علي حزين - متواليات عشر , على مسرح الحياة

((1))
المشهد ليلي .. رؤية ضبابية .. المسرح يعج بالجماهير, فجأة , تُطفأ الأنوار .. وتفتح الستار, مطر, ضباب , صقيع , أصوات عالية , هتافات, هنا وهناك , صور ممزقة , فوضى عارمة , الناس في كل مكان , أتوا من كل صوب وحدب, والشوارع مُلأت عن آخرها, وجوه كالحة عابسة , حزينة , ووجوه ناضرة , ناظرة , وهي مستبشرة , سعيدة .....
((2))
سلب , نهب , ضرب , دكاكين مغلقة , شوارع فارغة, أم وهي تخاف على أولادها, تصرخ , اللصوص يملئون الشوارع , وقد خبأت الأصوات قليلاً , فجأة , يظهر ملء الكادر, دخان يحجب الرؤية , الشمس تنطفئ , والأم ما زالت تصرخ , وهي خائفة عن أولادها تبحث , تتعرقل , ترتمي على الأرض من التعب , تبحث عن شربة ماء فلا تجد , تصرخ , عطشانة , يصفق الجمهور , تُضاء الأنوار , نقطة, ومن أول السطر , .....
((3))
يظهر البطل على خشبة المسرح , غير واضح الملامح , عليه ثياب نظيفة, تصفيق حاد من الجماهير, ينحني يحيي الجماهير, ثم يستدير, يجلس على الكرسي الأحمر, المعد له سلفاً , برهة ترقب في حذر, ولم يزل المشهد غَابِشَ , مشوش , صمت مفتعل, يتبعه تصفيق حاد للجماهير من جديد , يضحك , فتضحك الجماهير , وهم لا يدرون لماذا يضحكون , ويعلو التصفيق, والهتاف , .........
((4))
تدخل الفرقة الموسيقية , تعزف مقطوعة موسيقية راقصة , ويبدأ الحفل, الرقص والغناء , والكل يجلس ليستمع , في إصغاء , وينتظر دوره في الرقص , يهز الرأس , فتهز الناس رؤوسهم , طرباً, وقد امتلأ المسرح عن آخره , بالتصفيق, والهتاف الحار , ثم يسدل الستار ......
(( 5 ))
الناس في الشوارع , تغدوا, وتروح , وهم متفائلون , تبيع وتشتري , في حركة دائبة لا تهدأ ولا تنقطع , وهم سعداء, يسلم بعضهم على بعض, يتزاورون , يتسامرون , يتهادون , ويتبادلون التهاني والتبريكات , وهم يضحكون , ويتحدثون بصوت عالٍ , وهم يحلمون, ويُمَنون أنفسهم بغدٍ جديد أفضل .. وكان المشهد مزدحم .. مُزَرْكَشٌ
((6))
البطل , معتوه , يقف, يخلع سترته , ثيابه, ينقلب , يتحول إلى ثعبان .. يتعملق , يتمدد , بطول الطريق, يسد الشارع , ويغلق الطريق على المارة , يلتهم السيارات , وأعمدة الإنارة , واليافطات, والمحلات , والواجهات , والجالسون على الطريق , منهم من يبيع اللحم الطازج ومنهم من يبيع الخبز , والخضار, ومنهم من يبيع الفاكهة والكل يعرض ما لديه من بضاعته وسلعة كاسدة , ولا أحد يشتري , فقط ينظرون , وينتظرون , الفرج من السماء, ...........
((7))
الثعبان يتمدد, يملأ المكان , الناس يملئها الخوف , تريد أن تمر , تعبر, ولا تستطيع , ينظر إليهم في تحدٍ, يتوعدهم إن اقتربوا , حتى لا يأكلهم, يلقون إليه خبزهم , يزغر لهم من جديد يتوعدهم , فيلقون إليه اللحم , والدجاج , يلتهم أولادهم , وهم خائفون , يلقون إليه البيوت فيلتهمها, يبتلعها , يتضخم , ولا أحد يستطيع أن يقترب منه , وهو لا يشبع , ولا ينصرف, وهو ينظر إليهم نظرة تحدي, والخبز الذي يأكلونه لا يكفي , وصناديق القمامة افترشت حتى غطت الأرض, والخبز الذي بأيديهم نفذ, وانتشرت الأمراض, والأوبئة, وسط أكوام القمامة ,
المشهد .. طفل صغير يبكي , وأخوه يبحث له عن طعام .. تصفيق جديد من الجماهير لكنه تصفيق بارد في هذه المرة, ثم يُسدل الستار,.
((8))
الدكاكين مفتحة, ومفتوحة .. والمطاعم تقدم خدمتها للزبائن .. والناس على القهاوي , يتحدثون عن وقفان الحال, والقهر, والشوارع أصبح لا هم لها إلا الخوف على أولادهم وذويهم, والكل صار يتحدث عن الثعبان الذي تعملقَ فجأة, وقطع الطريق عليهم, وعن فمه الواسع, وأنيابه الكبيرة وأسنانه الحادة, وكيف أنه لا يشبع أبداً, مهما ألقوا له من طعام , وقوت يومهم .. حتى قالوا بأنه في يوم واحد ابتلع أكثر من تمساح , حتى أصبح الناس خائفين, مرعوبين على أولادهم, وعلى البيوت التي يسكنونها من أن يلتهمها الثعبان , ويبتلعها هي الأخرى في بطنه , فهو كالطوفان الذي إذا جاء , لا يبقي ولا يذر .....
((9))
الثعبان يلد ثعابين صغيرة , راحت تسعى هنا وهناك , فقد تزوج الثعبان من منطقة مجاورة , وقد طلب من الناس بأن تذهب إليه كل يوم, لتلقي إليه بالخبز, والدجاج , والبيض , فاستجاب الناس لأوامره , وراحوا كل يوم يلقون إليه الخبز والدجاج الذي بأيدهم , وينامون طاوين , خمص البطون , حتى لا يأكل المزيد من أولادهم , ويلتهم بيوتهم التي لم يعد لهم غيرها لتسترهم فهي كل ما يملكون في هذه الحياة من حطام الدنيا, ثم طلب منهم ثيابهم فأعطوه , وطلب منهم أن يزفوه على زوجته الأفعى فزفوه , وطلب منهم راتباً شهرياً فأعطوه , وطلب ثياباً جديدة, فألبسوه, وطلب .. وطلب .. وطلب ,, وهم يعطوه , حتى يرضى عنهم , ويرضوه ويتركهم وشأنهم , ويدعهم أن يعبروا , أو يهاجروا إلى الضفة الأخرى , ولكن هيهات .....
((10))
الثعبان يرتدي ثيابه الجديدة , يظهر في الشارع , كرجل وقور , يمر , يتفقد الوجوه , يجد طفلاً صغيراً يبكي .. يحمله على كتفه .. يقبله , يصعد به فوق المنبر, يخرج شيئا من جيبه , يطعمه الصغير أمام الناس, ثم يبكي, ويطلب من الناس أن تبكي معه على اليتيم, فتبكي الناس على بكائه , يتوسط الكادر وجهه العابس , فيصفق له الجميع , فيطلب من الناس أن يتبرعوا لهذا الصغير, بعض الناس تعاطفوا مع المشهد , والبعض الأخر أخرج شيئاً من جيبه وتبرع به , والبعض الثالث اكتفى بمصمصة شفاه , وهز كتفيه , ومضي .....

***********
على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر
تمت مساء السبت 25 / 2 / 2023

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى