د. أحمد الزعبي - عود الكبريت

منذ ثلث ساعة تقريبا انتبه بعض الطلبة إلى أن نارا خفيفة تشتعل في ساحة الجامعة الرئيسية إمام المطعم الكبير. تحول الانتباه إلى استغراب فحب استطلاع فذعر.. فصمت.. فتوجس.. فإقدام.. ثم اتجه بعضهم نحو النار. هذا عود كبريت مشتعلٌ. قال واحدٌ. وإن الاشتعال يتزايد. قالت واحدة. داس رجل على النار فلسعته.. فتراجع مرتبكاً نفخت فتاة عليها فتزايد اللهب. ليس الأمر يسيراً إذن. طلبة آخرون اقتربوا من المكان ولكي لا تتفاقم المسألة راح بعضهم يقترب من النار يحاول إطفاءها بكتاب أو حفنة تراب أو نعل أو قميص من الحرير. العجيب أن النار تزايدت وارتفعت ألسنة اللهب حتى بدت واضحة للمارة أو الواقفين في ساحة الجامعة. أيقن الطلاب أن المسألة خطيرة ومختلفة، فصدر منهم همهمات ووشوشات سرعان ما تحولت إلى صراخ وزعيق وتراكض المتفرجون إلى الحشد المذعور يستطلعون الأمر. تحولت الأصوات إلى ما يشبه الدوي وانفض القوم ذاهلين مسرعين متراكضين في أنحاء الجامعة، بعضهم يحضر ماء وبعضهم الآخر ينبش ترابا ويحمله إلى النار. الأعجب أن كل هذا لم يُجْدِ شيئا.. فاستعرت النار أكثر فأكثر.. وانتشر الدخان في الفضاء وبدا المنظر مثل حريق هائل يأكل اليابس والأخضر (من الناحية العلمية النار لا تأكل الأخضر إلا بعد تيبيسه). اكتظت الساحة بالناس من داخل الجامعة وخارجها وبدأت الجماهير المحتشدة تتراجع أمام النار المتزايدة وتتفادى الشرر المتطاير. وبسرعة البرق استدعيت عربات الإطفاء وبسرعة الصوت استدعيت سيارات الإسعاف وبسرعة الريح أبلغ البوليس عن حريق رهيب في الجامعة. وما إن سمع صفير الإطفاء ولعلع في الجو صوت الإسعاف حتى سارع الناس إلى فسح المجال أمام فرق الإنقاذ لمعالجة الأمر. خفتّ حدة الذعر بين الحشود قليلا حين وصل عمال الإطفاء وانبروا بمهارة وسرعة واهتمام لتطويق النيران وإطفاء الحريق. الأكثر عجبا، والذي أذهل العمال والطلبة والبوليس والدنيا كلها، أن الحريق لم يتأثر بأي شيء، وان النيران رغم تدفق مياه الإطفاء عليها ما تزال في اشتعال مستمر. حدث كرٌّ وفرٌّ بين الناس، وتزايد الذعر والخوف والجنون أكثر فأكثر. ما الذي يحدث؟ تعجب مدير الإطفاء. عود الكبريت لا يزال مشتعلا في لبّ الحريق، صرخ طالب، ثم اندفع إلى وسط النيران محاولا احتواء عود الكبريت نفسه الذي – في ظن الطالب – أن النار لن تنطفىء ما لم يطفأ العود نفسه، لكن النار كانت أقسى وأشدّ وأعنف وأقوى فالتهمت الطالب الأخضر.
.
الآن وقد انقضت نصف ساعة على موضوع الحريق، فإن الجهات المختصة قد أبلغت جهات أكثر اختصاصا منها بالأمر، وقد طلب من كل الإطفائيات في المحافظة وفي محافظات أخرى أن تهرع بالسرعة القصوى إلى مكان الحادث، بسبب خطورة الأمر واستفحال الحريق، وصدرت الأوامر بإبعاد الناس عن مكان النيران، واتخذت الاحتياطات اللازمة لمنع انتشار النار في مرافق الجامعة والمدينة. وفي هذه اللحظة ما تزال الحشود ترتقب وتنظر بخوف واستغراب ما سينتج عن هذا الأمر، وما تزال النيران أيضا مشتعلة بشكل مخيف.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى