المصطفى اجماهري - توفيقي بلعيد كاتب الوجدان وأخاديد الزمان

توفيقي بلعيد شاعر وروائي مغربي، من مواليد أوريكا بنواحي مراكش سنة 1952. هاجر من هناك مع عائلته بفضل أخته الكبيرة التي كانت تعيش بالدار البيضاء سنة 1954. واستقر مع أمه الأمازيغية وأخته بكاريان سنطرال بالحي المحمدي. حصل على الشهادة الابتدائية بالسنة الدراسية 1966-1965 بمدرسة الأباة الابتدائية الحرة، ثم أكمل دراسته بثانوية ابن خلدون بالبيضاء سنة 1972. وهي السنة التي عرف فيها تجربة اعتقال، وكان خلالها تلميذا لم يتجاوز سنه تسعة عشر سنة.

عمل توفيقي بلعيد خلال حياته المهنية في سلك التعليم، وهو عضو بمجموعة من الهيئات الأدبية والحقوقية، حائز على جائزة ناجي نعمان الدولية ببيروت. كتب بجل الصحف المغربية ونشر أولى قصائده أواخر سنة 1972 بالمنشورات السرية لليسار، قبل أن تظهر أولى قصائده العلنية سنة 1975 بالملحق الثقافي لجريدة “العلم”. وكان أوّل عمل قام بطبعه بدعم من القرّاء هو ديوان “منعطفات سائبة” سنة 1996، بعدها أصدر رواية “ذاكرة الجراح” سنة 2001، التي كان قد نشرها على حلقات بجريدة “المنظمة”، سنة 1998 تحت عنوان “أوراق رجل من زماننا”. وفي 2012 صدر له ديوان “قصائد واجمة” بدعم من وزارة الثقافة، ثم أخيرا وليس آخرا رواية “مسارات حادة جدا”.

انخرط توفيقي بلعيد في عالم الكتابة، مثل جل الكتاب من شباب السبعينيات، بفضل المدرسة العمومية. ففي مدرسة الأباة الابتدائية بحي البرنوصي دفعه معلمه ذ. أحمد زلجنار، لقراءة القصص من أجل أن تتحسن عنده كتابة الإنشاء. ومن يومها أبحر في عالم القراءة كمدخل رئيسي للكتابة. ومثل كثير من جيل تلك الفترة قرأ روايات مصطفى لطفي المنفلوطي وجبران خليل جبران وفكتور هيجو خاصة في روايته “البؤساء” وألبير كامو في روايته “الغريب”.

خلال مساره الإبداعي الذي استمر لأكثر من أربعين سنة، زاوج توفيقي بلعيد بين كتابة الشعر والرواية. لقد لاحظ ومنذ وقت مبكر أن هاتين الوسيلتين في التعبير يخدمان قضيته الوجودية والإنسانية. فهو يحتاج للشعر كاتصال مباشر وجماعي بالناس ويحتاج للرواية كمحاورة حميمية مع المتلقي. هكذا، ومنذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، كان مبدعنا يجوب بعض المدن والقرى ورحاب الجامعات لإلقاء قصائده على الناس، على الذين يقرأون بآذانهم، كما يقول. كان كل نشاط له بالجامعة يجري في الهواء الطلق أو في حلقة ضيقة لتناول تجربته الإبداعية عموماً في علاقتها بالمواقف السياسية والنضالية..

عطفا على هذا الولع الشعري، يعتبر توفيقي من الذين ساهموا، مع أسماء أخرى، في نشر الأغنية الملتزمة والتعريف بكل من الشيخ إمام وأحمد قعبور ومارسيل خليفة وذلك حين تأسيسه في السبعينيات مجموعة “الطلقة الغنائية” صحبة الفنان محمد كدّا. هذه المجموعة تعززت سنة 1980 بأسماء شبابية وأخرى معروفة مثل ثريا الحضراوي في بداياتها. وقد ارتأت المجموعة التصدي للأغنية المبتذلة، وكان من ضمن إبداعاتها أغنية “بدون جواز سفر”. وهي بالمناسبة أغنية ترتبط بحدث واقعي : خوض الشاعر نضالا مريرا في صيف 1990 من أجل الحصول على جواز سفر وهو ما تردد صداه في صحف تلك الفترة.

وتجدر الإشارة إلى أن رواج الديوان الأول للشاعر”منعطفات سائبة” يعود في جزء كبير منه إلى الدعم الرفاقي الذي حظي به من مجموعة من معارفه ومن أصدقائه الذين اقتنوا نسخا من الكتاب حتى قبل أن يُسحب من المطبعة، وأحيانا بسعر تشجيعي فاق غالبا سعر البيع في السوق.

أما في الشق الروائي فيمكن القول إن روايتي الكاتب “ذاكرة الجراح” و”مسارات حادة جدا”، تحملان معا، رسالة الكاتب إلى القارئ بشكل يمتزج فيه الواقع المعيش بدفق رومانسي واضح. وتعالج “ذاكرة الجراح”، كما يشي بذلك عنوانها، ما انحفر في الوجدان من أخاديد الزمان. علما أن هذا الحكي أثار حفيظة بعض أفراد عائلة الكاتب. فقد احتجت إحدى قريباته حين ورد الحديث عنها في صفحة من الرواية، منتفضة في وجه صاحبها بعبارة : “ألم تجد من تكتب عنه سوانا”…

أما الرواية الثانية “مسارات حادة جدا” فتعالج مرحلة حاسمة من تاريخ كاتبها ومن تاريخ المغرب كذلك عرفت تحت اسم “سنوات الرصاص”. استعاد الكاتب في هذا العمل الإبداعي المشوب بالحزن تجربته السجنية من أجل أفكاره وانتمائه السياسي ودأبه في الحياة منذ أن كان صبيا إلى أن أطل على فضاء الكهولة. وقد خلفت هذه الرواية الأخيرة نقاشات واسعة وجدلا في الوسط الثقافي وذلك على غرار ما خلفته روايات أخرى مماثلة وقفت عند الحقبة ذاتها وهمومها.

بين الشعر والرواية يستمر توفيقي بلعيد، رغم طول المسير والتحديات، مصرا على العطاء والحضور.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى