية حتى عام 1984م ، و في سنة 1989 تم تأسيس (رابطة الدعوة الإسلامية) برئاسة الشيخ أحمد سحنون؛ وذلك لأنه أكبر الأعضاء سنًّا، حيث كان عمره 83 عاماً، وكانت الرابطة مظلة للتيارات الإسلامية كلها، ومن بين أعضاء رابطة الدعوة: (محفوظ نحناح، عباس مدني، عبد الله جاب الله، علي بلحاج، ومحمد السعيد)، و كانت أهداف الرابطة: إصلاح العقيدة ، الدعوة إلى الأخلاق الإسلامية، تحسين الاقتصاد المنهار في الجزائر و النضال على مستوى الفكر، بالإضافة إلى إجراء حوارات عديدة في (رابطة الدعوة) كان من نتيجتها بروز تيارات متعددة أهمها (الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، وفي سنة 1996 تعرض الشيخ أحمد سحنون لمحاولة اغتيال اثناء صلاة الفجر بمسجد اسامة بن زيد بسبب إصراره على المحافظة على خطه الإستقلالي المتوازن و رفضه أي محاولة استغلال له في تبرير ما يكان يجري في البلاد من صراع و مواجهات دامية، على خلفية حرمان الجبهة الإسلامية للإنقاذ من تجربة حظها في إدارة شؤون البلاد بعد فوزها في الإنتخابات البلدية و التشريعية معا، و ظل الشيخ أحمد سحنون على مواقفه و رغم الإقصاء، فقط ظل الرجل واعيا بأهمية الرسالة الإبراهيمية بحيث ظل يسير على خطاها إلى أن توفي يوم الإثنين 08 ديسمبر 2003 تاركا رصيدا فكريا لاسيما كتابه: " دراسات و توجيهات إسلامية" و هي مقالات نشرت في مجلة الشهاب و جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كتاب آخر بعنوان: "كنوزنا" يقع في 300 صفحة و ديوان شعر تحت عنوان: ( شعراء الجزائر) يضم 196 قصيدة و غيرهامن الإصدارات التي أرخت لفكر الرجل، و قد كشف الدكتور الطيب برغوت عن مفاتيح القوة و القدوة في شخصية الشيخ أحمد سحنون في كتابه بعنوان: " "أسرار القوة و القدوة في المسيرة الرسالية" للشيخ أحمد سحنون صدرت طبعته الأولى في 2011 عن دار النعمان للطباعة و النشر مع مجموعة من الوصايا التي تركها الشيخ سحنون للأجيال القادمة.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى