شهادات خاصة حسن بيريش - محمد شكـري كما عرفته.. الملاعين أمثالي يعرفون جيدا كيف يشببون ما يشيخ فيهم (11)

ـ ذات غذاء معه:

أنت مدعو للغذاء معي في بيتي·
يقول لي محمد شكري، ونحن نتأهب لمغادرة (الريتز)، ذات ظهيرة يوليوزية·
في الطريق شرع شكري يدندن بنتف أغنية حالمة· إنه ينضح بما فيه من حيوية·
نصل إلى بيته· يهمس شكري في أذن فتحية بكلمات قليلة، تكتفي هي بهزات من رأسها· ثم تتجه صوب المطبخ·
ــ دقائق قليلة وتكون المائدة جاهزة·
يقول شكري، ويتركني ليغير ملابسه·
أبديت إعجابي بصنوف الطعام، علق شكري راضيا:
ــ فتحية طباخة ماهرة· تعرف جيدا الأصناف التي تروق لي، والأخرى التي لا أستسيغها·
يشرب قليلا من الماء المعدني· يضيف:
ــ فتحية قضت في خدمتي أكثر من عشرين عاما· لم تكن تعرف كيف تطبخ الكثير من الأصناف· أنا الذي علمتها·
ــ سمعت أنك طباخ ماهر·
توقف عن الأكل، قال في انشراح:
ــ نعم، هذا صحيح، كل من تذوق أكلي طلب المزيد· عندما يزورني الكاتب التونسي حسونة المصباحي، كل صيف، يطلب مني أن أعد له الأرنب بالزبيب· الأكلة التي يشاركني في حبها·
الساعة الثالثة إلا ربعا· ودعني عند باب الشقة· صوته يلاحق خطواتي النازلة:
ــ السي حسن·· ما تغيبش بزاف· خلني نشوفك مرة مرة· حياك الله·

ــ يوميات :

ــ مساء 2001/1/16·
قابلته قرب (ليسي رينيو)· يبدو منزعجا· مزاجه متعكر· أعصابه متوترة· يداه ترتعشان·
سألته عن صحته· قال في ضيق:
ملوث أنا بخراء الملاعين!
مد يده لي:
ــ إسمح لي· عندي موعد مع المحامي عبد الله الزيدي· نلتقي فيما بعد·
لاحقا سأعرف أن الأستاذ الزيدي ينوب عن شكري في الدعوى القضائية التي رفعها ضده صاحب العمارة التي يسكن شكري طابقها الخامس·

ـ صباح 2001/1/27
كنا جالسين في (إلدورادو)· قلت له:
ــ سمعت أن طلحة جبريل يعد كتابا عنك·
ــ نعم، بدأنا العمل فيه· لكني رفضت استكماله·
ــ لماذا؟
ــ لموقف شخصي· هو يعرفه· وليس مهما أن تعرفه أنت·
ــ ما رأيك في كتابه عن الطيب صالح؟
ــ لم أقرأه بعد· أقرأ ما هو أهم·
بعد قليل صمت· سألني:
ــ أين وصلت مبيعات كتابك الشامل؟
ــ لا أدري· لم يطلعني الناشر بعد على حجم المبيعات· لكن قيل لي إن الكتاب يباع جيدا في تطوان·
ــ القصائد الطوال التي خصصت لها فصلا كاملا في كتابك، جد مملة، خذلك ذوقك، وخانك الانتقاء!
ــ هل أعجبك ما كتبته عنك في هذا الكتاب؟
ــ ما قلته عني في "هكذا تكلم محمد شكري" أفضل بكثير·

ـ مساء 2001/1/28
التقيته في (إلدورادو)، كنت أحمل معي مقال حسن نجمي عن محمد خير الدين· وبيان صادر عن جمعية أسر ضحايا معتقل تازمامارت، يستنكر ما جاء في رواية الطاهر بن جلون "هذا الغياب المعمي للضوء"·
أردت الانصراف احتراما لموعده الثابت مع امحمد البوكيلي (الأحد المقدس ـ هكذا يسميه شكري)· أمسك بذراعي يستبقيني "ابق معي حتى يجيء البوكيلي· إنه لن يتأخر"·
قرأ مقالة نجمي بتأن· علق قائلا:
ــ أتفق مع نجمي في قوله: "إننا نتحدث عن شعر محمد خير الدين ونثره، لكن المغاربة جميعا مازالوا محرومين من كتبه· فليس هناك كتاب واحد لخير الدين يمكننا شراؤه من السوق الثقافية المغربية"·
قرأت عليه ما جاء في البيان: "إن بن جلون أزال النقاب عن نصف الحقيقة عندما كتب عن المعتقل· لكنه تغافل عن النصف الثاني الذي يعد أكبر مذبحة في تاريخ المغرب الحديث· أراد بن جلون إرضاء القارئ وجذبه إلى هذا النوع من القصص المثيرة متناسيا مآسي في النفوس والأجساد والقلوب"·
سألته:
ــ ما رأيك؟
ــ لا يمكنني أن أصدر حكما· أنا لم أقرأ الرواية بعد·
ــ هل ستقرأها؟
ــ قد أقرأها· وقد لا أقرأها· أعتقد أن مذكرات الرايس تحتوي على تفاصيل، قد لا تكون في الرواية·
قلت:
ــ ثمنها يفوق القدرة الشرائية للقارئ المغربي·
ــ يمكن أن تباع رغم سعرها المرتفع· هناك فضول لدى الفرنسيين لمعرفة مغرب السبعينات· في هذه الحالة لا يعبأ القارئ بالجودة أو الرداءة في العمل الأدبي، بقدر ما يستهويه الفضول·
جاء توفيق الدباب· بدا البشر على وجه شكري· استقبله بحفاوة مميزة:
ــ أهلا سي توفيق· سأعاتبك· لم تهاتف منذ مدة لتسأل عن أحوالي·
ــ أقبل عتابك· أنا مستعد باش نخلص الحق·
جلس· أشار بيده إلى شعر شكري الكثيف· قال ضاحكا:
ــ لقد شخت، السي محمد· تبدو كما لو أنك مكثت زمنا في كهف!
قال شكري بصوت صاخب:
ــ طز في الشيخوخة! الملاعين أمثالي يعرفون جيدا كيف يشببون ما يشيخ فيهم·
ــ عيناك ناعستان· هل شربت كثيرا كعادتك؟
ــ عيني اليمنى تدمع باستمرار· خاصة عندما أقرأ كثيرا· أما عيني اليسرى فهي جد سليمة·
مكث توفيق الدباب حوالي عشر دقائق، ثم غادر· قال شكري: "توفيق الدباب من أفضل إعلاميي محطة ميديI· بعد عبد القادر شبيه أستاذهم جميعا· توفيق ماهر في الترجمة الفورية· يتوفر على ثقافة مزدوجة: فرنسية ـ عربية· وهو شمولي في ثقافته· يستطيع أن يناقشك في كل القضايا باقتدار وعمق فلسفي· انتقاله إلى الدوزيم أعتبره خسارة لميديI"·
ــ سألته:
ــ ما رأيك في إبراهيم الغربي
ــ إعلامي جيد· لكنه مسيس·
ــ هل يدفعون جيدا في ميدي I؟
ــ نعم· أنا كنت أتقاضى عن برنامجي "حدث ذات يوم" خمسة آلاف درهم شهريا·

8/19/2005

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى