جمال الغيطاني - الليلة الأولي

أخيراً تخلو إلي نفسها ، تغلق باب غرفتها منهكة متعبة تصغي إلي الليل الذي انتصف منذ حوالي نصف ساعة إلي الطريق الذي تطل إليه من ارتفاع خمسة طوابق ، بعض الأصوات كانت تسمعها أثناء انتظارها عودته من الليالي التي يتأخر خلالها ، إذ يعرج على أسرته ، يزور أشقاءه أو يسهر مع صحبة في المقهى . إغلاق باب ، مرور عربة مسرعة . نباح كلب ضال . أصداء أحاديث بعيدة غامضة، اعتادت ألاتغفو قبل قدومه وانتظار خلغه ملابسه وجلوسه قليلآ بالصالة سؤالها التقليدي .: ” تعشيت ؟ ” .
مع أنها تعرف عادته، تناول كوباً من اللبن مع كعكة يابسة ، وكثيراً ما كان يشكو متاعب معدتة ، كأنه على وشك لكنه لايقيء ! هل كانت الأعراض علامات لم يقدرها . ولم تتوقف عندها أيضاً .
كانت تبدي جزعاً مفتعلاً ، إذ تذكر قول أمها أن الرجال كالأطفال يحبون الشكوي دائماً ولفت النظر بإظهار الأمراض علاجهم الأهمال ، لكنها الحق ابدت اهتماماً في كل مرة كثيراً ما نصحته بالذهاب إلي الطبيب ، يبتسم قائلاً أنه جاء من أسرة كادحة ، لم يكن أحد أفرادها يبلغ العيادة أو المستشفي إلا وهو علي حافة الحظر المرة الوحيدة التي شعرت فيها يدنو الخطر منذ أسبوع عندما صمت فجأة أثناء جلوسهما أمام التليفزيون ، مال إلي الأمام ممسكاً بصدره ، البنت فزعت لن تنسي ضجتها أبداً ” بابا .. بابا ” ، أطلق ريحاً متتابعاً بصوت متتابع حاد ، انفرط فوق الأريكة الغريب أنه لم يشك بل ابتلع ريقه ، فتح عينيه ، طمأنها ، قال أنها الشمس التي مشي فيها حوالي ساعة تجرع كوب اللبن الذي أعدته المسكينة الراقدة ، الآن كالمغشي عليها بعد أن فراها الفقد المفاجئ .
الفراق صعب …
لكم ضاقت بهؤلاء النسوة أقاربها ، جاراتها زحمن البيت ، دموعهن علي أنفسهن مواجعهن القديمة والجديدة بعضهن رحن يثرثرن ، ويتحدثن همساً عن مشاكل فلانة مع علانة أو زوج رمي عينه علي أخري ونوي أو ارتفاع أسعار الخضر الوحيدة التي بدا حزنها جللاً صعباً شقيقته ، لم تتزوج حتي الآن تعيش بمفردها تقترب من الخمسين لكنها تبدو وكأنها تجاوزت الستين مال بختها ، كان أمرها يشغله لا يخلف زيارته الأسبوعية لها ، كان يحن عليها وكانت تثق أنه يساعدها بجنيهات قليلة من المكافأت الإضالة التي لا تعلم عنها شيئاً .. بالطبع مرتبها الضئيل لا يكفيها من عملها في مكتب المحامي الذي التحقت به بعد حصولها علي دبلوم التجارة المتوسط من المدرسة المسائية بالفجالة ساعدها أحد معارفه من المقهي أخذها عنده سكرتيرة كانت تتردد نادراً علي البيت ، حتي أنها لم تأت في الأعياد .. لا .. بعض الأعياد .. ألم تكن هنا في العيد الصغير السنة الماضية ؟ كانت تتصل أحياناً ، وإذا رن الهاتف في المساء يرد عليها جزعاً ما الذي آخرها هذه الساعة ؟
يطلب منها سرعة العودة إلي البيت والتأكد من إغلاق الترياس والقفل البلد غير آمنة ، كان يخاف عليها وكأنها طفلة مع أنها تكبره بعامين مرة قالت له بعد انتهاء مكاملة :
” أنها ليست صغيرة ”
أجابها متمهلاً ، أنها وحيدة وما من أحد إلي جوارها
ربما تمني المجئ بها وإقامتها هنا .. لكن البيت ضيق وهي منطوية قليلة الكلام من يطيق نفسه في هذا الزمان حتي يطيق الآخرين ؟ أحياناً تتصل تسأل عن الصحة والاحوال عن أبنة شقيقها ، أخبارها في المذاكرة ، أحوالها ، إذ تطول المكالمة ، تضطر إلي تنبيه ابنتها إلي المحاضرات التي يجب أن تنفل وضرورة النوم مبكراً وتشير بيدها للإسراع عندئذ تقول :
” والنبي تعالي ياعمتي . إنا نفسي أشرفك قوي .. ”
لا .. لم تكن قاسية لكنها كانت تخشي بشكل غامض علي وحيدتها ، أن تلقي مصير عمتها أن يفوتها قطار الزواج علي أي حال لم يفتها قطار الزواج لم تقصر معها ، كانت تبتسم في وجهها خلال مرات قدومها النادرة ، بل تصر علي بقائها لتناول الغذاء . وإذ تصر علي الذهاب يصتاعد تصميمها واحتجاجها .
” معقول إن تجيئي ولا تكسري لقمة في بيت أخيك ؟ ! ”
بعد إنصرافها تشعر براحة هل ضايقه وهن الصلة بينهما ، من ناحيتها لم تقصر في الواجب إلا يكفي تغاضيها عما كان يدفعه لها عن جنيهات كان بيته أحق بها ؟ لو أنها امرأة أخري لأثارت له المشاكل ، لكن لماذا بدا حزيناً في أو حلم يأتيها فيه ؟ … في العصر بعد أن ألحت علي ابنتها كي تأكل لقمة ، منذ أول أمس لم يدخل معدتها لقمة كمداً لم تطبخ لم تنزل السوق لم تستطع ترتيب البيت الذي اختل نظامه حتي أنها لم تجمع حاجاته المتناثرة في البيت إلا قبل الغروب ملابسه الداخلية فوق الغسالة وحذاؤه في نفس الموضع الذي اعتاد أن يخلعه فيه ، قرب المدخل ولكم أبدت الملاحظات أن ينظم تغيير ثيابه .
ولم يجبها إلا مداعياً ، كان لديه قدرة علي تجنب الشقاق لأسباب يراها صغيرة ولا يعلم أنها كفيلة بإثارة أعصاب أي ست !
أما نظارته الطبية فكانت إلي جوار التليفزيون ومحفظته الجلدية القديمة والحقيبة الجلدية التي يضع بها أوراقاً تخص شغله ، لا تعرف شيئاً عنها جمعت هذا كله بدون ترتيب أخفته وراء الكنبة البنت كلما نظرت إلي حاجات إبيها تعض أصابعها وتخمش وجهها .
” سابيني لمين يا بابا ”
ما أزعجها نها نفس العبارة التي رددتها شقيقاه ولكن بدون عويل لحظة حملهم الجثمان لوضعه في الصندوق الذي فتحوه عند مدخل البيت فارقها صمتها الغريب ، انحنت فجأة تعلقت بالجثمان الملفوف تشنجت أصابعها .
” سابيني لمين يا اخويا .. ”
أحاط بها من تعرف ومن تجهل همسوا في أذنيها بآيات مهدئات ، وسمعت أحدهم يقول بحسم .
” ما تخليش أخوك يتبهدل ” …
عندها ارتخت أصابعه بقيت شاخصة ذاهلة لم تبدل وضعها ولا ملامحها حتي بعد أن غص البيت بالمعزين .. ومالت عليها امرأة محسنة ترجوها ملحة أن تلطم أن تبكي أن تشق هدومها ، ولكنها لم تنطق وآخر العزاء قامت أصرت علي الانصراف مشت مصممة لم تصافح أي إنسان لو أنها بقيت لأصبحت عبئاً علي البنت ، صمتها فظيع حتي عندما جاءت احتضنت أبنة شقيقها لدقائق وبدا أن كلا منهما تستنجد بالاخري تستند عليها وعندما سأل أحد الجيران ” هل أوصي ” ؟
كانوا يتحدثون عن المسجد الذي ستتم فيه الصلاة ، لا تدري كيف سمعت خرجت من الغرفة الداخلية وقفت وسط الرجال مشيرة بأصبعها محذرة منذرة ..
” في الحسين .. في سيدنا الحسين ”
متي أوصاها بالصلاة عليه في مسجد الحسين ؟ لم يخبرها بذلك علي يشعر أن أجله يدنو عندما بدأت الأزمة ظنته تعباً عارضاً وبعد خروج الطبيب الشاب صاحب العيادة الجديدة عند الناصية والذي جاء بعد انتهاء عمله فيها ، قال إنها أزمة قلبية ، ولا يمكن نقله لكم يمكن تلقيه العلاج هنا ، لحظتها لاح لها النذير ، لكنها بعد دخولها عليه ، وابتسامه في وجهها استعادت ما سمعته عن آخرين فاجأتهم تلك النوبات مرات ونجوا منها لم تفارقه حتي الفجر كانت ملامحه التي تبدلت فيما بعد هادئة مستكينة بل أنه ابتسم مرات عندما نظر إليها ، عدا كرشمة النفس التي لم تعهدها قط ، كل ربع ساعة أو عشر دقائق تقريباً يسألها عن الساعة كأنه علي موعد كأنه توقع زائراً أو ظهور علامة حتي إنها قالت مرة : لماذا تسأل عن الساعة ؟ .. الليل ما زال بعد طويلاً ..
ليلها هي الذي طال لم تعرف هذا الصمت .. وكأن وجوده كان يبدده ، عند لحظة معينة تختفي كافة أصداء الطريق والبيوت المجاور كأنها لحظة مجيئها الأولي إلي الدنيا ، تركها مبكراً ، خلا بها تكاد تنطق ما يدور داخلها ، توشك أن تلومه وكأن الأمر كان بيدها ، تلك صورته تعدل وضعهابحيث لا تواجه ملامحه السرير دائماً كان عنيداً بصمته لكم ألحت عليه أن يسافر مثل زملائه ، انتداب أو إعارة في بلد عربي لثلاث أو أربع سنوات ، لكنه لم يقدم لم يسع قالت إنها بحاجة إلي إدخار مبلغ للزمن للبنت التي سيجيئها ابن الحلال بعد سنوات قريبة تكاليف الحياة في إزدياد وما كان يكفيهم أمس لا يصلح اليوم ، لكنه كان يسمع من اليمني ويخرج كلماته من اليسري وإذا ألحت يقول بصوته الهادئ .
” هل ينقصنا شئ ” ..
فتجادله متسائلة ، هل الدنيا أكل وشرب ؟ ومرة قال إنه لا يطيق الغربة ، أو البعد عن مصر ، مصر ، ماذا أخذوا من مصر غير وجع القلب وصعوبة الأحوال وقضائه الوقت بالمقهي ؟ لو فاجأته الازمة أثناء عمله هناك ربما نقلوه إلي مستشفي حديث وأمكنهم إنقاذه لو طال به المرض هل كان لديهم ما يكفي مصاريف المستشفي ؟ وأي علاج كانت ستقدمه المصلحة لكنه لم يصغ إليها قط ، مرجد مبلغ صغير لا ينقع ولا يضر في دفتر التوفير ولولا أنه استخرج الدجفتر باسم البنت لكان دون صرفه أهوال وإجراءات تكلف أكثر من قيمته من مصاريف محكمة وأعلان وراثة وربما تدخل شقيقته معها لتأخذ نصيبها .. لا لم يحسن التصرف وفارقها بلا عون .
تقف في الغرفة التي تبدو فسيحة أكثر رفضت بنتها أن تنام إلي جوارها ، مكانه قالت بحزم مؤثر إنها تفضل النوم في سريرها .
بعد الظهر جاءت جارتهم في الشقة المقابلة بطعام الغذاء ، طبق بسلة ونصف دجاجة وأرز وثلاثة أرغفة ، شكرتها متأثرة تمنت ألا ترده في مناسبة وحشة ، البنت بكت نظرت إلي مكان والدها لسنوات طويلة لم يأكلوا إلا معاً كانت تنتظره حتي لو تأخر ، رجتها طيبت خاطرها .
منذ الأمس لم يدخل بطنها لقمة ، وحتي تشجعها بدأت تأكل ، منذ لحظات أطلت لتطمئن عليها ، نادتها بصوت خفيض لم تحبها أصغت إلي أنفاسها المنتظمة عادت إلي غرفتها ، أبقت الباب مفتوحاً .
عندما اضطرت إلي الإغفاء عصراً ما بين يقظة غير مكتملة ونوم لو توغل فيه جاءها مع أنها سمعت يوماً من تقول باستحالة ظهور الميت قبل سبعة أيام .
رأته في الصالة بالضبط في نفس المكان الذي اعتاد قراءة الصحف فيه غير أنه كان يثني ساقاً تحته ويفرد الأخري بينما يميل إلي الأمام عاقداً يديه أمام صدره، يرتدي ثياباً قاتمة يبدو حزيناً ، حزن لم تعرفه منه ، مزموم الشفتين مجهد العينين ، يتطلع بأسي صوب ابنته وشقيقته وقفتا أمامه تبدو المسافة شاسعة رغم ضيق الصالة كأنه يود أن يقول شيئاً لكنه لا يقدر .
تقعد علي حافة السرير ، الحق أنه كا حنوناً كريماً في حدود قدرته لم يبخل علي ابنته قط لم يدعها تنطق بما تحتاج إليه يوما طلبت علي استحياء حذاء رياضياً مرتفع السعر لم يتأخر ولم يتردد مع علمها أنه لم يبق لنفسه مليماً من مصروفه لشهر كامل لم يدخن لم يذهب إلي المقهى إلامرة ، كثيراً مارددُت ..
” يابختك بأبوك ” ..
لكنه حيرها أيضاً .. خاصة تردده إزاء أمور بدت لها ضرورية ، وغبدائه أسباباً غريبة ،عندما ألحت في بياض الشقة قال لها إن ذلك سوف يسبب له إزعاجاً . عمال غرباء سيدخلون ويخرجون ، وأثاث يجب فكُه وتركيبه ، ثم إن طلاء الجدران ما زال نظيفاً ، ما الداعي إذن ؟ كل الجيران أعادوا تبييض شققهم ن بعضهم لصق ورق ملون ، هم فقط الذين لم يبدلوا ولم يغيرُوا.
كان يقبل عليها فجأة . يبدي وداً متدفقاً حتى لتتدلل عليه بينما بهجة تغمرها ، وتبدو البنية سعيدة ، تبادله مرحه ، يحتضنهما معا فيغمرها تأثر .
في اليوم التالى مباشرة ، ربما في اليوم نفسه يصمت ، تأسو ملامحه ، تسأله فلا يجيب .
تستفسر فلا يبدي سبباً معقولاً ، صحيح أنه لم ينطق لفظاً يجرحها ، ولم يعنف معها عند غضبها ، لكن خموده المفاجىء وانغلاق مسامه أمامها كان يحيرها ويدفعها إلى الزهق .
لكم تمدَد بجوارها فوق الفراش وكأنه غير موجود ، وكثيراً ما رغبته لكنها أحجمت ، وبعد مرور ليلة أو اثنتين يقبل تجاهها ، يداعبها ، يمد يده إلى صدرها ، يقبل أطرافها ، وإذ يبدأ تجاوبها ، تهمس عاتبة امها كانت تريده أمس ، فيقول انه كان يريدها أكثر ، تعجب لعد شروعه ، أهو الكسل ؟ أو انشغاله بما لاتعرف ، أحياناً كان يسعى إليها وكأنه يؤدي وبجباً ، يحتضنها وكأنه يتثاءب . ومرات يقبل كعاصفة ، حتى لتبدي ألماً فلا يزيده ذلك إلا إمعاناَ .
تتوالى عليها صور شتى عرفتها معه داخل تلك الحجرة ، فوق هذا الفراش ، بدءا من خيبات الليالي الأولى التالية لزفافها إليه ، حتى المراَت التي حاول خلالها جسداهما التعرف على بعضهما ، استغرق ذلك زمناً طويلاً . راح منها ومنه ، وعندما بلغت ذروة النشوة لأول مرة بعد سبع سنوال من زواجها وأربع من إنجابها عايدة ، لم تكبح نفسها ن راحت تهتز بعنف أدهشه ودست وجهها في صدره دامعة ، ومنذ ذلك الحين أدرك علامتها . وفهم اشارتها ، لكنه لم يسع إليها بما فيه الكفاية ، كان قادراً ولم يفعل ، حتى أدركه الوهن .
تدس رأسها في الوسادة .. هل يصح تفكيرها في أمور كهذه ؟
هل يراها الآن ؟
هل يعرف ما تفكر فيه ؟
تراه في أماكن شتى . فوق يابسة ، يمشي على ماء لا تعرف عمقه ، يعلو في فراغ بلاحد ، يختفي تماماً لكنها توقن أنه موجود في حيزها ، تقوم فجأة .
هل وسنت ؟
هل راحت في النوم ؟
أي ساعة الآن ؟
كأنها نعست يومين متصلين ، تصغى إلى تدفق غريب داخلها . يأتيها من مسارب غامضة ، يدفعها إلى مفارقة الفراش ، الرغبة في الخروج إلى الطريق ، إلى موعد لا تعرفه يجب اللحاق به ، شيء ما يسري ، تعبر الصالة ، تصغى ، لا شك أن ابنتها تغط في نوم عميق .. تتردد أنفاسها بانتظام .
تتراجع على أطراف قدميها ، تحذر أن تحدث صوتاً ، تغلق بابها بالمفتاح ، تماما كماكانت تتأهب للخلوة به إذ تلوح منه المبادرة ويقبل .
تقف أمام مرآة الصوان ، تقترب منها . تلك القتامة تحت العينيين .
اصفرار الأسنان ، الجير المتراكم عند الجذور وخلال الفراغات ، بداية تشقق في شفتيها وتعب سنين طويلة ، فارهاق يومين لم تعد لهما ولم تنتظر طولهما بهذه السرعة ، لم يخطر على بالها رحيله المباغت، انفرادها ، تقطب عينيها .. لكن الملاحة لم تزد ، زميلاتها قدرن عمرها دائماً بسبع سنوات أقل ، بالتأكيد لم يكن مجاملات .
تستدير قليلاً ، نظرة جانبية ، تنحني إلى الأمام ، من مثيرات كوامنها ان تتطلع خلسة إلى مؤخرته في حركتها الصاعدة ، النازلة بين ساقيها إذ تنشب برأسها ، تغمض عينيها بسرعة حتى لا يلحظ . لم تطلعه على ذلك ولم يبذل جهداً ليعرف .
تغمض عينيها ن لم تنظر إلى غيره قط . وكثيراً ماقمعت انفلات أحلامها ، وصدت بحزم صارم أي محاولة اقتراب ، بالنظرة ، بالكلمة ، بالإشارة من أولئك المترصدين أي ثغرة .
لم تخطىء في حقه .. لكنه .. لكنه لم يفهم .
تشير إلى عنقها ، إلى صدرها ، تلمس كتفها اليمنى إلى أسفل ترهل ثدياها قليلا لكن استدارتهما مكتملة ، لم تفسدهما رضاعة طفلة واحدة فطمت مبكراً ، واجتيازها الأربعين بعامين ، لم يبرز لها كرش ، ما زال خصرها عدراوياً وحوضها رحباً .
تتراجع منثنية ، متأودة ، تستقر عند حافة الفراش تتجرد من آخر قطعة تحجب مكنونها ، تتمدد فوق الفراش ، منتصفة تماماً . تماماً .. كما رغبت !

جمال الغيطاني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى